طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 12 نيسان/أبريل 2024 13:31

فضيلة الشيخ. أحمد بن طالب في خطبة الجمعة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال؛ كان كصيام الدهر).

قيم الموضوع
(1 تصويت)

خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ أحمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: إذا كمل الصائمون صيام رمضان وقيامه، فقد وفوا ما عليهم من العمل، فبقي ما لهم من الأجر وهو المغفرة، فإذا خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة، قُسمت عليهم أجورهم، فرجعوا إلى منازلهم وقد استوفوا الأجر واستكملوه، فمن وفى وفيَ له، ومن سلم ما عليه موفرًا تسلم ما له نقدًا لا مؤخرًا، ومن نقص نُقص منه، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهوته، ويطفف مكيال صيامه وصلاته، ذلك أسوأ الناس سرقة، (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ).

وأكمل: كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يتهمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، قال الله عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (57) وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ (58) وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ (59) وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ (60) أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ)؛ وكانوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)؛ فلقبول مثقال حبة من خردل، أحب إليهم من الدنيا وما فيها؛ فالحذر في العمل ألا يكون لله، والخوف على العمل ألا يتقبل، وكان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم، فالله جعل شهر رمضان لخلقه مضمارًا يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، فمن هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه، ويا أيها المقبول هنيئاً لك، ويا أيها المردود جبر الله مصابك، فكم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، ومن أعتقه مولاه من النار إياك أن تعود بعد أن صرت حرًا إلى رق الأوزار، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تقترب منها، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.

وبيّن فضيلته: إن كانت الرحمة للمحسنين، فالمسيء لا ييأس منها، وإن تكن المغفرة مكتوبة للمتقين، فالظالم لنفسه غير محجوب عنها، فأحسن الظن بمولاك وتم إليه، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك , والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتختم به الصلاة، والحج، وقيام الليل، والمجالس، فإن كانت ذكرًا كان كالطابع عليها، وإن كانت لغواً كان كفارة لها، وكما أن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث، وصدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة، وصيامنا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، وقد اتسع الخرق على الراقع، فكم نرقع الخروق بمخيط الحسنات ثم نقطعها بحسام السيئات، كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها، كما يستغفر المذنب من ذنبه، فرحم اللهم من حسناته سيئات، ومن طاعته كلها غفلات , وأوضح: أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة وهي حل عقدة الإسرار، فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود، حري أن يكون صومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود، وروي النهي عن قول المرء صمت رمضان كله، أو قمت رمضان كله، قال أبو بكرة رضي الله عنه: فلا أدري أكره التزكية؟ أم لا بد من غفلة.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستًامن شوال؛ كان كصيام الدهر). رواه مسلم، الأولى أن يكون ذلك بعد قضاء صيام الفرض، ولا فرق في ذلك بين متابعتها وتفريقها من الشهر كله، والمتابعة أولى مسارعة في الخيرات، ومبادرة للعائقات، ولو آنس أهله وقرابته بالفطر أول الشهر، ثم استأنف الصيام فهو حسن، وروي عن بعض السلف صيام شهر شوال أو أكثره فهو وشعبان حريم لشهر رمضان، وإنما كان صيام ست من شوال مع صيام رمضان يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والأيام الستة بشهرين فذلك صيام سنة كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الفضل حاصل ولو كان الشهر تسعًا وعشرين لقوله صلى الله عليه وسلم: (شَهرا عيدٍ لا ينقصانِ رمضانُ وذو الحِجَّةِ)، والمراد كمال الأجر، وكره إسحاق أن يقال لشهر رمضان أنه ناقص وإن كان تسعا وعشرين يومًا لهذا المعنى، واختصاص الست من شوال بأن يكون له أجر صيام الدهر فرضًا بخلاف ما لو صام ستة من غير شوال، وهي كالراتبة البعدية يكمل بها ما حصل في الفرض من خلل ونقص، ومعاودة الصيام والطاعات بعد رمضان علامة على القبول، فثواب الحسنة الحسنة بعدها، وعلامة رد الحسنة السيئة بعدها، وهو من شكر الله على نعمة الغفران أفلا أكون عبدًا شكورا قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)؛ وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر؛ والأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية ما دام العبد حي، فهو عمره كالحال المرتحل، وبئس القوم قوم لا يعرفون لله حقًا إلا في شهر رمضان، فكن عبدًا ربانيًا لا رمضانيًا.

قراءة 1044 مرات