طباعة
الزيارات: 8704

​الحِجْر هو الحائط الواقع شمال الكعبة المشرفة على شكل نصف دائرة .​

قال ياقوت الحموي : ولقد سمي حِجْرًا ؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم عليه السلام ، وحجرت على المواضع ، ليعلم أنه من الكعبة .​

وقال الأزهري : الحِجْر : حطيم مكة ، كأنه حجرة مما يلي المثعب من البيت.​

​وقال الجوهري : الحِجْر هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال ، وكل ما حجرته من الحائط فهو حِجْر .​



الحِجْر تاريخ وأحكام :​

​​من المعلوم أن قريشًا حينما بنت الكعبة استقصروا من بنيان الكعبة المشرفة ، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي ما تركوه ، فأراها قريبًا من سبعة أذرع » رواه مسلم.​​

وروى مسلم في صحيحه عن عطاء قصة هدمها وبناء عبد الله بن الزبير لها على ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريده ، فقال : « لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام ، فكان من أمره ما كان ، تركه ابن الزبير ، حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام ، فلما صدر الناس ، قال : يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها ؟ أو أصلح ما وَهَى منها؟ قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وَهَى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارًا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي ? . فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجِدَّه ، فكيف بيت ربكم !! إني مستخير ربي ثلاثًا ، ثم عازم على أمري ، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها ، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ، حتى صعده رجل ، فألقى منه حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا ، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض ، فجعل ابن الزبير أعمدة ، فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه ، وقال ابن الزبير : إني سمعت عائشة تقول :​

إن النبي ? قال : لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه ، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ، ولجعلت لها بابًا يدخل الناس منه ، وبابًا يخرجون منه .​

قال : فأنا اليوم أجد ما أنفق ، ولست أخاف الناس ، قال : فزاد فيه خمس أذرع من الحجر ، حتى أبدى أسًّا ، نظر الناس إليه ، فبنى عليه البناء ، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعًا ، فلما زاد فيه استقصره ، فزاد في طوله عشر أذرع ، وجعل له بابين : أحدهما يدخل منه ، والآخر يخرج منه . فلما قُتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكة ، فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء ، أما ما زاد في طوله فأقره ، وأما ما زاد فيه من الحِجْر فرده إلى بنائه ، وسد الباب الذي فتحه ، فنقضه وأعاده إلى بنائه »اهـ .​

وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها « أن النبي ? قال لها: يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت ، فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ، فبلغت به أساس إبراهيم . فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه . قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحِجْر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل ، قال جرير : فقلت له أين موضعه؟ قال أُريكَه الآن ، فدخلت معه الحِجْر ، فأشار إلى مكان ، فقال : ها هنا . قال جرير: فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها » .​

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ? : « يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك ، لهدمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة » .​

وفي رواية : « وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشًا اقتصرتها حين بنت الكعبة » .​

وفي رواية : « خمس أذرع » .​

وفي رواية : « قريبا من سبع أذرع » .​​​​

وفي رواية : « قالت عائشة سألت رسول الله ? عن الجدار أمِنَ البيت هو ؟ قال : نعم » .​

وفي رواية : « لولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكره قلوبهم لنظرت أن أُدخل الجدر في البيت » .​

​وعليه فمن هذه الروايات يُعلم أن الحِجْر ليس كله من البيت ، بل منه ما يساوي خمسة أذرع أو ستة أذرع أو سبعة أذرع ، وكل هذه الروايات صحيحة ثابتة ، ولا تعارض بينها فإن الأقل داخل في الأكثر .

​قال ابن الصلاح : « قد اضطربت الروايات ففي رواية الصحيحين : الحجر من البيت ، وروي ستة أذرع من الحجر من البيت ، وروي ستة أذرع أو نحوها ، وروي خمسة أذرع ، وروي قريبًا من سبع ، قال : وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها ليسقط بيقين » .​

​ورَدَّ الحافظ ابن حجر هذا الكلام بقوله :​

​« وإن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم ، وهو أوْلَى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب ، كما جنح إليه ابن الصلاح وتبعه النووي ؛ لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ، ولم يتعذر ذلك هنا ، فيتعين حمل المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما ، ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على سبب واحد وهو أن قريشًا قصروا على بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأن ابن الزبير أعاده على بناء إبراهيم ، وأن الحجاج أعاده على بناء قريش ، ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت .​

​قال المحب الطبري في ( شرح التنبيه ) : والأصح أن القدر الذي في الحجر من البيت قدر سبعة أذرع ، والرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة ، فيحمل المطلق على المقيد ، فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازًا .​

وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع الحجر من البيت ، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر ، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه ، ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم أنه طاف من داخل الحجر وكان عملا مستمرًّا ، ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت .

وهذا متعقب فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت ، فقد نص الشافعي أيضا كما ذكره البيهقي في ( المعرفة ) أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع ، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم ، فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطا ، وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب ، فلعل النبي ? ومن بعده فعلوه استحبابًا للراحة من تسور الحجر ، لا سيما والرجال والنساء يطوفون جميعًا ، فلا يؤمن من المرأة التكشف ، فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة » .​



ذرع الحِجْر :​

​ذرعه الأزرقي وابن جماعة ، فقال الأزرقي : « عرضه من جدار الكعبة من تحت الميزاب إلى جدار الحجر سبعة عشر ذراعًا وثمانية أصابع وذرع ما بين بابي الحجر عشرون ذراعًا وعرضه اثنان وعشرون ذراعًا ، وذرع الجدار من داخله في السماء ذراع وأربع عشرة أصبعًا، وذرعه مما يلي الباب الذي يلي المقام ذراع وعشر أصابع ، وذرع جدار الحجر الغربي في السماء ذراع وعشرون أصبعًا ، وذرع طول الحجر من خارج مما يلي الركن الشامي ذراع وست عشرة أصبعًا ، وطوله من وسطه في السماء ذراعان وثلاث أصابع ، وعرض الجدار ذراعان إلا أصبعين ، وذرع باب الحجر الذي يلي المشرق مما يلي المقام خمس أذرع وثلاث أصابع ، وذرع باب الحجر الذي يلي المغرب سبع أذرع ، وذرع تدوير الحجر من داخله ثمانية وثلاثون ذراعًا، وذرع تدوير الحجر من خارج أربعون ذراعًا وست أصابع »اهـ .​

​​​​​وذرعه الفاسي فقال : « وقد حررنا أمورًا تتعلق بالحجر ، فكان ما بين وسط جدر الكعبة الذي فيه الميزاب إلى مقابله من جدار الحجر خمسة عشر ذراعًا ، وكان عرض جدار الحجر من وسطه ذراعين وربعًا ، وسعة فتحة الحجر الشرقية خمسة أذرع ، وكذلك سعة الغربية بزيادة قيراط ، وسعة ما بين الفتحتين من داخل الحجر سبعة عشر ذراعًا وقيراطان ، وارتفاع جدار الحجر من داخله عند الفتحة الشرقية ذراعان إلا قيراطًا ، ومن خارجه عندها ذراعان وقيراطان ، وارتفاع جدار الحجر من داخله ومن وسطه ذراعان إلا ثلثًا ، وفي خارجه ذراعان وقيراطان ، وارتفاع جدر الحجر من داخله عند الفتحة الغربية ذراعان إلا قيراطًا، ومن خارجه عندها ذراعان وثمن ذراع ، كل ذلك بذراع الحديد » .​

​​وذَرَعه إبراهيم رفعت باشا فقال : « ارتفاعه 1.31م ، وعرض جداره من الأعلى 1.52م ومن أسفل 1.44م ، وسعة الفتحة التي بين طرفه الشرقي إلى آخر الشاذروان 2.30م ، وسعة الفتحة الأخرى التي بين طرفه الغربي ونهاية الشاذروان 2.33م ، والمسافة التي بين طرفي نصف الدائرة 8 م ، ووراء الحطيم بمسافة 12م المطاف ، والمسافة من منتصف جدار الكعبة الشمالي ووسط تجويف الحطيم من الداخل 8.44م » .​

وأما ذرع الحِجْر بالمتر في عصرنا الحالي : فطوله من وسط التدويرة من جدار الحجر الداخلي إلى جدار الكعبة الخارجي الشمالي (8.46.5) ثمانية أمتار وستة وأربعون ونصف سنتيمتر .​​



عمارة الحِجْر :​

قال ابن فهد في حوادث سنة 140هـ : « وفيها رخم الحِجْر بأمر أبي جعفر المنصور ، وهو أول من رخمه» . وذكر الأزرقي « أن المنصور العباسي لما حج ، دعا زياد بن عبيد الله الحارثي أمير مكة ، فقال : إني رأيت الحِجْر حجارته بادية ، فلا أصبحن حتى يستر جدار الحجر بالرخام . فدعا زياد بالعمال ، فعملوه على السرج قبل أن يصبح، وكان قبل ذلك مبنيًّا بحجارة بادية ليس عليه رخام .​​

​ثم كان المهدي بعد ذلك قد جدد رخامه» اهـ . وكان ذلك عام 161هـ عام زاد المهدي في المسجد الحرام زيادته الأولى . وقال أبو محمد الخزاعي : أنا أدركت هذا الرخام الذي عمله ، وكان رخامًا أبيض ، وأخضر ، وأحمر ، وكان مزويًا وشوابير صغارًا ، ومداخلاً بعضه في بعض ، أحسن من هذا العمل .​​​

​ثم تكسر فجدده أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى ، وهو أمير مكة في سنة 241هـ في خلافة المتوكل .​

ثم جدد بعد ذلك في سنة 283هـ في خلافة المعتضد العباسي .​

​ثم عمره الوزير جمال الدين المعروف بالجواد ، وذلك في عشر الخمسين وخمسمائة .​

​وعمر أيضًا في خلافة الناصر العباسي في سنة 575 ، ثم في زمن المستنصر العباسي .​​

ثم في زمن الملك المظفر صاحب اليمن .

وكذلك في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون . قال الفاسي : وفي الرخامة التي فيها خبر عمارة الملك الناصر أن ذلك سنة720هـ .​​

​​​​ثم عمر أيضًا في دولة الملك المنصور علي بن الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة 781هـ .
ثم عمر في سنة 801هـ في العمارة التي أمر بها الملك الظاهر برقوق .​

​ثم عمر في سنة 822 في رجب وشعبان كثير من رخامه ، عمارة جيدة بالجبس ؛ لتداعي ذلك إلى السقوط ، وكان غالب ذلك في جدار الحجر ، بيد القائد علاء الدين كما ذكره ابن فهد .​

ثم عمر كثير من رخامه في جداره في ظاهره وباطنه وأعلاه ، وفي أرض الحِجْر ، وذلك في المحرم من سنة 826هـ عمارة حسنة بالجص .​

​ذكر ذلك كله الفاسي ، وقال بعده : وقد خفي علينا شيء كثير من خبر عمارة الحجر من دولة المعتضد العباسي إلى خلافة الناصر ، فإنه يبعد أن يخلو في هذا الزمن الطويل من عمارة .​

وذكر ابن فهد في حوادث سنة 838هـ أن سودون المحمدي جاءه من مصر ستون ذراعًا رخامًا لمرمرة الحجر ، فعمره .​

وعمره السلطان جقمق سنة 843هـ .​

​​​

وقايتباي سنة 880هـ .​

​​​

​وقال الطبري في الأرج المسكي : قد عمر الحجر جماعة من ملوك الجراكسة منهم أبو النصر قانصوه الغوري في سنة 917هـ وكانت عمارته في هذه السنة مرتين .​

​​​

وعمره من ملوك آل عثمان السلطان محمد خان بن السلطان مراد خان .​

​​​

​وعمره السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان .​

​​​

​وقال بعضهم : إنه عمره السلطان سليمان سنة 940هـ .​

​​​

​​وقال البعض : إنه عمره السلطان محمد خان سنة 1073هـ .​

​​​

​وجاء في تحصيل المرام:وممن عمره السلطان عبد الحميد خان سنة 1260هـ. ذكر ما تقدم من عمارة الحِجْر العلامة حسين باسلامة .​

​​​

وفي العهد السعودي الزاهر عمر الحِجْر سنة 1397هـ تعميرًا في غاية الجمال والإتقان ، وفرشت أرضه بالحجر البارد الذي جلب من اليونان ، كما هو في أرض المطاف، وجعل على جداره ثلاثة فوانيس معدنية في غاية الجمال، تضاء بالكهرباء.​

​​​

​وفي سنة1417هـ بعد الترميم الشامل للكعبة المشرفة الذي تم في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله ، تم إزالة الرخام القديم لجدران وأرضية الحجر ، واستبداله برخام جديد ، كما تم تنظيف الفوانيس الموجودة على الجدران وإعادتها إلى موقعها السابق ، وتم عمل حاجز من الحبال لمدخل الحجر متين القوام ، منمق الشكل يتناسب مع مكانة الحجر وتعظيمه ، ويفتح الحاجز بصورة دائمة ، ويغلق عند الحاجة فقط .​

​​​

أخبار عن الحجر :​

خبر ندم عبد الملك بن مروان على إذنه للحجاج في هدم بناء عبد الله بن الزبير:​

قال ابن حجر في الفتح : قال أبو أويس : « فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها ، ولعن الحجاج » ولابن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد : « فرد الذي كان ابن الزبير أدخل فيها من الحجر ، قال فقال عبد الملك : وددنا أنا تركنا أبا خبيب وما تولى من ذلك » .

​​​​

وقد أخرج قصة ندم عبد الملك على ذلك مسلم من وجه آخر ، فعنده من طريق الوليد بن عطاء : « أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك في خلافته فقال : ما أظن أبا خبيب - يعني ابن الزبير - سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها ، فقال الحارث : بلى أنا سمعته منها » .​

​​​​

​زاد عبد الرزاق عن ابن جريج فيه : « وكان الحارث مُصَدَّقًا لا يكذب . فقال عبد الملك : أنت سمعتها تقول ذلك ؟ قال : نعم ، فنكت ساعة بعصاه وقال: وددت أني تركته وما تحمل » .​

​​​​

وأخرجها أيضا من طريق أبي قزعة قال : « بينما عبد الملك يطوف بالبيت ، إذ قال : قاتل الله ابن الزبير ، حيث يكذب على أم المؤمنين - فذكر الحديث - فقال له الحارث : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين ، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث بهذا ، فقال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على بناء ابن الزبير » .​

​​​​

الرد على من قال بإعادة الكعبة على ما فعله ابن الزبير :​

حكى ابن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير ، فناشده مالك في ذلك ، وقال : أخشى أن يصير ملعبة للملوك ، فتركه .​​

​​​​

قلت –القائل ابن حجر- : وهذا بعينه خشية جدهم الأعلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فأشار على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة، ويجدد بناءها، بأن يَرُمَّ ما وَهَى منها ، ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص ، وقال له :« لا آمن أن يجيء من بعدك أمير فيُغَيِّر الذي صنعتَ » أخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه .​

​​​​

​وذكر الأزرقي أن سليمان بن عبد الملك هَمَّ بنقض ما فعله الحجاج ، ثم ترك ذلك ؛ لما ظهر له أنه فعله بأمر أبيه عبد الملك .

​​​​

ولم أقف في شيء من التواريخ على أن أحدًا من الخلفاء ولا من دونهم غَيَّر من الكعبة شيئًا مما صنعه الحجاج إلى الآن ، إلا في الميزاب والباب وعتبته ، وكذا وقع الترميم في جدارها غير مرة ، وفي سقفها ، وفي مسلم سطحها ، وجدد فيها الرخام .

​​​​​

هل كان حائط الحِجْر مبنيًّا زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟:​

قال ابن حجر : « وأما ما نقله المهلب عن ابن أبي زيد أن حائط الحجر لم يكن مبنيا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، حتى كان عمر ، فبناه ، ووسعه قطعًا للشك ، وأن الطواف قبل ذلك كان حول البيت . ففيه نظر .​

​​​​​

​وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما جاء بلفظ : " لم يكن حول البيت حائط ، كانوا يصلون حول البيت ، حتى كان عمر ، فبنى حوله حائطًا ، جدره قصيرة ، فبناه ابن الزبير " انتهى .​

​​​​​

وهذا إنما هو في حائط المسجد، لا في الحِجْر، فدخل الوهم على قائله من هنا. ولم يزل الحجر موجودًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة ، نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر ، وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر ، وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين ومن المالكية كأبي الحسن اللخمي» .​

​​​​​

الرد على من قال : البيت البنيان ، ولا يسمى فضاء الحجر بيتًا :​

« وأما قول المهلب : إن الفضاء لا يسمى بيتًا ، وإنما البيت البنيان ؛ لأن شخصًا لو حلف لا يدخل بيتا ، فانهدم ذلك البيت ، فلا يحنث بدخوله ، فليس بواضح ، فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق ، فعلينا أن نطوف حيث طاف ، ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت ؛ لأن العبادات لا يسقط المقدور عليه منها بفوات المعجوز عنه ، فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار .​

​​​​​

​وأما اليمين فمتعلقة بالعرف ، ويؤيده ما قلناه : إنه لو انهدم مسجد ، فنقلت حجارته إلى موضع آخر، بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها ، ولا حرمة لتلك الحجارة المنقولة إلى غير مسجد ، فدل على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس ، أشار إلى ذلك ابن المنير في الحاشية » .​

​​​​​

قال النووي : « والجمهور بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف من وراء الحِجْر ، وقال : لتأخذوا مناسككم . ثم أطبق المسلمون عليه من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن ، وسواء كان كله من البيت أم بعضه ، فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - . والله أعلم .​​​​​​​​​​​​​​​