من المعلوم أن باب الكعبة المشرفة يقع في الجهة الشرقية منها ، وهو الآن يرتفع عن الأرض من الشاذروان (222سم) ، وطول الباب نفسه (318سم) ، وعرضه (171سم) ، وبعمق ما يقارب نصف متر .
تاريخ باب الكعبة :
كان للكعبة المشرفة فتحة للدخول إليها ، صنع لها باب ، وهذا الباب له تاريخ طويل ربما يمتد قدم الكعبة المشرفة ، فنحن لا ندري على وجه الدقة مَنْ أول من عمل بابًا للكعبة المشرفة ، إذ اختلف الرواة في ذلك ، على عدة أقوال ، أرجحها أن تُبَّعًا الثالث أحد ملوك اليمن المتقدمين على البعثة النبوية بزمن بعيد هو أول من جعل للكعبة المشرفة بابًا ومفتاحًا والله أعلم .
فقد روى ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق قال : « وكان تبع فيما زعموا أول من كسا البيت ، وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره ، وجعل له بابًا ومفتاحًا » .
وروى الأزرقي في أخبار مكة عن ابن جرير قال : « كان تبع أول من كسا الكعبة كسوة كاملة ، وجعل لها بابًا يغلق ، ولم يكن يغلق قبل ذلك ، وقال تبع شعرًا منه هذا البيت :
وأقمنا به من الشــهر عشرًا وجعلنا لبابــــه إقليــدا » .
ثم لما عمرته قريش جعلت له بابًا بمصراعين . كذا ذكر ابن فهد ، حيث قال: « إن الباب الذي كان على الكعبة قبل بناء ابن الزبير بمصراعين ، طوله أحد عشر ذراعًا من الأرض إلى منتهى أعلاه . قال ابن جريج : وكان الباب الذي عمله ابن الزبير أحد عشر ذراعًا ، فلما كان الحجاج عمل لها بابًا طوله ستة أذرع وشبر» .
وعلى مر التاريخ كان هذا الباب بمواصفات مختلفة ، ومن هذه الأبواب باب عمله الجواد وزير صاحب الموصل سنة 550هـ وركب سنة 551هـ ، وكان مكتوبًا فيه اسم الخليفة المقتفي العباسي ، وبه حلية تستوقف الأبصار ، ومنها باب عمله الملك المظفر صاحب اليمن لما حج سنة 659هـ ، وكان عليه صفائح فضة زنتها (60 ) رطلاً صارت لبني شيبة ، ومنها باب من السنط الأحمر عمله الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر ، ركب على الكعبة بعد قلع باب المظفر ، وكان عليه من الفضة (35300 ) درهم ، وباب رابع عمله الملك الناصر حسن سنة 761هـ ، وهو من خشب الساج ، وزيدت حليته سنة 776هـ ، فكان مقدارها لا يزيد على (30000) درهم ، وعلى هذا الباب اسم الملك الناصر محمد بن قلاوون واسم حفيده الأشرف شعبان واسم الملك المؤيد ؛ لأن بعض خواصه زاد في حليته سنة 816هـ (200) درهم وطلاه بالذهب .
وفي سنة 781هـ حلَّى زين الدين العثماني باب الكعبة وميزابها بمعرفة مملوكه سودون باشا حينما أرسله لعمارة المسجد الحرام . وفي سنة 961هـ أمر السلطان سليمان بتصفيح الباب بالفضة . وفي سنة 964هـ أمر بعمل باب الكعبة فأتى بالباب الأول وركبت عليه ألواح من الخشب الآس الأسود مصفحة بالفضة المطلية بالذهب ، وقد قدر الذهب بمبلغ (2710) أشرفي ، والفضة بأربعة قناطير إلا قليلاً ، وقد وضعت الفضة على أصل الباب القديم المصنوع من الساج وأعطى بني شيبة (1000) أشرفي عوض الفضة القديمة ، وقد كتب عليه البسملة ، وقوله تعالى
[الإسراء:80]
وتاريخ تجديده ، وقد أرخ ذلك بعضهم بقوله « زين الباب » .
وفي سنة 1045هـ غير الباب ، وجعل فيه من الحلية الفضية ما زنته 166 رطلاً ، وطلي بالذهب البندقي بما قيمته ألف دينار ، وكان ذلك زمن السلطان مراد الرابع .
وفي سنة 1119هـ جُدد باب الكعبة بقلع خدود الباب والطراز الذي من الذهب الخايف ، فوجدوا فيه شيئًا كثيرًا ، فأصلحوه ، وطلوا الخدود بالذهب وكتبوا على الطراز تاريخًا، ذكروا فيه أنه تجديد للسلطان أحمد خان نصره الرحمن .
وبقي هذا الباب على الكعبة إلى عهد المؤرخ باسلامه (ت1356هـ) ، حيث ذكر في تاريخ الكعبة قال :
« وهذا الباب الأخير الذي عمله السلطان مراد خان هو الباب الموجود على الكعبة المشرفة إلى العصر الحاضر » .
وفي العهد السعودي تم تركيب بابين :
الباب الأول : في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله ، وقد كان عام 1363هـ ، حيث تم صنع باب جديد من الألمونيوم بسمك(2.5)سم، وارتفاعه(3.10)م ، ومدعم بقضبان من الحديد ، وتمت تغطية الوجه الخارجي للباب بألواح من الفضة المطلية بالذهب ، وزين الباب بأسماء الله الحسنى ، وقد صنعه شيخ الصاغة.
الباب الثاني : وهو الموجود حاليًّا ، وكان قد أمر بصنعه الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله ، وقد برزت الفكرة عندما لاحظ الملك خالد رحمه الله عام 1397هـ قدم الباب عندما صلى في جوف الكعبة ، ورأى آثار خدوش في الباب فأصدر توجيهاته فورًا بصنع باب جديد للكعبة المشرفة وباب التوبة من الذهب الخالص ، وهو باب السلم الذي يصعد به إلى سطح الكعبة المشرفة . وقد بلغ ما أنفق في صناعة البابين (باب الكعبة وباب التوبة) (13.420.000) من الريالات ، عدا كمية الذهب التي تم تأمينها بواسطة مؤسسة النقد العربي السعودي،وكميتها (280) كيلو جرامًا،وكان الذهب عيار 999.9% ، واستغرق العمل منذ بدء العمل التنفيذي فيه في غرة ذي الحجة عام 1398هـ اثني عشر شهرًا ، وقد أقيمت ورشة خاصة لصناعته .
مواصفات باب الكعبة المشرفة الحالي :
وهو الباب الثاني الذي أمر بصنعه الملك خالد رحمه الله ولا زال موجودًا حتى الآن.
« لقد تم استخدام أحدث الطرق الفنية في الهيكل الإنشائي للباب ، للتوصل إلى درجة عالية من المتانة والجودة ، بحيث يقوم الباب بوظيفته بدون الاحتياج إلى صيانة ، وقد جرى تفصيل الهيكل الإنشائي وتجهيزه بواسطة فنيين أخصائيين في ضوء مطابقة التصميم الزخرفي من جهة ، ومراعاة عوامل الطقس والموقع في تحمل الحرارة الشديدة والأمطار من جهة أخرى . وأعدت أحدث الاحتياطات الفنية لمعالجة كافة النقاط التفصيلية ، والارتباط بين الباب والحلق من جهة والجوانب من جهة أخرى ، وزودت نهاية الباب بعارضة من الأسفل لمنع دخول المطر إلى داخل الكعبة المشرفة ، وتحتوي على قضيب خاص يضغط حرف الباب على العتبة عند الإغلاق .
أما بالنسبة للزخرفة والكتابة على الباب ، فقد اختيرت الزخرفة من أنواع متجانسة أهم عناصرها هي زخرفة الإطار البارز ، وهي الزخرفة التي تستمر في مستوى مكان القفل ، حيث تعطي له الأهمية اللازمة ؛ لأن قفل الكعبة المشرفة له ميزة خاصة في الشكل التراثي والوظيفي .
وأضيفت في الزاويتين العلويتين زخارف متميزة لإبراز شكل قوس يحيط بلفظ الجلالة (الله جلَّ جلالُه) ، واسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآيات القرآنية الكريمة :
ويلي ذلك حشوتان على شكل شمسين مشرقتين في وسطهما كتابة (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) على شكل برواز دائري ، وقد ثبتت على أرضية الحشوتين العلويتين حلقتا الباب اللتان تشكلان مع القفل وحدة متجانسة شكلاً ونسقًا .
وبين الحلقتين والقفل مساحة بارتفاع مناسب بغرض الفصل بين أنواع الزخارف المتجانسة شكلاً والمتباينة نسبة ؛ ليكون الشكل العام مريحًا للنظر ، وكتب تحت الحشـوتين العلـويتين الآية الكريمة
والحشوتان اللتان تحت القفل ، كتبت في وسطيهما سورة الفاتحة على شكل قرصين بارزين ، وتحت هاتين الحشوتين عبارات تاريخه بخط صغير : (صنع الباب السابق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سنة 1363هـ) ، وتحتها (صنع هذا الباب في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود سنة 1399هـ ).
وكذلك فإنه كتب في الدرفة اليمنى وضمن زخرفة خفيفة عبارة : ( تشرف بافتتاحه بعون الله تعالى الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود في الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1399هـ)، وكتب في الدرفة اليسرى عبارة:(صنعه أحمد إبراهيم بدر بمكة المكرمة ، صممه منير الجندي ، واضع الخط عبد الرحمن أمين) .
كما وضعت زخرفة دقيقة خاصة لأنف الباب المثبت على الدرفة اليسرى .
وأما الجوانب فقد صممت بطريقة فنية ومثبتة حسب التصميم الزخرفي بعد مراعاة اللوحات الدائرية البارزة التي تحمل أسماء الله الحسنى ، وعددها خمس عشرة : فوق الباب : يا واسع يا مانع يا نافع .
الجانب الأيمن : يا عالم يا عليم يا حليم يا عظيم يا حكيم يا رحيم . الجانب الأيسر : يا غني يا مغني يا حميد يا مجيد يا سبحان يا مستعان .
أما على القاعدة الخشبية فقد تم تثبيت لوحات الذهب الخالص المزخرفة بطريقة النقش والحفر ، وهذه القاعدة الخشبية بسمك عشرة سنتيمترات من خشب التيك واسمه الخاص(ماكامولغ)ووزنه النوعي 40.8سم2،وركبت بمادة لاصقة خاصة تضمن استمرار التصاق الذهب بالخشب إلى فترة غير محددة» .