المطاف هو الفناء المفروش بالرخام الأبيض الذي يحيط بالكعبة المعظمة ، ويسمى الآن بالصحن ، ويطوف المسلمون فيه حول الكعبة المعظمة ، وفيه الحركة متصلة آناء الليل والنهار ، ما بين طائف وراكع وساجد .
وسمي بالمطاف نسبة إلى الطواف وهو الدوران حول الكعبة المشرفة .
وبناء على ذلك فإن هذا الفناء هو المطاف وهو نفسه المسجد الحرام الذي يطوف المسلمون فيه حول الكعبة المعظمة وكذا يصلون فيه . فقديمًا كانت البيوت تحيط بالبيت العتيق من جميع جوانبه ، ولم يُترك للطائفين سوى مدار المطاف ، ومع ازدياد أعداد المسلمين بدأت تتسع دائرة المطاف ؛ لتستوعب الأعداد المتزايدة من المسلمين ، ثم توالت التوسعات التي شملت المسجد الحرام .
المطاف والاهتمام بأرضه :
لقد حظي المطاف بعناية واهتمام الخلفاء والملوك والحكام ، وكذا عمارته والزيادة فيه .
قال الجزيري في درر الفوائد : « أول من بلط المطاف عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى الكعبة وفرغ من بنائها بقيت معه بقية من الحجارة ، ففرش بها حول البيت نحوًا من عشرة أذرع ، وتبعه غيره ففرش باقي المطاف ». وقد كانت عمارة ابن الزبير سنة (64هـ) .
وقال الفاكهي في أخبار مكة : « ذكر فرش الطواف بأي شيء هو؟ قال بعض المكيين : إن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى الكعبة ، وفرغ من بنائها، وخلَّقَها وطلاها بالمسك ، وفرش أرضها من داخلها ، بقيت من الحجارة بقية ، ففرش بها حول الطواف كما يدور البيت ، نحوًا من عشرة أذرع ، وذلك الفرش باد إلى اليوم ، إذا جاء الحاج في الموسم جعل على تلك الحجارة رمل من رمل الكثيب الذي بأسفل مكة يدعى : كثيب الرمضة ، وذلك أن الحجبة يشترون له مدرًا ورملاً كثيرًا ، فيجعل في الطواف ، ويجعل الرمل فوقه ، ويرش بالماء حتى يتلبد ، ويؤخذ بقية ذلك الرمل فيجعل في زاوية المسجد التي تلي باب بني سهم ، فإذا خف ذلك الرمل والمدر أعادوه عليه ، ورشوا عليه الماء حتى يتلبد ، فيطوف الناس عليه ، فيكون ألين على أقدامهم في الطواف ، فإذا كان الصيف ، وحمي ذلك الرمل من شدة الحر ، فيؤمر غلمان زمزم وغلمان الكعبة أن يستقوا من ماء زمزم في قرب ، ثم يحملونها على رقابهم ؛ حتى يرش به رمل الطواف ، فيتلبد ، ويسكن حره ، وكذلك أيضا يرشون الصف الأول ، وخلف المقام كما يدور الصف حول البيت » .
ومن ذلك « ما كان في سنة (119هـ) حيث قام الوليد بن عبد الملك بفرش أرض المطاف بالرخام .
وكذلك في سنة (284هـ) فعل الخليفة المعتضد العباسي ، عندما أدخل دار الندوة في المسجد الحرام ، فأتم تبليط المطاف بالرخام ».
ومن جملة ذلك ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام عن المطاف قال : « وهذا الموضع مفروش بالحجارة المنحوتة حول الكعبة من جوانبها ، وعمل ذلك على دفعات حتى صار على ما هو عليه اليوم ، وكان مصيره هكذا في سنة (766هـ) ست وستين وسبعمائة ، والمعمول منه في هذه السنة جانب كبير ، وهاتان العمارتان من جهة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر .
وعمّر الطواف من ملوك مصر الملك المنصور لاجين المنصوري ، واسمه مكتوب بسبب ذلك في رخامة بين الركن اليماني والحجر الأسود .
وعمّره من الخلفاء المستنصر العباسي في سنة (631هـ) إحدى وثلاثين وستمائة ، واسمه مكتوب بسبب ذلك في الحفرة التي عند باب الكعبة» .
وقال ابن بطوطة في رحلته التي كانت سنة (725هـ) : « والمطاف مفروش بالحجارة السود ، وتصير بحرّ الشمس كأنها الصفائح المحماة ، ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها ، فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه . وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب » انتهى .
وقال ابن فهد نقلاً عن الغازي : « وفي سنة (881هـ) عملوا الرصاص بأرض المطاف حول الكعبة » .
« وفي سنة (894هـ) أمر ناظر الحرم قاضي القضاة جمال الدين أبا السعود ابن ظهيرة بحفر جميع حاشية المطاف ، وإصلاحه بإخراج البطحات التي بها ، وذلك بسبب وقع المطر ودخول السيل إلى المسجد ، فحفرت وأخرج منها بطحات كثيرة مخلوطة بالتراب ، فغربلت وبطحت الحاشية ببعض البطحات ، وفرق باقيها بالمسجد في الأماكن المحتاجة لذلك ، وكان إكمال العمل في أوائل شهر ربيع الأول من السنة المذكورة.
وفي سنة (918هـ) أمر الأمير الباش بإذابة الرصاص في المسجد الحرام في أماكن في المطاف ، وعند المزولة ، فتم ذلك في يوم واحد.
وفي سنة (920هـ) رصص أرض المطاف الخواجة ابن عباد الله ، وأصلح مجرى السيل والمسعى حسب المرسوم الذي ورد لنائب جدة بتفويضه ذلك ، وأرسل لهذا العمل رصاصًا وصل إلى جدة ، قالوا عنه :
إنه خمسون قنطارًا ، فوصل بعضه لمكة » . اهـ .
وقال القطبي في الإعلام : « إنه في سنة (961هـ) بعد أن فرغ ناظر الحرم أحمد جلبي من تجديد سطح البيت الشريف، شرع في تسوية فرش المطاف ببلاط جديد، أي رخام ، فإن أحجاره انفصلت ، وصار بين كل حجرين حفر ، كانت تلك الحفر تسد تارة بالنورة ، وتارة بالرصاص ، وتسمر بمسامير الحديد ، فأزال ما بين الأحجار من الحفر ، ونحت طرف الحجر إلى أن ألصقه بطرف الحجر الآخر من جوانبه الأربعة ، واستمر في فرش المطاف على هذا الأسلوب ، إلى أن فرغ من ذلك ، وأصلح أبواب المسجد الشريف وفرش المسجد جميعه بالجص» اهـ.
« وأول من فرش المطاف بالحجارة الجبلية المنحوتة هو الوزير الأعظم سنان باشا ، وذلك سنة(980هـ) أو في التي قبلها أو في التي بعدها.
قال القطبي في تاريخه : فمن آثاره الخاصة بالوزير الأعظم سنان باشا في المسجد الحرام هو تعميره حاشية المطاف ، وكانت من بعد أساطين المطاف الشريف دائرة حول المطاف ، مفروشة بالحصا ، يدور بها دور حجارة منحوتة ، مبنية حول الحاشية بالحجر الصوان المنحوت ، ففرشت به في أيام الموسم ، وصار محلاً لطيفًا دائرًا بالمطاف ، من بعد أساطين المطاف ، وصار ما بعد ذلك مفروشًا بالحصا الصغار ، كسائر المسجد خاص به .
وفي سنة (1003هـ) قلعوا حجارة المطاف ، وكانت من الحجر الصوان ، ففرشت في الحاشية التي تلي المطاف ، وفرشوا المطاف بالمرمر .
وفي سنة (1006هـ) فرش جميع أرض المطاف بالرخام الأبيض الناصع الجميع السلطان محمد خان من سلاطين آل عثمان ، فرش المطاف كله إلى العمد المطيفة به.
وفي سنة (1072هـ) زاد في حاشية المطاف فرشًا بالحجر المنحوت زيادة قليلة سليمان بيك صنجق جدة» اهـ .
أما فرش المطاف في العهد السعودي الزاهر فسيأتي ذكره إن شاء الله قريبًا .
توسعة المطاف :
من المعلوم أن المسجد الحرام كان فناء حول الكعبة للطائفين ، ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر رضي الله عنه جدار يحيط به ، وإنما كانت الدور محدقة به ، وبين الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية .
فلما تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكثر الناس ، وسَّع المسجد، واشترى دورًا فهدمها ، وأدخلها فيه ، ثم أحاط عليه جدارًا قصيرًا دون القامة ، وكانت المصابيح توضع عليه ، فكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد .
ثم لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه ابتاع المنازل في سنة ست وعشرين ، ووسع الحرم بها أيضًا ، وبنى المسجد والأروقة ، فكان عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ للمسجد الحرام الأروقة .
وقد وضعت بعد ذلك أعمدة وأساطين حول المطاف ؛ لتعليق مصابيح الاستضاءة عليها ، وتكون في الوقت نفسه علامة على حد المسجد الحرام الذي كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما وراء ذلك فهو من الزيادات .
المطاف يحده الأعمدة والأساطين التي تعلق عليها المصابيح
ذرع المطاف :
يقول الفاسي : « المطاف المذكور في كتب الفقهاء وهو ما بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة » .
وقد أشار إلى هذا الشيخ أبو محمد الجويني ، ونقله عنه ابن الصلاح في منسكه قال : « المطاف المعتاد الذي يستنكر ويستبعد مجاورته هو ما بين الكعبة والمقام ، وفي كل جانب في العادة أمارات منصوبة لا يكاد الناس يخرجون عنها . انتهى »( ) .
قال الديار بكري: « وأما عرض البلاط المفروش بالمطاف ، فمن صوب المشرق وباب السلام من شباك مقام إبراهيم إلى شاذروان الكعبة مقابلاً له أربعة وأربعون قدمًا ، ومن صوب الشمال والمقام الحنفي من طرف المطاف إلى جوار الحجر مقابلاً له ثمانية وأربعون قدمًا ، ومن صوب المغرب والمقام المالكي من طرف المطاف إلى شاذروان الكعبة خمسة وستون قدمًا ، وهو أبعد الجوانب من الكعبة ، ومن صوب الجنوب والمقام الحنبلي من طرف المطاف إلى الشاذروان الذي تحت الحجر الأسود سبع وأربعون قدمًا »( ) .
وأما ذرع المطاف في عهد إبراهيم رفعت باشا (1325هـ)، فقال عنه : «قست المسافة بينه وبين جدر الكعبة الأربعة ، فإذا هي (13.25م) من الجهة الشرقية ، و(20.44م) من الجهة الشمالية، و(16.15م) من الجهة الغربية ، و(14.75م) من الجهة الجنوبية »( ) .
وفي عهد المؤرخ محمد طاهر كردي كان قياس المطاف -كما ذكر رحمه الله- كالتالي :
وفي عهد المؤرخ محمد طاهر كردي كان قياس المطاف -كما ذكر رحمه الله- كالتالي : « وإليك بيان طول المطاف القديم من الجهات الأربع محررًا مضبوطًا منبطًا تامًّا بالأمتار : (11.50م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة الذي فيه الباب من جهة الشرق إلى أول مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام . (16.65م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة من ظهرها أي من الجهة الغربية .
(22.3م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة من تحت ميزابها أي من الجهة الشمالية ، بما فيه حجر إسماعيل وسمك جداره . (15.20م) طول المطاف القديم من جدار الكعبة الذي بين الركنين من الجهة الجنوبية .
هذا هو قياس طول المطاف القديم بالأمتار ، وهو قياس مضبوط محرر لا يحتمل الشك ، لأننا أخذناه من نفس المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف في زماننا سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجرية .
وأما المطاف الجديد فهو على شكل دائرة كاملة الاستدارة ، وقد كان هذا الشكل الدائري من عمل المهندسين المصريين الذي أشرفوا على توسعة المطاف . وإليك بيان طول هذا المطاف الجديد من الجهات الأربع محررًا مضبوطًا تامًّا بالأمتار : (15.30م) طول المطاف الجديد من الجهة الشرقية للكعبة ، أي من مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام . (10.75م) طول المطاف الجديد من الجهة الغربية ، أي من جهة ظهر الكعبة . (4.65م) طول المطاف الجديد من الجهة الشمالية ، أي من جهة حجر إسماعيل عليه الصلاة والسلام . (11.50م) طول المطاف الجديد من الجهة الجنوبية ، أي من جهة الركنين الأسود واليماني .
هذا هو قياس طول المطاف الجديد بالأمتار ، وهو قياس محرر مضبوط لا يحتمل الشك ؛ لأننا أخذناه من نفس المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف في زماننا سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين من الهجرة . وبإضافة مقدار المطاف القديم على المطاف الجديد ، يظهر مقدار كامل المطافين .
ولقد قسمنا هذه الدائرة إلى أربعة أقسام متساوية، كما هو ظاهر في الرسم التالي،لنبين مقدار طول الطواف القديم،وطول المطاف الجديد من الجهات الأربع وهو رسم صحيح مضبوط مطابق للحقيقة ، أخذناه من المهندسين المصريين الذي اشتغلوا في توسعة المطاف من أواخر شهر شعبان إلى أوائل شهر شوال من سنة 1377 ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجرية . فالحمد لله على توفيقه .
وإليك رسم المطافين »:
« وفي العهد السعودي الزاهر بعد توسعة سنة 1388هـ للمطاف أصبح قطر المطاف (64.8م) على اعتبار أن الكعبة مركز القطر ، ويحيط به ممران متجاوران على محيط المطاف عرض كل منهما 2.5م ، وعلى ارتفاع 20سم . وقد أصبحت مساحة المطاف (3058 م2) حول الكعبة .
وفي توسعة عام 1399هـ ألغيت الحصاوي والمشايات ونقل المنبر والمكبرية وخفضت فوهة بئر زمزم أسفل المطاف بالقرب من المحيط الخارجي لدائرة المطاف ، فأصبحت سعة المطاف إلى حدود الحرم القديم بقطر (95.2م)، وأصبحت مساحة المطاف (8500 م2) » .
وفي عام 1424هـ تم تغطية مداخل قبو زمزم للاستفادة القصوى من صحن المطاف الذي يئن في فترات الزحام بالمعتمرين والحجاج ، وذلك بتسقيف مداخل القبو المؤدي للبئر ، وترحيل نوافير الشرب إلى جانب صحن المطاف ، حيث أدت هذه الأعمال إلى زيادة صحن المطاف بمقدار (400) متر مربع .
عناصر المطاف :
لقد كان المطاف ما بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة ، ويحده الأساطين والأعمدة التي كانت تعلق عليها المصابيح للاستضاءة، وما حوله من الزيادات فقد كان يوجد به المقامات الأربعة، وبئر زمزم وسقاية العباس ، وباب بني شيبة ، ومنبر المسجد الحرام . وقد أفردنا الكلام عن بعضها ، وسنتكلم عن الأخرى فيما يأتي :
المصابيح والأساطين وعمارتها :
قال الأزرقي : « أول من استصبح لأهل الطواف وأهل المسجد الحرام جدي عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني ، كان يضع على حرف داره مصباحًا عظيمًا ، فيضيء لأهل الطواف وأهل المسجد ، وكانت داره لاصقة بالمسجد ، والمسجد يومئذ ضيق ، إنما جدراته جدرات دور الناس ، قال : فلم يزل يضع ذلك المصباح على حرف داره حتى كان خالد بن عبد الله القسري ، فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبد الملك بن مروان ، فمنعنا أن نضع ذلك المصباح فرفعناه (أي في سنة 75 هـ) ».
وقال أيضًا : «كان عمر بن عبد العزيز يأمر الناس ليلة هلال المحرم يوقدون النار في فجاج مكة ، ويضعون المصابيح للمعتمرين مخافة السرق» قال أبو الوليد : فلم يزل مصباح زمزم على عمود طويل مقابل الركن الأسود الذي وضعه خالد ابن عبد الله القسري ، فلما كان محمد بن سليمان على مكة في خلافة المأمون في سنة (216هـ) ست عشرة ومائتين وضع عمودًا طويلا مقابله بحذاء الركن الغربي ، فلما ولي مكة محمد بن داود جعل عمودين طويلين ، أحدهما بحذاء الركن اليماني ، والآخر بحذاء الركن الشامي ، فلما ولي هارون الواثق بالله أمر بعمد من شبه طوال عشرة ، فجعلت حول الطواف ، يستصبح عليها لأهل الطواف ، وأمر بثمان ثريات كبار يستصبح فيها ، وتعلق في المسجد الحرام في كل وجه اثنتان ».
وقال أيضًا : « أخبرني الثقة أن هذه العمد الصفر كانت في قصر بابك الخرمي بناحية أرمينية كانت في صحن داره ، يستصبح فيها ، فلما خذله الله وقتل بابك ، وأتي برأسه إلى سامرا ، وطيف به في البلدان ، وكان قد قَتَل خلقًا عظيمًا من المسلمين وأراح الله منه ، هدمت داره ، وأخذت هذه الأعمدة التي حول البيت الحرام في الصف الأول ، ومنها في دار الخلافة أربعة أعمدة ، وبعث بهذه الأعمدة المعتصم بالله أمير المؤمنين في سنة مئتين ونيف وثلاثين ، فهذا خبر الأعمدة الصفر التي حول الكعبة ، وهي عشرة أساطين ، وكانت أربع عشرة أسطوانة ، فأربع في دار الخلافة بسامرا ».
وقال أيضًا : « وأول من استصبح في المسجد الحرام في القناديل في الصحن : محمد بن أحمد المنصوري جعل عمدًا من خشب في وسط المسجد ، وجعل بينها حبالا ، وجعل فيها قناديل يستصبح فيها ، فكان ذلك في ولايته حتى عزل محمد ابن أحمد ، فعلقها عيسى بن محمد في إمارته الآخرة ».
وقال الفاكهي : « ولم يزل الأمراء بعد ذلك تسرج في قناديل زمزم في المواسم ، حتى كان محمد بن سليمان الزينبي ، فأسرج فيها من السنة إلى السنة بقناديل بيض كبار ، وهو يومئذ والي مكة ، فامتثل ذلك من فعله ، وجرى ذلك إلى اليوم» .
قال ابن فهد في حوادث سنة (736هـ) : « وفيها جعلت الأساطين التي حول المطاف ، وجعل بعضها بالحجارة المنحوتة الدقيقة ، والباقي بالآجر مجصص، وجعل بين كل من الأساطين خشبة ممدودة ، راكبة عليها وعلى المقابلة لها ؛ لأجل القناديل التي تعلق لأجل الاستضاءة حول الكعبة ، عوض الأخشاب التي كانت في هذا المكان على صفة الأساطين . وقال : في حوادث سنة 749هـ) : اجتهد الأمير فارس الدين في إصلاح المسجد الحرام ، وجدد الأعمدة المتخذة حول المطاف » انتهى.
وفي البحر العميق لابن الضياء (ت 854هـ) قال : « وأما عددها اليوم فاثنان وثلاثون عمودًا ، منها ثمانية عشر آجرًّا مجصصًا ، وأربعة عشر حجارة منحوتة دقيقة ، وبين الأساطين أخشاب ممدودة تعلق فيه القناديل ، وكانت في موضع الأساطين أخشاب على صفة الأساطين ، وسبب عملها هو للاستضاءة للطائفين يوضع عليها القناديل . قال عز الدين بن جماعة : والأساطين التي حول المطاف الشريف أحدثت للاستضاءة بالقناديل التي تعلق بينها بعد العشرين وسبعمائة ، وكانت من خشب ، ثم جعلت من حجارة سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم ثارت ريح عاصفة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فألقتها ، ثم جددت فيها » انتهى .
وفي درر الفوائد : « أن السلطان سليمان العثماني غير الأساطين التي حول المطاف ، وكانت من حجارة بأعمدة من نحاس في سنة (982هـ) وبينها أخشاب ممدودة لتعلق فيها القناديل حول المطاف ، وعدة النحاس ثلاثون ، وفي جهة زمزم في آخر الأساطين عمودا رخام ، وفي آخر الأساطين من الجهة الأخرى من جهة المنبر عمودا رخام » انتهى.
وفي تحصيل المرام نقلاً عن الغازي : « حافة الصحن على أعمدة عليها أعمدة من حديد منقور لها بين الأساطين ، متصلة تلك الأعمدة بالأساطين القديمة ، وقد غيرت أيضًا الأخشاب التي بين الأساطين التي حول المطاف بأعمدة من حديد ، تعلق فيها القناديل وبين كل عمودين سبعة قناديل » انتهى.
ويقول الكردي : « ولم نسمع أنه حصل بعد ذلك شيء في أعمدة المطاف ، اللهم إلا من إصلاح بعضها إصلاحًا بسيطًا لا يذكر ، أو من ضربها بالبوية الزيتية» اهـ .
منبر المسجد الحرام :
قال الأزرقي : « أول من خطب بمكة على منبر معاوية بن أبي سفيان ، قدم به من الشام سنة حج في خلافته ؛ منبر صغير على ثلاث درجات ، وكانت الخلفاء والولاة قبل ذلك يخطبون يوم الجمعة على أرجلهم قياما في وجه الكعبة وفي الحجر ، وكان ذلك المنبر الذي جاء به معاوية ، ربما خرب ، فيعمّر ولا يزاد فيه ، حتى حج الرشيد هارون أمير المؤمنين في خلافته ، وموسى بن عيسى عامل له على مصر فأهدى له منبرا عظيما في تسع درجات منقوشا ، فكان منبر مكة ، ثم أخذ منبر مكة القديم ، فجعل بعرفة ، حتى أراد الواثق بالله الحج ، فكتب ، فعمل له ثلاثة منابر : منبر بمكة ، ومنبر بمنى ، ومنبر بعرفة . فمنبر هارون الرشيد ، ومنابر الواثق كلها بمكة إلى اليوم » .
وقال إبراهيم رفعت باشا : « كان الخطباء من الخلفاء والولاة يخطبون بالمسجد الحرام يوم الجمعة قيامًا على الأرض في وجه الكعبة وفي الحجر ، حتى كانت سنة 44هـ ، إذ قدم معاوية ابن أبي سفيان من الشام حاجًا وصحبته منبر من خشب ذو درجات ثلاث خطب عليه بالمسجد الحرام وتركه ، وكان كلما تخرب عُمِّر ، ولم يزل يُخطب عليه حتى حج هارون الرشيد ، فأهدى له عامله على مصر موسى بن عيسى منبرًا من خشب ذا درجات تسع ونقش بديع ، فكان منبر المسجد ، ونقل الأول إلى عرفة ، ثم أمر الواثق العباسي بعمل منبر للمسجد ، وآخر لمنى ، وثالث لعرفة ، ولما حج المنتصر بن المتوكل العباسي في خلافة أبيه جُعل له منبر عظيم ، فخطب عليه بمكة، ثم خرج وخلفه بها ، وجعل للمسجد بعد ذلك عدة منابر ، فمن ذلك منبر عمله وزير المقتدي العباسي وأرسله من بغداد ، وكان منقوشًا عليه بالذهب (لا إله إلا الله محمد رسول الله ، الإمام المقتدي بالله أمير المؤمنين) وقد بلغت نفقاته ألف دينار (500جنيه) ، ولما وصل إلى مكة أحرقه المصريون ، ولم يبد اعتراضًا على ذلك أمير مكة محمد بن جعفر ، وأول من قطع الخطبة لملوك مصر وخطب لملوك بني العباس بعد أن قطعت الخطبة لهم نحو مائة سنة ، وأبى أهل مصر إلا أن تكون الخطبة للمستنصر العبيدي صاحب مصر ، فخطب له . ثم كان بعد ذلك يخطب حينًا لبني العباس ، وحينًا لملوك مصر يقدم منهم من يجزل له العطاء،وكانت عادة الخطباء بمكة أن تكيل الثناء للملوك كيلاً، من ذلك ما كان يقال للملك الكامل في الخطبة (صاحب مكة وعبيدها واليمن وزبيدها ومصر وصعيدها والشام وصناديدها والجزائر ووليدها سلطان القبلتين ورب العلامتين وخادم الحرمين الشريفين الملك الكامل خليل أمير المؤمنين)
ومنها منبر عمل في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر في سنة 766هـ ، وقد أصلح مرارًا ، قال التقي الفاسي هو باق يخطب عليه الآن (سنة 815هـ وما حواليها) .
ومنها منبر حسن أنفذه الملك المؤيد صاحب مصر في موسم سنة 818هـ ، وخطب عليه في سابع ذي الحجة ، وهجرت الخطبة على الذي قبله ، وفي السنة السابقة أرسل شيخو صاحب مصر منبرًا من خشب خطب عليه في يوم التروية .
وفي سنة 866هـ أرسل الملك الناصر (خوشقدم) صاحب مصر منبرًا من خشب خطب عليه بالمسجد في ثاني ذي الحجة من السنة المذكورة .
وفي سنة 877هـ أرسل الملك الأشرف قايتباي الظاهري منبرًا من خشب خطب عليه في أول ذي الحجة سنة 881هـ .
وفي سنة 966هـ بعث السلطان سليمان خان بالمنبر الرخام القائم الآن بفناء المسجد وهو آية في الإحكام ودقة الصناعة ودليل على ما للصناع من البراعة ، وكان الخطيب على المنبر يلبس جبة وقباء (قفطانًا) وقد لف على صدره مع رأسه (شالاً ) . وقد كتب على المنبر من جهة الكعبة (الحمد لله رب العالمين قد بنى سليمان منبرًا لبلد أمين) ، وعلى الجهة المقابلة لها (إنه من سليمان وإنه بسم الله صدق الله جل اسمه سنة 966هـ) ، وقد أرخ القاضي صلاح الدين بن ظهيرة القرشي المكي سنة ورود هذا المنبر بقوله :
شـــيد الله ملك من أســبغ الله ظلــــه
وبأم القرى لقــــد ضـــاعف الله نزله
إن ذا المنـبر الذي قد حوى الحسن كله
هاك تاريخه الذي شهد الخلق فضـــله
لســــليمان منبر بالدعا شـــــاهد له
سنة 966هـ
وأول خطبة خُطبت عليه خطبة عيد الفطر ، قالها السيد أبو حامد النجاري .
وفي أول الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 1020هـ شُرِع في تركيب هلال المنبر الذي أرسله السلطان ، وكان أعلى المنبر مبنيًا بالآجر ، فهدم ذلك وجعل له ألواح ركبت فيها الفضة المطلية بالذهب .
وقد كان الخطباء إذا أرادوا الخطبة في المسجد وضعوا المنبر لصق جدار الكعبة بين الركن الأسود والركن اليماني . فإذا أراد الخطيب أن يخطب استلم الحجر أولاً ، ثم دعا وصعد المنبر .
وبعد الخطبة كان ينقل المنبر إلى مكانه بجوار زمزم ، فلما أهدى السلطان سليمان إلى المسجد الحرام منبره المذكور بقي مكانه ، واستمرت الخطبة عليه إلى اليوم » .
وبقي المنبر هكذا بجوار زمزم ، وإذا كان يوم الجمعة نقل لصق جدار الكعبة للخطبة .
ومن الجدير بالذكر أن هذه العادة بقيت إلى العهد السعودي ، فلما ازداد زحام المصلين والطائفين ، وأراد المسؤولون توسعة المطاف أزيل كل شيء يعرقل الطواف ومنها المنبر ، حيث نقل إلى داخل الرواق العثماني جهة إجياد ، وعند خطبة الجمعة ينقل إلى جوار الكعبة ، حتى إذا انقضت خطبة الجمعة نقل إلى مكانه داخل الرواق العثماني .
وقد وصف باسلامة هذا المنبر بقوله : « هذا المنبر مصنوع من الحجر الرخام المرمر البراق الناصع البياض ، وهو القائم الآن بفناء المسجد الحرام ، أمام الكعبة المعظمة ، مما يلي الجهة الشرقية ، ويلي مقام إبراهيم الخليل ? من الجهة الشمالية ، ويحتوي هذا المنبر الفخم الذي هو آية في الجمال على ثلاث عشرة درجة، وعلى علوه فوق المصطبة العليا أربع أسطوانات لطاف من المرمر ، وعلى علو الأسطوانات الأربع قبة مستطيلة عملت من الخشب القوي ، وصفحت بألواح من الفضة مطلية بالذهب الوهاج ، يظنها الرائي كأنها صنعت من ذهب ، وقد مضى على هذه القبة المربعة الشكل ثلاث مئة وثمان وثمانون سنة (388) ، ولم يذهب طلاؤها طيلة هذه العصور لكثرة ما طليت به من الذهب ، ويبلغ ارتفاع هذا المنبر من أرض صحن المطاف إلى هلال القبة نحو عشرين ذراعًا بذراع اليد أو اثنا عشر مترًا على التقريب ، ولهذا المنبر مزية خاصة ، وهي أن الشمس لا تصل إلى موضع الخطيب لا شتاء ولا صيفًا ، على اختلاف الفصول ، أما صناعته فهي من أبدع ما يكون ، وتدل هذه الصناعة على براعة صانعه وحسن ذوقه ودقة مهارته ، كأنما صاغه من جوهر ، أو نظمه من در » اهـ .
صورة للمنبر الذي صنع في عهد السلطان سليمان بن سليم خان سنة 966هـ
وقد كانت توضع ستارة تسدل على باب المنبر وهي من صنع مصر .
الستارة التي كانت توضع على باب المنبر
وبقي هذا المنبر إلى عام 1400هـ ، وفي أثناء فتنة جهيمان المعروفة تكسر جراء المواجهات المسلحة ، وبقي منه بعض أجزاء ، منها بعـض المقرنصات ورأس نحاسي ، وتم نقل ذلك إلى معرض الحرمين الشريفين بأم الجود .
وقد تم عمل منبر خشبي جديد في عهد الملك خالد مكان الذي تكسر ، وبقي يستخدم للخطابة عليه إلى أن تم تنفيذ تصميم منبر جديد للخطابة يتحرك عن بعد بما يسمى بـ ( الريموت كنترول) ، وهذا المنبر يجمع بين الأصالة المتمثلة بالزخارف الإسلامية والتقنيات المتطورة ، وبعد أن تم استخدامه استدركت عليه بعض الملاحظات ، جرى تعديلها ومتابعتها مع المقاول ، وتم استلامه وتشغيله في أول جمعة من شهر رمضان المبارك لعام 1423هـ.
منظر أمامي وجانبي لمنبر الخطابة الجديد
وفي يوم الجمعة من كل أسبوع ينقل المنبر إلى جوار الكعبة المشرفة للخطبة عليه ، وبعد صلاة الجمعة يتم تحريكه إلى نهاية صحن المطاف لصق جدار الرواق العثماني ، ويغطى بغطاء من القماش القوي .
المقامات الأربعة :
مما يؤسف له أنه وجد في المسجد الحرام دهرًا طويلاً في المطاف ما يسمى بمقامات لأئمة الإسلام الأربعة (أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك) وفي بعض الأزمنة مقام خامس لفرقة شيعية تسمى بالزيدية ، وهذه المقامات عبارة عن مكان مظلل بسقف تحمله أعمدة ، وبه محراب ، وكل مقام منهم يصلي فيه إمام المذهب ، ومنشأ هذه المقامات يرجع إلى الاختلاف الشديد الذي كان قائمًا بين المسلمين دهرًا طويلاً ، وهو ما يسمى بالتعصب المذهبي ، فقد كان أتباع كل مذهب لا يصلون خلف إمام أي مذهب آخر ، فالشافعي لا يصلي خلف الإمام الحنفي، والحنفي لا يصلي خلف الإمام الشافعي، وهكذا .
ولا يعرف متى أنشئت هذه المقامات ، غير أن أول ذكر لها وصل إلينا في كتب التاريخ - في حدود علمنا - جاء في كتاب إتحاف الورى في حوادث سنة 488هـ قال : « وفيها ولي الجمال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن فتوح بن محمد المكناسي المالكي إمامة مقام المالكية بالمسجد الحرام ، وأوقف المكناسي المذكور المقرب لابن أبي زمنين المالكي ستة مجلدات على المالكية والشافعية والحنفية الذين يكونون بمكة ، وجعل مقره بخزانة المالكية بمكة » .
وكذا لم تكن المقامات موجودة في سنة 328هـ ، فقد ذكر ابن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 328هـ وصف المسجد الحرام ، وذكر كل محتوياته من أروقة وأبواب وسقاية العباس وأشياء غيرها ، ولم يشر إلى المقامات بأي إشارة( ) .
فعرف بذلك أن المقامات وجدت في الفترة من 328هـ إلى سنة 488هـ والله أعلم .
وفي رحلة قام بها ابن جبير سنة 578هـ يذكرها في رحلاته يقول :
« وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية. وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم، وهم يزيدون في الأذان: حي على خير العمل إثر قول المؤذن حي على الفلاح، وهم روافض سبابون، والله من وراء حسابهم وجزائهم، ولا يجمعون مع الناس إنما يصلون ظهراً أربعاً، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها » .
ويصف الديار بكري مقامات الأئمة الأربعة ومصلاهم التي وراء أرض المطاف ومواضعها فيقول : « فمقام الشافعي من صوب المشرق مستقبلاً إلى وجه الكعبة خلف مقام إبراهيم ، وأما مقام الحنفي فمن جهة الشمال مستقبلاً إلى الميزاب ، وهو قبلة أهل المدينة ، وأما مقام المالكي فمن جهة المغرب . وأما مقام الحنبلي فمن جهة الجنوب وأبي قبيس مستقلاً إلى الحجر الأسود .
والمقامات الأربعة المذكورة كلها وراء المطاف وخلف بئر زمزم».
أما ابن جبير فيصف المقامات ومواضعها فيقول :
« فأول الأئمة السنية الشافعي، رحمه الله، وإنما قدمنا ذكره لأنه المقدم من الإمام العباسي.
وهو أول من يصلي، وصلاته خلف مقام إبراهيم، صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا الكريم، إلا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها: يبدأ مؤذن الشافعي بالإقامة، ثم يقيم مؤذنو سائر الأئمة. وربما دخل في هذا الصلاة على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل جهة. فربما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي أو سلم أحدهم بغير سلام إمامه. فترى كل أذن مصيخة لصوت إمامها أو صوت مؤذنه مخافة السهو. ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس. ثم المالكي، رحمه الله، وهو يصلي قبالة الركن اليماني، وله محراب حجر يشبه محاريب الطرق الموضوعة فيها. الحنفي، رحمه الله، وصلاته قبلة الميزاب تحت حطيم مصنوع له.
وهو أعظم الأئمة أبهة وأفخرهم ألة من الشمع وسواها بسبب أن الدولة الأعجمية كلها على مذهبه، فالاحتفال له كثير، وصلاته آخرًا . ثم الحنبلي رحمه الله، وصلاته مع صلاة المالكي في حين واحد، موضع صلاته يقابل ما بين الحجر الأسود والركن اليماني. ويصلي الظهر والعصر قريبًا من الحنفي في البلاط الآخذ من الغرب الشمال، والحنفي يصليهما في البلاط الآخذ من الغرب الجنوب قبالة محرابه ولا حطيم له. والشافعي بازاء المقام حطيم حفيل» .
هدم المقامات الأربعة وإبطال بدعتها :
يقول محمد طاهر كردي : « لما صدرت الموافقة الملكي بتوسعة المطاف وهدم المقامات الأربعة ، في زماننا ، قاموا بتنفيذ الرغبة الملكية ، فهدموا أولاً (المقام الحنبلي) الذي هو بقرب بئر زمزم ، وذلك في ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة 1377هـ ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين هجرية .
ثم هدموا (المقام المالكي) الذي يقع بين المقام الحنبلي والمقام الحنفي ، أي كان مقابلاً لظهر الكعبة ، وذلك في ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من شهر شعبان من السنة المذكورة سنة 1377هـ
ثم هدموا (المقام الحنفي) الذي يقع في الجهة الشمالية ويقابل ميزاب الكعبة ، وذلك بعد عيد الفطر ، أي في يوم السبت الثامن من شهر شوال من السنة المذكورة سنة 1377هـ .
وكان في هذا المقام مكبرات الصوت المسماة (ميكرفونات) ليصل إلى الناس صوت الذي يقيم الصلاة ويكبر لدى حركات الإمام ، فعند هدم هذا المقام نقلوا هذه الميكرفونات إلى المقام الشافعي الذي هو فوق سطح بناء بئر زمزم .
أما المقام الشافعي ، فقد تأخر هدمه عن السنة المذكورة سنة 1377هـ لأنه ليس له بناء مستقل وحده ، كالمقامات الأخرى ، فهو يقع فوق بناء بئر زمزم ، فهدمه لا يكون إلا بإزالة هذا البناء ، ثم الناس في حاجة إلى من يبلغهم حركات الإمام ، ومكبرات الصوت فوق هذا البناء ، فلا يمكن إزالته لتوسعة المطاف ، إلا إذا بني لمكبرات الصوت موضع خاص ثابت ، ولم يتقرر ذلك لدخول موسم الحج ووصول بوادر الحجاج ، ثم إنهم هدموا (المقام الشافعي) مع بناية بئر زمزم في سنة (1383هـ) »( ) .
وقال أيضًا : « والذي أبطل هذه البدعة السيئة وأزالها تمامًا الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ، رحمه الله ، وأحسن إليه ، وذلك حينما تولى على الحجاز سنة 1343هـ ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين هجرية ، فإنه أمر -غفر الله لنا وله- أن يصلي إمام واحد بالناس في الصلوات الخمس ، وهذه حسنة يؤجر عليها إن شاء الله تعالى ، ولا تزال الصلاة على هذه الحال إلى يومنا هذا ولله الحمد ومن أراد الوقوف على وصف المقامات الأربعة ، وما حصل فيها من التعميرات فعليه بمراجعة كتاب مرآة الحرمين لمؤلفه إبراهيم رفعت باشا رحمه الله تعالى »( ) .
باب بني شيبة :
باب بني شيبة هو العقد القائم عند مقام إبراهيم عليه السلام المقابل لباب الكعبة ، وقد كان يسمى بباب السلام قبل اتساع المسجد الحرام .
يقول محمد طاهر كردي :
« باب بني شيبة : محله هو محل العقد القائم خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وهو عقد على شكل نصف دائرة مبني على عمودين من حجر الرخام المتين ، مزين بنقوش بديعة . وهذا العقد هو محل السكة الضيقة النافذة من بين بيوت قريش إلى المسجد الحرام ، فإن قريشًا لما بنت بيوتها حول الكعبة ، على قدر حاشية المطاف ، جعلوا بين كل دارين من دورهم مسلكًا ينفذ منه إلى بيت الله الحرام ، فكان هذا العقد هو محل السكة النافذة ، وبجواره كانت دار شيبة بن عثمان الحجبي سادن الكعبة المعظمة التي دخلت في توسعة المهدي للمسجد ؛ لذلك نسب الباب إليه ، فقيل : (باب بني شيبة) . ويقال له أيضًا : باب السلام ، فهو قديم من أيام الجاهلية ، ولا يزال موضعه محفوظًا إلى الآن . وقد ورد في كتب الحديث والتاريخ أن النبي ? كان يدخل المسجد الحرام من هذا الباب ، ويخرج منه . وسبب ذلك كما ظهر لنا والله تعالى أعلم أن النبي ? كانت إقامته بمكة إما بدار خديجة رضي الله عنها بزقاق الحجر أو بدار عقيل بسوق الليل أو كان ينزل بالأبطح جهة المعلا ، فالآتي من هذه الأماكن لا بد وأن تكون وجهته قبل باب الكعبة ، فيدخل المسجد من باب بني شيبة بطبيعة الحال ، وأيضًا فإن هذا الباب مقابل لباب بيت الله الحرام والله تعالى يقول:
، فكان الأفضل الدخول للمسجد الحرام من باب بني شيبة، ولذلك يستحب الدخول للمسجد لكل قادم من هذا الباب الذي كان يسمى قديمًا بباب السلام
باب بني شيبة ويسمى بباب السلام وهو العقد الظاهر في وجه الصورة
ويصف إبراهيم رفعت باشا باب بني شيبة آنذاك فيقول :
وبشمال بئر زمزم باب بني شيبة يعلوه عقد أقيم على عمودين من الرخام ، وقد كتب على باب بني شيبة تحت الهلالوكتب على العقد
وذلك بماء الذهب ، وكتب في الجهة المقابلة لمقام إبراهيم والكعبة (الله جل جلاله)(محمد عليه السلام)).
وقد أزيل هذا الباب مع ما أزيل من عوائق لتوسعة المطاف في المرحلة الثانية من التوسعة السعودية الأولى والتي كانت من 1381-1389هـ .
الخط المشير إلى الحجر الأسود :
ومن الأشياء التي كانت في صحن المطاف دائرة بداخلها نجمة بحذاء الحجر الأسود ، وأخرى بحذاء الركن اليماني ، ذكر ذلك معالي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي سابقًا وإمام وخطيب المسجد الحرام ، وأضاف : ونحن نعهد هذا من عام 1365هـ
الخط المشير إلى الحجر الأسود
وقد أزيلت الدائرة ووضع بدلها خط يشير إلى الحجر الأسود ، وهو في حذائه ، وقد وضع علامة على ابتداء الطواف والانتهاء منه .
وبعد ذلك رأت الدراســات الخاصة بالطــواف أن الطائفين يزدحمون ويتعثرون عند هذا الخط، ورأت أن المصلحة في إزالته، وبالفعل تم إزالته،وكان في ذلك راحة كثيرة للطائفين حول البيت، وخف الزحام جدًا عند الحجر الأسود.
المطاف في العهد السعودي الزاهر :
وفي العهد السعودي الزاهر رأى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله أن يوسع المطاف ، حرصًا منه على راحة الحجاج والمعتمرين ، فأصدر أمره بتوسعة المطاف وهدم المقامات الأربعة التي في أطراف المقام .
ففي سنة (1377هـ) تم قلع الرخام الذي بعد المطاف المحيط به ، فحفروا الأرض المحيطة بالمطاف ؛ لتتساوى به ، بعد وضع الرخام عليه ، كما أنهم قلعوا الأعمدة الخضر التي كانت في حدود المطاف الأول وعلامة عليه ، ثم بدأوا بعد حفر الأرض بفرشها بالأسمنت ، ووضعوا الرخام عليه حتى تساوى هذا المطاف الجديد بالمطاف القديم ، وصار على سمته وبلصقه . ومقدار مساحة الجديد كمقدار مساحة القديم تقريبًا ، ووُضع خط أسود من جنس الرخام ليحدد المطاف القديم من المطاف الجديد
صورة للمطاف بعد هدم المقامات الأربعة ويظهر بالمطاف المشايات والحصاوي والمنبر وبناية زمزم وباب بني شيبة والمظلات لصق الرواق العثماني وذلك قبل إلغائها ويظهر أيضًا مدخل قبو زمزم أثناء إنشائه
وفي المرحلة الثانية من هذا المشروع العظيم التي تبدأ من جمادى الثاني 1381هـ وتمتد حتى عام 1388هـ تم توسيع المطاف القديم ، وهدم البناء الذي فوق بئر زمزم ، وخفضت فوهة البئر أسفل المطاف ، وقد حول كذلك كل من المنبر والمظلة ، وأزيل البناء القائم على مقام إبر