أولاً: عمارة وتوسعة المسجد النبوي في العهد السعودي:
لقد أولت حكومة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها اهتمامها البالغ بالحرمين الشريفين توسعة وعمارة وصيانة وتظهر العناية بالمسجد النبوي من خلال التوسعات المتلاحقة له، ولم يمر ملك من ملوكها إلا وله يد في توسعته وعمارته.
فقد اعتنى الملك عبدالعزيز بالمسجد النبوي عناية عظيمة وظهرت آثارها حين زار المدينة المنورة في شعبان عام 1345هـ واطلع خلالها على ما يحتاجه المسجد النبوي من تنظيمات إدارية وإصلاحات معمارية، واستمع إلى اقتراحات بعض المسؤولين فيها وما يحتاج إليه المسجد في مسائل أساسية.
وجاءت أول أعمال الملك عبدالعزيز يرحمه الله عام 1348هـ لتعالج آثار التلف التي ظهرت في هبوط أرض الأروقة المطلة على صحن المسجد من جهاته الأربع، وسبب ذلك يعود إلى عدم تصريف مياه الأمطار التي تتجمع في صحن المسجد(1) ثم جاء العمل الثاني في عام 1350هـ حيث أمر بإصلاح ما حصل من خلل في بعض الأعمدة والسواري الشرقية والغربية والصحن وذلك بوضع أطواق من الحديد على ما تلف منها. وفي 12 شعبان 1368هـ أعلن جلالة الملك عبدالعزيز في خطاب إلى الأمة الإسلامية فيه عزمه على توسعة المسجد النبوي(2) وقد استقبل الخبر بالرضا والاستحسان في الداخل والخارج فأجريت الدراسات اللازمة لتنفيذ المشروع وبدأت الأعمال التمهيدية في الخامس من شهر شوال عام سبعين وثلاثمائة وألف وتم شراء الأبنية والدور الواقعة في الجهات الثلاث الشرقية والغربية والشمالية وأزيل من البناء القديم الجزء الشمالي من بناء السلطان عبدالمجيد ومساحته ستة ألاف ومائتان وستة وأربعون متراً مربعاً، وأضيف إليه مساحة جديدة تقاربها وبقي القسم الجنوبي الحالي ومساحته أربعة آلاف متر وستة وخمسون متراً مربعاً وبذلك أصبحت مساحة المسجد النبوي بعد هذه التوسعة ستة عشر ألفاً وخمسمائة وثمانية وأربعين متراً تقريباً(3).
وفي اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام 1372هـ وضع ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز حجر الأساس للعمارة والتوسعة نيابة عن والده جلالة الملك عبدالعزيز فبديء في حفر الأساسات ثم البناء والتشييد، واكتملت التوسعة والبناء وأقيم حفل بذلك برعاية الملك سعود بن عبدالعزيز يرحمه الله يوم الخامس من ربيع الأول من عام خمس وسبعين وثلاثمائة وألف 1375هـ فقام بنفسه بافتتاح مبنى التوسعة وحضرته وفود إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ومن داخل المملكة وخارجها.
ومع التوسعات السابقة إلا أن الحاجة إلى توسعته باتت أمراً ضرورياً نتيجة ازدياد أعداد الحجاج والعمار والزوار لما وفر لهم من الأمن والاستقرار وأسباب الراحة في الحل والترحال فأصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1393هـ أمره بتوسعة المسجد النبوي فبديء بشراء العقارات والدور والمساكن في غربي المسجد ثم هدمت بعد نزع ملكيتها وتعويض أصحابها وأقيم عليها مظلات مقببة بمساحة تقدر بـــ(40.500م2) أربعون ألف وخمسمائة متر مربع وجهزت بما يلزمها وهيئت للصلاة فتوسع المسجد واستفاد منه جموع المصلين في المواسم والجمع والأعياد.
وفي عهد الملك خالد يرحمه الله وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد فأزيلت الأبنية الواقعة فيها وعوض أصحاب العقارات، وضمت إلى ساحات المسجد النبوي، وظلل منها مساحة قدرها (43.000 م2) ثلاثة وأربعون ألف متر مربع على غرار ما تم في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود.
على أن تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين والزائرين في كل عام طرح الحاجة إلى توسعة المسجد فواصل الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -المسيرة بالعناية والاهتمام بتوسعة المسجد النبوي وعمارته لكي يستوعب أكبر عدد من المصلين والزائرين، وتوفير كل ما يريح الزائرين أثناء وجودهم في المسجد.
فشملت أولاً نزع ملكيات العمارات والمباني المحيطة بالمسجد النبوي والتي لم تشملها التوسعات السابقة، ثم مرحلة البناء والتشييد والعمارة حيث بدأ ما عرف بـ"التوسعة السعودية الثانية" التي وضع حجر أساسها بنفسه يوم الجمعة التاسع من شهر صفر عام 1405هـ خمسة وأربعمائة وألف. وفي شهر محرم لعام 1406هـ بدأ العمل الفعلي، تعتبر هذه التوسعة أعظم توسعة في تاريخ المسجد النبوي ليس في مساحتها واتساعها فحسب وإنما في قوتها وجودة بنائها وتوفر الخدمات والمرافق فيها.
وهي عبارة عن مبنى ضخم يحيط العمارة السعودية الأولى من جهات ثلاث وصممت بحيث تتناسب وتتناسق مع نظيرتها في العمارة السعودية الأولى، وتتكون من بدروم ودور أرضي وسطح. وبلغت مساحة التوسعة للدور الأرضي فقط (82.000م2) اثنين وثمانين ألف متر مربع، وكانت مساحة المسجد النبوي بمجموع توسعاته السابقة (16.500م2) ستة عشر ألف وخمسمائة متر مربع، بمعنى أن هذه التوسعة أضافت ما يقدر بخمس مرات للتوسعات السابقة، فيكون المجموع (98.500م2) ثمانية وتسعين ألف وخمسمائة متر مربع، كما بلغت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي(235.000م2) مائتين وخمسة وثلاثين ألف متر مربع.
ثانياً : العناية بالبناء القديم للمسجد النبوي
حين نفذت مشروعات التوسعات السعودية، لم تغفل حكومة المملكة العربية السعودية البناء القديم للمسجد النبوي فقد أبقت عليه وواصلت اهتمامها به ويتمثل ذلك بما يلي : - الحفاظ على مظهره الجمالي وكل ما فيه. - تجديد المحراب النبوي الشريف. - تدعيم جميع أعمدة الروضة الشريفة وتكسيتها بالرخام الأبيض الجديد. - تدعيم جميع أعمدة البناء القديم واستكمال قواعدها النحاسية وعمل أطواق نحاسية حولها على ارتفاع (2.5) متر من الأرض. - تكييفه تكييفاً مركزياً.
- تغطية الواجهات الشرقية والجنوبية والغربية بالجرانيت مع رفعها إلى منسوب سطح التوسعة لينسجم والبناء السعودي في المظهر العام. - إعادة دهانه من الداخل باللون البيج لينسجم مع المظهر الداخلي للتوسعات السعودية. - إعادة النقوش والخطوط التي في القباب وعلى الجدران لكي تحافظ على جمالها ورونقها. - ترميم المنارة الرئيسة ومنارة باب السلام. - فتح باب في الزاوية الشرقية الجنوبية سنة 1408هـ وسمي باب البقيع. - فتح باب في الرواق القبلي يدخل معه إمام المسجد، كما تدخل منه الجنائز ليصلى عليها كما يستخدم لخروج المصلين وقت الازدحام. - تجديد دهان القبة الخضراء كلما استدعى الأمر ذلك. - تركيب قناديل وثريات جديدة عام 1407هـ. - الاستمرار في ترميمه وصيانته يومياً (4).
ثالثاً : تركيب مظلات في صحني المسجد النبوي
يوجد في التوسعة السعودية الأولى صحنان واسعان مفروشان بالرمل الأحمر أو ما يسميان بالحصوتين والقصد منهما تهوية المسجد، ويمر أثناء العام أوقات تشتد فيها البرودة وأوقات تشتد فيها الحرارة ويتأذى بسبب ذلك المصلون أثناء تواجدهم فيهما لذا فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله بفرش أرضهما بالرخام البارد الذي لا يمتص حرارة الشمس ويحتفظ بدرجة حرارة لطيفة لاتؤذي المارين ولا الجالسين عليه. ثم أمر بإقامة اثنتي عشرة مظلة في كل صحن ست مظلات تلف وتنشر تلقائياً بارتفاع سقف المسجد يتم فتحها لحماية المصلين من حر الشمس وحفظ برودة التكييف، وغلقها ولفها إذا انحسرت الشمس وتلطف الجو الخارجي وهي عبارة عن شمسيات من القماش الأبيض تغطي كل واحدة ما مساحته 18م×18م (5) .
رابعاً : أبرز المشاريع المعتمدة وجاري تنفيذها بالمسجد النبوي
أبرز المشاريع المعتمدة للمسجد النبوي ما صدر به التوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله أثناء زيارته للمدينة المنورة بعد توليه الملك باعتماد استكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي بكلفة إجمالية قدرها (4.700.000.000)ريال وتشمل على ما يلي:
أ) تركيب 182 مظلة تغطي جميع ساحات المسجد النبوي: وذلك لوقاية المصلين والزائرين من وهج الشمس ومخاطر الأمطار خاصة حوادث الانزلاق جراء هطول الأمطار وتكون هذه المظلات مجهزة بأنظمة لتصريف السيول وبالإنارة وتفتح آلياً عند الحاجة، وتغطي المظلة الواحدة 576 متراً مربعاً وسوف يستفيد منها عند انتهائها أكثر من 200.000 مصل.
ب) تنفيذ الساحة الشرقية للمسجد النبوي الشريف:
وتبلغ مساحتها 37.000 متر مربع وستستوعب عند انتهائها أكثر من 70.000 مصل وسينفذ تحتها مواقف للسيارات والحافلات تستوعب 420 سيارة وكذلك 70 حافلة كبيرة (باصات كبيرة) كما تشمل الأعمال المنفذة تنفيذ دورات مياه مخصص معظمها للنساء ومواقف مخصصة لتحميل وإنزال الركاب من الحافلات والسيارات. ج)تنفيذ مداخل ومخارج مواقف السيارات بالمسجد النبوي: ويشمل ذلك تنفيذ ثلاثة أنفاق لربط مواقف السيارات بطريق الملك فيصل(الدائري الأول).
إحصاءات عن المسجد النبوي
1 – المـــــــــــــآذن البناء القديم والتوسعة السعودية الأولى: (4) مـــآذن توسعة خادم الحرمين الشريفين: (6) مـــآذن المجموع: (10) مــــآذن
2 – عدد السلالم السلالم العادية: (18) سلماً السلالم الكهربائية: (6) سلماً المجموع: (24) سلماً
3- مساحة المسجد وطاقته الاستيعابية
الموقع المساحة عدد المصلين الطابق الأرضي للمسجد: 98.500م2 167.000 مصل المساحة المخصصة للصلاة في سطح التوسعة الجديدة: 67.000م2 90.000مصل الساحات المحيطة بالمسجد: 235.000م2 450.000مصل المجموع: 400.500م2 707.000مصل الطاقة الاستيعابية في أوقات الذروة: مليون مصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)انظر : آثار المدينة المنورة عبدالقدوس الأنصاري ( ص 103 ) توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر، د0 محمد هزاع الشهري ( ص 825 ) بحث منشور في مجلة جامعة أو القرى العدد (23). (2) نشر الخطاب في جريدة المدينة العدد ( 301 ) في 5/9/1368هـ وحمل الخطاب رقم 27/4/2/378 وتاريخ 12/8/1368هـ. (3)انظر : آثار المدينة المنورة. عبدالقدوس الأنصاري ( ص 108 _ 113 ). المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري ( ص 99 _ 101 )، تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثا ( ص 77، 78 ). (4) تاريخ المسجد النبوي. محمد اليأس ( ص 99، 100 ). (5) انظر : المسجد النبوي عبر التاريخ ص190. والحرمان الشريفان التوسعة والخدمات خلال مائة عام ص113.