المحراب لغة هو صدر البيت، وأكرم مواضعه، ومقام
الإمام من المسجد. ووردت كلمة المحراب في القرآن الكريم أربع مرات:
1-بمعنى البيت في قوله تعالى: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً...........) سورة آل عمران من الآية (37).
2- بمعنى المصلى: في قول الحق سبحانه وتعالى:( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب......) سورة آل عمران من الآية (39).
3- بمعنى المصلى أيضاً: قال تعالى: (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيّاً) سورة مريم أية (11).
4-بمعنى صدر البيت: قال تعالى: (وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب) سورة ص آية (12).
ولقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل بيت المقدس في الصلاة نحو ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، بعد قدومه إلي المدينة المنورة؛ وكانت قبلته إلى بيت المقدس في نهاية المسجد آنذاك من الشمال مقابل باب عثمان عند الاسطوانة الخامسة، شمالي اسطوانة عائشة رضي الله عنها.
وبعد تحويل القبلة إلى البيت الحرام، حوله النبي صلى الله عليه وسلم من شمالي المسجد إلى جنوبيه، وصلى على اسطوانة عائشة مدة شهرين أو أربعة شهور، ثم تقدم إلى الاسطوانة المخلقة وصلى عندها أياماً، وكان ذلك موقفه في الصلاة، (وفيه بنى محرابه الشريف)، وفي زيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قدم محراب الإمام إلى نهاية زيادته جنوباً، وفي زيادة عثمان رضي الله عنه، وقف في محرابه العثماني، الذي يقف فيه الإمام الآن.
ولم يكن للمسجد النبوي الشريف محراب مجوف، لا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين من بعده.
وتشير النصوص الواضحة والصريحة والمؤكدة في المصادر التاريخية إلى أن المحراب المجوف الأول كان في المسجد النبوي الشريف في عمارة الوليد بن عبد الملك الأموية على يد عامله على المدينة عمر بن عبدالعزيز عام 88-91هـ/ 707-710م. ويبدو أن محراب المسجد النبوي الشريف قبل عمارة الوليد له كان عبارة عن محراب مسطح ليس فيه تجويف، أو علامة مميزة في جدار القبلة، استناداً إلى قول عمر بن عبدالعزيز "تعالوا احضروا بنيان قبلتكم، ولا تقولوا غَيَّر عمر قبلتنا، فجعل لا ينزع حجراً إلا وضع مكانه حجراً".
ولاشك أن المسلمين قد استطاعوا تطوير المحاريب حين استعملوها في المساجد، فزخرفوها بالنقوش الإسلامية، وزينوها بالآيات القرآنية، وأبرزوها في صورة إسلامية خالصة، وجعلوها في صدور المساجد، لأنها المكان المناسب لمعنى كلمة محراب كما تقدم ولتكون علامة مميزة لاتجاه القبلة التي يجب على كل مصل استقبالها في الصلاة.
ولقد تعددت المحاريب في المسجد النبوي الشريف على النحو التالي:
1- المحراب النبوي الشريف: في الروضة الشريفة ويقع المحراب على يسار المنبر.
2- المحراب العثماني: في حائط المسجد القبلي وهو الذي يصلي فيه الإمام الآن.
3- المحراب السليماني: وكان يعرف بالمحراب الحنفي وهو غربي المنبر.
4- محراب فاطمة: ويقع جنوبي محراب التهجد داخل المقصورة الشريفة.
5- محراب شيخ الحرم: وكان يقع خلف دكة الأغوات،أحدث في العمارة المجيدية.
(عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ ص59-61؛ لناجي بن محمد حسن عبد القادر الأنصاري، مراجعة وتقديم فضيلة الشيخ: عطية بن محمد سالم، الطبعة الأولى 1416هـ/1996م