الجمعة, 30 تموز/يوليو 2021 13:39

فضيلة الشيخ صالح بن حميد في خطبة الجمعة : على الإنسان أن يحتاط لنفسه ، ويحترز لسمعته ، ويحفظ كرامته ، ويكرم اسمه ، واسم أهله ، وعشيرته ، ودينه ، وبلده ، ووطنه

قيم الموضوع
(4 أصوات)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن نهاية العام بعد الحج ومحاسبة النفس فقال: لقد قضى الحجاج مناسكهم تقبل الله منا ومنهم ، وجعل حجهم مبروراً ، وسعيهم مشكورا ، وذنبهم مغفورا ، وأنتم في توديع عام ، واستقبال آخر ، يحسن الوقوف للمحاسبة، وفي ديوان المحاسبة تظهر عبر الحوادث الجمة ، ونوازل الدهر الكثيرة ، هذه الدار للفناء ، وأهلها للموت والبلاء – خداعة غدارة – والنفوس بالسوء أمارة ، والشيطان يأمر بالسوء والفحشاء ، ويعد بالفقر والخسارة ، ومن لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون ، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان.
غير أن الأعمال الجليلة ، والآثار الجميلة ، والفعال الحميدة ، هي التي تخلد ذكر صاحبها ، وتورثه حياة بعد ممات ، وتبقي له ذكرا وثناءً ، وحمداً ودعاءً .
كم من الرجال حلت آجالهم ، وطوتهم أيامهم ، ثم بقيت آثارهم ، وحفظت مآثرهم ، ولا زالت مفاخرهم تبعث في المجالس طيبا ، وتنشر في الآفاق عَرْفا وأريجا .
عاشوا في الناس أحياء ، وأجسادهم في الأجداث رميم .
ثم تحدث فضيلته عن السمعة الحسنة وأنها رأس مال المرء فقال: السمعة الحسنة ، والذكر الطيب ، هي رأس مال المرء ، وهي عمره الثاني . يبنيه في حياته القصيرة ، ليكون عمره المديد .
لسان الصدق في الآخرين نعمة من الله عظيمة ، ومنة من المولى كبيرة ، يختص بها من يشاء من عباده ، ممن آمنوا ، وصدقوا ، وأخلصوا ، وبذلوا ، ونفعوا الخلق ، ونشروا الإحسان في العالمين .
السمعة الحسنة نعمة يضعها الله للعبد في نفوس الناس ، ويجريها على ألسنة الخلق .
الذكر الطيب معيار من معايير القيم والأخلاق ، يرجع إليها الناس ، ويزنون بها أقدار الرجال .
الحمد يبقى لمن عم نفعه ، والثناء يدوم لمن انتشر عطاؤه ، والسمعة الحسنة تحفظ لمن تواصل بره ، والذكر يعلو لمن ترادف إحسانه ، فترى هؤلاء الأخيار يقدمون من الأعمال ، والقرب ، والطاعات مالا ينقطع به عمل ، ولا يقف معه أجر ، ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ) .
الذكر الطيب هو - بعد فضل الله - من ثمرة عمل المرء ، وحسن تصرفاته ، وكريم سلوكه ، والناس شهداء الله في أرضه ، عن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بعبده خيرا عَسَّله ، قيل يا رسول الله : وما عَسَّله ؟  قال : فتح له عملاً صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ) أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني في المعجم الكبير ، وإسناده صحيح .
ومعنى : ( عسَّله ) مأخوذ من العسل ، فكأنه شبه العمل الصالح الذي يفتح للعبد حتى يرضى الناس عنه ، ويطيب ذكره فيهم ، ويكثر ثناؤهم عليه ، شبهه بالعسل لحلاوته وحسن مذاقه .
ثم تحدث فضيلته عن محافظة النبي صلى الله عليه وسلم عن السمعة الحسنة وتعليمها لأصحابه فقال: ويأتي في الذروة وأعلى المقام أرفعُ الناس قدراً ، وأرفعهم  ذكراً ، وأعظمهم شرفا ً ، وأكثرهم للخلق نفعاً ، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه محمد صلى الله عليه وسلم لا يخزيه الله أبداً : يصل الرحم ، ويصدق الحديث ، ويحمل الكل ، وَيقْري الضيف ، ويعين على نوائب الدهر .
لا يخزيه الله أبداً ، وهو الصادق الأمين في الجاهلية والإسلام .
وهذه وقفة على حرص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه على الحفاظ على السمعة الحسنة ، والبعد عن كل ما يخدشها في حق الإسلام وأهل الإسلام ، فقال لهم : حين أشار بعضهم بقتل أحد المنافقين : ( حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ) متفق عليه ، حرصا منه علية الصلاة والسلام سمعة الدعوة ، وسمعة الدين الذي أشرقت بنوره مشارق الأرض ومغاربها .
وفي قصة زوجه أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قال للرجلين :( على رسلكما إنها صفية بنت حبي ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله !! قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً ، أو قال شيئا ) متفق عليه .
قال أهل العلم : وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن ، والاحتفاظ من كيد الشيطان ، والأعتذار .
قال أهل العلم : وهذا متأكد في حق كل من يُقْتدى به من أهل العلم ، والفضل والجاه ، فلا ينبغي أن يفعلوا فعلاً يدعو إلى سوء الظن بهم ، وإن كان لهم فيه مخلص ، لان ذلك سبب لإبطال الانتفاع بهم .
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى بحديثه عن رموز ورؤوسهم الذين ينتفع منهم فقال : ويأتي من بعد الأنبياء من رموز الناس ورؤوسهم ممن يعم نفعهم ، ويعظم أثرهم من أهل الذكر والشرف ، وحسن السمعة ، وطيب الذكر : من حاكم يبسط العدل ، ويقيم القسط ، ويقاوم الفساد ، ويحمى النزاهة ، ويمنع الظلم والجور ، ويحفظ حقوق الرعية ، ويحوطهم برعايته وحفظه ، يحمى البلاد ، وينتصر لدين الله ، فتراه في النفوس معظماً ، وفي المجالس مهيباً ، وفي أعين الناس كبيراً ، وعند أهل الإسلام جليلاً ، وسجله في التاريخ حافلاً محفوظا .
ومن بعده عالم تقي متواضع ينفع الناس بعلمه وخلقه وإحسانه ، يعلو في الناس ذكره ، ويرتفع في النفوس قدره ، ويبقى في الخلق أثره .
وغنى جواد ، سخي ، معطاء ، يحسن للفقراء ، ويكفل الإيتام ، ويشفق على المساكين ، ينفق في ميادين الخير والبر ، يدعم المشروعات ، ويفرج الكربات ، ويبذل ماله في سبيل الله لإعلاء كلمته الله ، فيكتب الله له القبول التام ، والجاه العريض ، وحسن الذكر .
ووجيه ذو جاه يشفع ، ويصلح ، ويجمع الكلمة ، وينشر الخير ، والبر ، والمعروف .
وآخرون كثير لا يحصيهم عد ، ولا يقعون تحت حصر ، ممن يبذل الندى ، ويكف الأذى ، ويتحمل المشاق ، في سلامة دين ، ورجاحة عقل ، وعفة نفس ، وسلامة قلب .
ممن يُقرِؤن القرآن ، وينشرون السنة ، ويعمرون المساجد ، والمدارس ، والمعاهد ، والمشافي ، ويحفرون الآبار ، ويكثرون الصدقات ، ويسددون الديون ، ويقضون الحوائج ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم ، والإصلاح بين الناس ، وجمع الكلمة على الخير ، والهدى ، والتقى ، والصلاح .
ثم تحدث فضيلته في خطبته الثانية عن تفاوت الناس فقال : سبحان من فاوت بين الناس ، وباعد بينهم  كما باعد بين السماء والأرض ، أقوام طهُرت قلوبهم ، وسمت هممهم ، وعلت سمعتهم كالنحل لا يأكل إلا طيبا ، ولا يخرج إلا طيبا .
وآخرون أظلمت قلوبهم ، فضعفت هممهم ، وانتكست إراداتهم ، وصغرت نفوسهم ، فضعفت أعمالهم ، وخبا ذكرهم ، بل فيهم من ساءت سمعتهم.
نعم يموت أناس فلا يؤسى لفراقهم ، ولا يشعر بفقدهم ، فليس لهم آثار صالحة ، ولا أعمال نافعة ، ولا إحسان إلى الخلق ، لا يرى لهم شاكر ، ولا يذكرهم بالخير ذاكر ، وكأنهم لا كانوا ولا وجُدوا .
ناهيكم بمن يفرح الناس لموتهم ، ويتنفس الناس الصعداء عند فقدهم ، من حقود حسود ، وجموع منوع ، وفاحش سليط اللسان ، متكبر صاحب هوى ، معاملته غلظة ، وخلطته شدة ، وحديثه ثقيل .
واختتم فضيلته خطبته الثانية عن إخلاص غير المسلم الذي ينفع العباد والبلاد وليس لهم في الآخرة من شيء فقال : ومن عجيب ما قرره ديننا أن ربنا سبحانه وهو الحكم العدل : أن غير المسلم المخلص الصادق إذا عمل عملاً صالحا ينفع العباد والبلاد من إغاثة ملهوف ، ونصرة مظلوم ، ونفع للبشرية بأي وجوه النفع ، فإنه يُبقي له ذكرا في الدنيا ، وصيتا عبر القرون ، كما ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن حاتم الطائي ، وعبد الله بن جدعان ، وكذلك في سائر الأعصار والأمصار من المخترعين والمكتشفين ، والأطباء ، والمدافعين عن حقوق المظلومين ، ومن يقدمون الخدمات للبشرية ، يبقى ذكرهم ، وتحفظ سيرهم الحسنة ، وأفعالهم الطيبة جزاء ما قدموا ونفعوا ، أما الآخرة فليس لهم فيها من نصيب ولا خلاق.
أَلا فاتقوا الله رحمكم الله فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ، ويحترز لسمعته ، ويحفظ كرامته ، ويكرم اسمه ، واسم أهله ، وعشيرته ، ودينه ، وبلده ، ووطنه.
19631954197519781972196619691951194519421948
قراءة 3569 مرات