الجمعة, 24 أيلول/سبتمبر 2021 14:27

فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة : إذا ضعف الإيمان باليوم الآخر؛ تجرأت النفس وتقحمت دروب الشر والفساد، وغلب دافع الهوى.

قيم الموضوع
(1 تصويت)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي واستهل فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن الإيمان باليوم الآخر فقال: الإيمان باليوم الآخر؛ وما أدراك ما اليوم الآخر! أحد أصول الدين، ومن أركان الإيمان؛ هو حق وحقيقة ومآل؛ لا مناص منه، ولا محيد عنه.

وكثيرا ما يذكر في الكتاب والسنة الإيمان بالله متبوعا بالإيمان باليوم الآخر؛ تأصيلا وتأكيدا للارتباط والتتابع والتلازم؛ لأن الإيمان بالله ابتداء، والإيمان باليوم الآخر انتهاء.

يبدأ اليوم الآخر وبأمر الله بأحداث لا قبل للبشرية بها؛ تنشق السماء، وتتصادم الكواكب، وتتناثر النجوم، وتنفجر البحار، وتذوب الجبال.

وإذا ذكر اليوم الآخر؛ تقاطرت في الذهن المشاهد الجسام، والأحوال العظام؛ التي هي من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر: البعث من القبور، والحساب والجزاء، والصراط، والميزان، والشفاعة، والحوض، وتطاير الصحف بالأعمال، والجنة والنار، وهناك من يكون في كنف الرحمن ويكرمون بالنظر إلى وجه الكريم، وأقوام يتذوقون الحسرة والخسران.

ثم تحدث فضيلته عن أسماء اليوم الآخر ومعانيه فقال : يوم الآخرة هو يوم التغابن، ويوم التلاق، ويوم التناد، ويوم الجمع، ويوم الحساب؛ ولكل اسم مغزى من معنى؛ لتشكل في مجموعها المعنى الشامل لليوم الآخر.

والمتأمل في الكتاب والسنة يجد حشدا من النصوص الشرعية التي ترسخ الإيمان باليوم الآخر في النفس والحياة، وتجعله ركيزة من الركائز التي يجب ألا تغيب عن الأذهان، ولا تنسى في خضم مشاغل الحياة وصوارفها.

وهذه النصوص الكثيرة الوافرة عن اليوم الآخر تجلي أهميته في مسيرة حياتنا، فهو الحارس من الردى، والمانع من الهوى، والمحصن من الشر، والدافع لكل أبواب الخير.

واذا ضعف الإيمان باليوم الآخر؛ تجرأت النفس وتقحمت دروب الشر والفساد، وغلب دافع الهوى.
يضعف أثر اليوم الآخر وتذبل ثمرته في الحياة ، وينكمش مدلوله وينحصر في دائرة الثقافة والمعرفة الذهنية، أو يبقى حبيس مشاعر تتأجج لحظة ثم تنطفئ؛ لا تردع عن شر، ولا تحفز على طاعة؛ وقد تتلى الآيات، وتروى الأحاديث عن اليوم الآخر؛ ولا يكون لها رصيد فاعل في مظاهر حياتنا، وأثر إيجابي في سلوكنا، وتهذيب إيماني لتعاملاتنا.

والإيمان باليوم الآخر يؤسس لاتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به والاقتداء بسنته؛ قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

ويمتد أثر اليوم الآخر ليشمل عبادات المسلم؛ وأعظمها عكوف المسلم على مناجاة الله
وإقامة الصلاة؛ قال تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِي}.

واختتم فضيلته خطبته الأولى بالتحدث عن آثار اليوم الآخر فقال : ومن آثار اليوم الآخر؛ أنه ينمي في المسلم معاني الإيجابية التي تجعله عامل بناء في مجتمعه؛ يدعو إلى الخير، يوجه إلى البر، يحب لغيره ما يحب لنفسه؛ يرشد وينصح؛ بقول طيب، وكلمة حسنة؛ قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
الإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم لامعا في مجتمعه؛ متألقا في أفعاله، متفاعلا مع من حوله؛ يألف ويؤلف، يأمن جاره بوائقه، يكرم ضيفه، يصل رحمه، يوقر الكبير، ويرحم اليتيم والضعيف؛ روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) رواه البخاري.

ومن آثار اليوم الآخر؛ أنه يضبط انفعالات المسلم ومشاعره حال الأفراح والأحزان؛ فلا يبطر ولا يسخط وفي أوقات الشدة والمحن والفتن والبلاء يكون الإيمان باليوم الآخر هو الحصن الحصين والدرع المتين.

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن ضعف عقيدة اليوم الآخر فقال: وإذا أبصرت تنازع المسلمين وتفرق كلمتهم، وضعف وحدتم، وتقهقر أحوالهم؛ فمرد ذلك وأبرز أسبابه ضعف رسوخ عقيدة اليوم الآخر؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }.


قراءة 2251 مرات