طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 03 كانون1/ديسمبر 2021 14:25

فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ أسامة بن عبدالله خياط: قد أفلح من زكى نفسه بإصلاح دينه وطاعة ربه، وقد خاب وخسر من أخمل نفسه ووضع منها، وخذلها باجتراح السيئات واقتراف الآثام

قيم الموضوع
(1 تصويت)


تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ أسامة بن عبدالله خياط في خطبة الجمعة اليوم، عن صلاح الدين والدنيا والآخرة قائلا: صلاح الدين الذي يستعصم به من الزلل، ويسلم به من الزيغ، وينجو به من الضلال، مداره على صلاح المعتقد بإخلاص التوحيد لله تعالى، وقوة الإقبال عليه -سبحانه- والإعراض عما سواه، وتحقيق العبودية له بصرف جميع أنواع العبادة له -عز شأنه- والنفرة من الإشراك به، حذرًا أن يضل سعيه، ويحبط عمله.
ثم التحلي بالفضائل، والتجافي عن الرذائل، فقد أفلح من زكى نفسه بإصلاح دينه وطاعة ربه، وقد خاب وخسر من أخمل نفسه ووضع منها، وخذلها باجتراح السيئات واقتراف الآثام، كما قال تعالى ذكره: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.
ومن عوامل صلاح الدين أيضًا: انتهاج نهج الاتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمل بسنته، واقتفاء أثره وسيرته، وترك الابتداع في دينه والحذر من مخالفة هديه وشريعته، عملًا بالأمر الرباني الوارد في قوله سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ ، وقوله عز اسمه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
و أما صلاح الدنيا فعماده: البسطة في الرزق، ومنه: نعمة الأهل والولد، ورفعة القدر، وانشراح الصدر، والبركة في العمر، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن عن عبيد الله بن محصن رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه ، مُعافى في جسَدِهِ ، عندَهُ قُوتُ يَومِه ، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا".
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ" ، ومعنى كفافًا: أي رزق الكفاية التي تكفه عن الحاجات إلى غيره، وهو الحلال من الرزق، والطيب من الكسب؛ إذ لا فلاح مع الكسب الخبيث، والحرام من الأموال، المكتسبة من الغش والتدليس والرشوة، والربا وأكل مال اليتيم، وغيرها من ألوان أكل أموال الناس بالباطل.
وأما صلاح الآخرة فبأن يمن الله على المرء فيحشره في زمرة السعداء، ومنازل الأتقياء، فيحاسب حسابًا يسيرًا، ويمضي على الصراط إلى جنات عدن فيها نعيم مقيم، الذين قال الله فيهم: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
وهم الذين أوتوا كتبهم بأيمانهم، وقال الله في وصف حالهم: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾.
ولما كانت هذه الحياة الدنيا مؤذنة بزوال، محدودة بآجال، لا يستأخر أصحابها عنها ساعة ولا يستقدمون، فقد جاء ختام هذا الدعاء النبوي العظيم بسؤال الله تعالى أن يجعل هذه الحياة مضمارًا لاستباق الخيرات، وميدانًا للتنافس في الباقيات الصالحات.
وهو دليل على أن الأخيار من عباد الله إنما يزدادون من الخير كلما طال بهم العمر، وامتدت بهم الحياة، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، ولا يَدْعُ به مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، إنَّه إذا ماتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلَّا خَيْرًا". أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وإذن: فالحياة التي يقطع المؤمن أشواطها في الاستزادة من صالح القول والعمل، خير يرغب فيه، ويحرص عليه، والموت راحة له من الفتن والشرور والآثام، بالسلامة من غوائلها، والتردي في وهدتها، ولاسيما مع غلبة الضعف، واستحكام العلة، وندرة المعين.
ولهذا جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: "وإذا أردت بعبادِك فتنةً فاقبضْني إليك غيرَ مفتونٍ" الحديث.
أما الخطبة الثانية فقال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الحمد لله واسع العطاء والجود، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الرب الإله المعبود، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أمّا بعد: فيا عباد الله، لقد جاء في بيان عظم مقام هذا الدعاء النبوي، وعلو قدره، وشرف منزلته، وبالغ أثره، قول أبي العباس القرطبي رحمه الله: "ومعنى هذا -أي الدعاء بصلاح الدين- أن الدين إن فسد لم يصلح للإنسان دنيا ولا آخرة، وهذا دعاء عظيم جمع خيري الدنيا والآخرة، فحقٌ على كل سامع له أن يحفظه ويدعو به آناء الليل وآناء النهار، لعل الإنسان أن يوافق ساعة إجابة، فيحصل على خير الدنيا والآخرة".
وهذا يا عباد الله شأن جميع الأدعية النبوية الشريفة، الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، في شتى الأوقات و مختلف المناسبات، فإنها جامعة لكل ما يجلب به الخير، ويدفع الشر، ويبلغ به المراد.
فاحرصوا رحمكم الله على الأخذ بها، والاستزادة منها، إذ هي وسيلة صالحة، وسبب موصل إلى كل خير عاجل أو آجل.

05BABBF4 B081 403D 85DC 94D2DC8FFCC717C0D0E8 022F 481E BF00 BDA88A665CA472DA10AF 6B1D 42BE 95E9 7A69BA6030CA8745178C CE37 4A88 B1A7 A133340A43BBA42E59E5 B8F9 4660 A7E4 85305C9EB085B9545F5B 92BB 4E22 BFDD 2F96AE74B8C3BCFD2906 3681 4A86 A3C0 FDC57109A4C7E4D0C613 11EC 4077 9AE9 7AFA2BCD027BF1812431 4E4F 484D B2A4 79E41F56629B
قراءة 1024 مرات