ترأس معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الجلسة الثانية في المؤتمر الثاني (لمنهج السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودور المملكة العربية السعودية في تعزيزه).
وقال معاليه: ( فإنَّ مِنْ فضل الله علينا أن هدانا لدين الإسلام، ومَنَّ علينا باتباع هدي خير الأنام ﷺ، وجعلنا من خير الأمم، التي بلغت أعالي القمم، آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر؛ متبعة في ذلك سيد البشر محمداً ﷺ.
وبهذه الشعيرة فاقت سائر الأمم، وأصبحت خير أمة أخرجت للناس: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110[.
فخيرية هذه الأمة تتمثل في هذه الصفات المذكورة في الآية، وهي: الإيمان بالله عز وجل، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القطب الأعظم في هذا الدين، والمهمة الكبرى للأنبياء والمرسلين والصالحين، وقد عدَّه بعض أهل العلم ركناً سادساً من أركان الإسلام؛ وذلك لما اشتمل عليه من الفضل العظيم، والخير العميم، والفوائد العامة والخاصة، والمصالح العاجلة والآجلة.
فالواجب على الناس التواصي بالحق والصبر، والتعاون على التقوى والبر، وإشاعة الخير والفضيلة، ومغالبة الشر والرذيلة.
وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما من أعظم أسباب النصر على الأعداء والتمكين في الأرض؛ قال عز من قائل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج:40-41].
وهما طوق النجاة وسربال الحياة؛ قال سبحانه: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف:165[.
وأيضاً فهما أمارة فارقة بين الإيمان والنفاق كما قال جل وعلا عن ذلك: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة:67]، ثم قال بعدها: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة:71].
وبالجملة فهما من أفضل الأعمال، وآكد الفرائض، وأوجب الواجبات، وألزم الحقوق، وقد جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ما يؤيد ذلك؛ فيقول تبارك وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104[.
وقد خصص ولاة الأمر –وفقهم الله- في هذه البلاد جهازاً مختصاً بذلك، وأناطوا بها القيام بهذه الشعيرة، وهي: الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقاموا بهذه الشعير خير قيام، ونسأل الله لهم المزيد من التوفيق والسداد.
ومن المعلوم: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم بقدر استطاعته، وبحسب منزلته ومكانته، فلأهل الحل والعقد من الدعاة والعلماء، والمختصين والوجهاء ما ليس على غيرهم، فالأب مسؤولٌ عن أسرته وأهله وأولاده، والمعلم في مجاله، والموظف في دائرته، والتاجر في سوقه.
وهذا حال المسلم المبارك حيثما حل أفاد ونفع؛ لأنه عضو من أعضاء جسد هذه الأمة، له، فينشر الخير والصلاح، ويدرء الشر والفساد.
وإن مما تميزت به هذه البلاد المباركة قيامها على التوحيد، ودعمها لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ قيامها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله-، ومن جاء بعده من أبنائه الملوك البررة إلى هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وهذه الشعيرة تحظى بالدعم الكبير، والتطوير المستمر؛ لأهميتها، وعظم أثرها على الفرد والمجتمع.
وما اهتمام ولاة الأمر في هذه البلاد –وفقهم الله- بهذه الشعيرة، وبالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إلا دليلاً لامعاً، وبرهاناً ساطعاً؛ ليؤدي العاملون في هذا الجهاز المبارك عملهم على أكمل وجه، وأحسن صورة.
وإنَّ الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لَتولي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اهتماماً بالغاً في المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ ولما حظيت به هذه الشعيرة المباركة من عناية فائقة، ورعاية رائقة من قِبَلِ ولاة أمرنا الميامين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ودعمهم اللا محدود للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويطيب للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد الحرام التعاون مع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ للقيام بهذه الشعيرة على أكمل وجه، وأبهج صورة وفق تطلعات ولاة أمرنا –رعاهم الله-.
وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، وأن يعين ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد، وأسأله سبحانه أن يحفظ علينا عقيدتنا وقيادتنا وأمننا واستقرارنا ووحدتنا، وأن ينصر جنودنا، المرابطين على حدودنا، إنه سميع قريب مجيب الدعوات).