ألقى فضيلة الشيخ الدكتور طلال أبو النور، المدرس بالحرمين الشريفين درسه العلمي في : (تفسير سورة آل عمران) وذلك ضمن البرنامج العلمي الدائم في المسجد الحرام لشهر رمضان المبارك من العام الجاري ١٤٤٤هـ، التي تنظمه وتشرف عليه الإدارة العامة للشؤون التوجيهية والإرشادية التابعة لوكالة الشؤون التوجيهية والإرشادية ممثلة في إدارة شؤون التدريس والمدرسين.
ابتدأ الشيخ -وفقه الله- بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله بالكلام عن آيات الصيام وشهر رمضان شهر القرآن، وربَط ذلك بمكة المكرمة التي نَزَل فيها القرآن أحب البلاد إلى الله، وقد أمر اللهُ عبادَه بتدبر القرآن وفهمه والعمل به وتلاوته واليقين بما فيه مِن الحقائق، وكان هَدْي السَّلَف إذا دخلوا مكة ألّا يخرجوا منها إلا وقد ختموا فيها القرآن.
ونحن في شهر القرآن وفي بلدِ نزول القرآن، والإنسان عندما يقرأ القرآن ويختِمُه سيَقِفُ على حقائق عظيمةكثيرة؛ فإن الله قد ذَكَر نفسَه في القرآن بأوصاف الجلال والعَظَمة، وذَكَر في القرآن مشاهِدَ يوم القيامة، وذَكَر قضية الخَلْقِ والإيجاد للمخلوقات، وذَكَر أخبار الأمم السابقة مؤمنهم وكافرهم، وفي القرآن ذِكْرُ الشرائع والعبادات والمعاملات والأخلاق، وذِكْرُ سُنَن الله الثابتة التي يُحاكِم عليها العباد.
إن تلك الأمور كلها تتجه إلى أن يُعمَرَ قلبُ العبد بذِكر الله واستحضار معيَّته وعِلمِه، وقد ذَكَر هذه الحقيقة علماء الأمة ومن أبرزهم ابن القيم -رحمه الله- في نصٍ نفيس له في كتاب (الفوائد).
وقد ذَكَرَ الشيخُ تلك الفائدة عندما تأمل قولَ الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥۹] وقد جاءت هذه الآية مذكِّرة النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بأن لِينَه لأصحابه وللناس إنما هو برحمة الله، هذا وقد عصى الرُّماةُ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزلوا مِن الجبل فوقع ما وقع للمسلمين مِن هزيمة بسبب عصيان الرماة، ومع ذلك فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليّنًا رحيما بهم.
وقال الشيخ: إن سورة آل عمران تحدثت عن موضوعَين كبيرَين هما: دعوة أهل الكِتاب وخصوصا النصارى منهم، والثاني هو الحديث عن غزوة أُحُد بداية مِن آية رقم ١٢١.
وفي كل الآيات التي تحدثت عن غزوة أُحًد نَجِدُ فيها التذكير بمَعِيِّة الله وعِلمه بعباده وأحوالهم.
ويذكَّرنا اللهُ بأنه هو وحده الذي نصر المؤمنين في غزوة بدر وقد كانوا قِلّة أذِلَّة.
وقال الشيخُ كلمة نفيسة في سبب هزيمة المؤمنين في أُحُد: "لا تظُنَّن أن العدو غَلَب، ولكنَّ الوَلِيَّ أعرض" أعرضَ اللهُ ولي المؤمنين عن نصرهم في أُحُد لأنهم عصوه ولم يصبروا ويتقوا.
ولهذا: فإن الذي يتربى على القرآن وتدبره فإنه يعيش في هذه الدنيا ويخرج منها بقلب سليم. سالم من التعلق بغير الله.
ثم وقَفَ الشيخُ وقفة تدبرية مع صفة الرحمة عند الله -سبحانه وتعالى- فإن قارئ القرآن يبتدأ كل سورة بِاسم الرحمن الرحيم، وتكرر اسم الرحمن واسم الرحيم في ثنايا آيات القرآن أكثر من خمسين مرة.
ومَن لم يرَ آثار رحمة الله فهو المحروم حقا. وإن أعظم ما رَحِم اللهُ بِه العِباد أن أرسل لهم الرسل وأنزل لهم الكتب وعلى رأسها القرآن الكريم وأسهب الشيخ في بعض معاني وأحكام رحمة الله والآثار الواردة في ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم استقبل الشيخُ أسئلة الناس وفتاواهم العامة.
واختتم فضيلته بدعاء المولى القدير أن يديم على هذه البلاد أمنها وأمانها ورخاءها: واستقرارها، وأن يديم العز علينا بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.