ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسن بن عبدالحميد بخاري، المدرس بالحرمين الشريفين درسه العلمي (معاني الصيام)؛ وذلك ضمن البرنامج العلمي الدائم في المسجد الحرام لشهر رمضان المبارك ١٤٤٤هـ، والتي تنظمه وتشرف عليه الإدارة العامة للشؤون التوجيهية والإرشادية ممثلة في إدارة شؤون التدريس والمدرسين.
وابتدأ الشيخ -وفقه الله- بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله بالكلام عن أهمية الصيام، وأن صيام رمضان ركن مِن أركان الإسلام، وقد فرَضَهُ الله لمعانٍ وحِكَم على العِباد منها أن يفقهوها فقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١۸٣] ،
ونداء الله للمؤمنين بوصف الإيمان فيه دَلالَةٌ على أنّ أعظم شروط وجوب الصوم تَحَقُّق الإسلام؛ فمن لمْ يدخل الإسلام لا يصح منه الصوم.
ثم ذَكَر معنى الصيام بأنه الإمساك عن المُفَطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وبالصيام تتحقَّق زكاة النفوس وتَقوى البارئ سبحانه،و كيف أن الصيام كان مفروضا على الأمم قَبْلَنا، مثلما فُرِضَ علينا أياما معدودات على اختلافٍ في بعض تفاصيل الصيام، وذَكَر آثاراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السَّلَف في هذا الأمر.
والمقصودُ الأعظمُ مِن الصيام هو تحقيق تقوى الله وامتثال أمرِهِ في السِّر والعَلَن، وقد رُخِّصَ للمريض والمُسافِر أن يُفطِرَ في رمضان، ويقضيَ أيامًا أُخَر، وهذا وجه مِن أوجُه التيسير في شريعة الصيام على أنها أيامٌ معدودات رُخِّص فيها الفِطْرُ لغير القادر إطلاقا على الصيام مع إطعامه عن كلِّ يومٍ مسكينا.
ثم ذَكَر أن صيامَ رمضان أولُ ما فُرِضَ كان على التخيير بين الصيام أو الإطعام، ثم نُسِخَ هذا التخيير بإيجاب صيام شهر رمضان على كل مسلِم مُكَلَّفٍ قادر، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} هذه قاعدة ومَقصَد مِن مقاصد الشريعة عامّة.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} يُؤخَذ مِن الآية مشروعية التكبير وذِكرِ الله بعد إكمال عِدَّةِ شهر رمضان، بل بعد إكمال أيِّ عبادة كما وَرَد في الحج والصلاة وغيرها، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} قريبٌ بإجابة دعاء عِباده، قريبٌ بِتَوَلّي أمورهم، قريبٌ بعِلمه بأحوالهم، وقد جاءت آية قُربِ الله وإجابة الدعاء بين آيات الصيام إشارةً إلى أن دعاء الصائم مستجاب في أي ساعة مِن ساعات صيامه، كما جاء هذا صريحا في أحاديث نبوية صحيحة.
ثم وضح الشيخُ أنّ الصيام أول ما فُرِض كان شاقا طويلا يبدأ مِن نوم الإنسان بعد العشاء حتى غروب شمس اليوم التالي، ثم نُسِخ هذا الأمر بقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ...} الآية. فصار الصيام كما هو الآن مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق "الخيط الأبيض".
{كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، فَلْيُتَأمَّلْ كيف بدأت آيات الصيام بالحث على التقوى، وخُتِمَت بالحث على التقوى لبيان أن تحقيق التقوى هو أعظم المقاصد التي مِن أجلِها شُرِعَ صيام رمضان.
وختم فضيلته درسه بالدعاء بخَيرَي الدنيا والآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمدُ لله رب العالمين.