ألقى معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس درسه الدوري في المسجد الحرام في تفسير سورة الحديد الآية 25، وشرح كتاب ( عمدة الاحكام ) ، شرح الحديث العاشر والحادي عشر والثانية عشر والاخير من كتاب الصَّلاة، باب المواقيت ، وأكد فيه أن هذه الدروس العلمية بالمسجد الحرام ساهمت في النقل الصحيح المستمد من الكتب والمتون الصحيحة للسنة النبوية .
واستكمل معالي الشيخ الدكتور السديس درسه بشرح تفسير سورة الحديد الآية 25 بعد توقفه عند الآية 24 في الدرس السابق حيث ذكر: مناسبة قوله تعالى: مناسبة قوله تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ...} لما قبله: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما بيَّن في الآية السابقة أنَّ المختالين الذين يبخلون بأموالهم على ذوي الحاجة والبائسين، ويأمرون بذلك، ويعرضون عن الإنفاق لا يبخلون إلا على أنفسهم، والله غنيٌّ عنهم، وهو المحمود على نِعَمه التي لا تدخل تحت حدّ... ذكَر بعد ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل بالبيِّنات والمعجزات، وأنه أنزل الميزان والحديد، وأمَر الخلق بأن يقوموا بنصرة رسله.
وأضاف معاليه مناسبة قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ}؛ أي: جنس الكتب الشامل للكل لتبيين الحق وتمييز صواب العمل؛ أي: لتكميل القوة النظرية والعملية. وقوله: {مَعَهُمُ} يجعل على تفسير الرسل بالأنبياء حالًا مقدَّرة من {الْكِتَابَ}. أي: مقدَّرًا كونه معهم، وإلا فالأنبياء لم ينزلوا حتى ينزل معهم الكتاب. فالنزول مع الكتاب شأن الملائكة، والإنزال إليهم شأن الأنبياء.
وشرح معاليه قوله تعالى:{وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}:أي: {و} أمرناهم بـ {الْمِيزَانَ}؛ أي: بالعدل {لِيَقُومَ النَّاسُ}؛ أي: ليتعامل الناس فيما بينهم {بِالْقِسْطِ}؛ أي: بالعدل إيفاءً واستيفاءً، ولا يظلم أحدٌ أحدًا في ذلك. ومعنى إنزاله: إنزال أسبابه، والأمر بأعداده.
والمعنى: أي: ولقد أرسلنا الأنبياء إلى أممهم، ومعهم البراهين الدالة على صدقهم، المؤيِّدة لبعثهم مِن عند ربِّهم، ومعهم كتبُ الشرائع التي فيها هدايةُ البشر وصلاحُهم في دينهم ودنياهم، وأمَرناهم بالعدل ليعملوا به فيما بينهم، ولا يظلم بعضُهم بعضًا.
ولمَّا كان الناس فريقين: فريقًا يقوده العلمُ والحكمة، وفريقًا يقوده السيفُ والعصا، وكان ما يزعُ الشيطان أكثرَ مما يزع القرآن، وكان العدلُ والنِّظامُ لا بدَّ له من حامٍ يحميه، وهو الدولة والملِكُ وأعوانه والجند، وهؤلاء لا بُدَّ لهم من عُدَّةٍ يحمون بها النظام والعدل في داخل البلاد، وفي خارجها أعقَب بقوله: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ}؛ أي: خلقناه كما في قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}، والمعنى: أنه خلَقه في المعادن، وعلَّم الناس صنعتَه واستخراجَه من معدنه. وذلك أنَّ أوامره وقضاياه وأحكامَه تنزل من السماء، قاله الحسن. وأصل الحديد: ماءٌ نزَل من السماء، فتجمَّد في معادنه، ولذلك احتاج في صوغه إلى النار، كما أنَّ الماء المثلَّج يحتاج إلى الحرارة في ذوبه.
ثم انتقل معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى شرح الحديث العاشر والحادي عشر والثانية عشر ، وهو حديث عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ, وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ" أخرجه الشيخان.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: "لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ, وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ" أخرجه الشيخان.
وعَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما "أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ, وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا، قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بُطْحَانَ, فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ, وَتَوَضَّأْنَا لَهَا, فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ" أخرجه الشيخان.
موضحاً معاليه مسائل الاحاديث ذكر الصحابيان ابن عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في وقتين، فالأول، بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، والثاني: بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، خشية مشابهة المشركين الذين يعبدون الشمس عند شروق الشمس وعند غروبها بين قرني الشيطان، وأما حديث جابر رضي الله عنه فجاء فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء يوم الخندق وهو غاضب يسب كفار قريش، لأنَّهم شغلوه عن صلاة العصر، فأقسم النَّبي صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق- أنَّه لم يصلها تطمينًا لـعمر الذي شقَّ عليه الأمر، فصلى صلى الله عليه وسلم العصر بعد أن غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
وذكر معاليه أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة: جاء ذكْرُ وقتين منها في حديثي ابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما؛ وهما: الأول: من بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس عن الأرض قيد رمح، والثاني: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، فأما الثالث: وهو وقت ضئيل قليل، من حين تبلغ الشمس نهايتها في الارتفاع بوسط السماء، حتى تبدأ في الزوال، وقد ثبت نهي الصلاة فيه بما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ"، وذكر منها:"وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ".
وفي ختام الدرس استقبل معالي الرئيس العام أسئلة الحضور والإجابة عليها, موضحاً أهمية هذه الدروس ودورها في النقل الصحيح المستمد من الكتب والمتون الصحيحة, مؤكداً حرص الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على الجانب التوجيهي والإرشادي والتوعوي، ونشر العلم النافع لزوار بيت الله الحرام، وذلك وفقاً لتطلعات القيادة الرشيدة -حفظها الله-.