السبت, 20 أيار 2023 16:00

فضيلة الدكتور غزاوي في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام: ادفع بحلمك جهل من جهل عليك، وبعفوك إساءةَ من أساء إليك، وبصبرك على مكروه من تعدى عليك

قيم الموضوع
(1 تصويت)


أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل فضيلته خطبته قائلاً: من المعلوم أن الناس منذ خلقوا وهم مختلفو الطبائع والرغبات والميول، كما أنهم ليسوا سواء في أخلاقهم وصفاتهم وأحوالهم، فمنهم الهين اللين، اللطيف الرفيق، ومنهم الفظ الغليظ الجافي الشديد، ومنهم مَن هو بَيـْن ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا"

وأضاف:لا غنى للمرء عن مخالطة الناس والتواصل معهم؛ فمن الفقه والحكمة أن يكون المسلم على بصيرة، كيف يتعامل مع أصناف الناس المختلفة بما يليق ويناسب الحال وهناك قواعدُ ثابتة وأصولٌ متبعة وتجارِبُ نافعة في معاشرة الناس ومخالطتهم ومعاملتهم ينبغي أن يعيها المرء ويراعيها، كأننا نتعامل مع أناس مثلنا ليسوا بمعصومين، يصيبون ويخطؤون، ويحصل لهم من السهو والنسيان والضعف مالا ينفك منه البشر، فإليكم -عباد الله- جملة من القواعد والإرشادات التي يُحتاج إليها في التواصل مع الناس وكيفية التعامل الأمثل معهم.

 وقال فضيلته: من القواعد المتبعة في التعامل قول الله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا﴾ فأمرنا تعالى أن نقول في مخاطباتنا ومحاوراتنا الكلام الْأَحْسَنَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ؛ فَإِنَّنا إِذْ لَمْ نفعل ذَلِكَ، نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَنا، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ.

وأضاف: الناس تنتابهم أعراضٌ مختلفة وتمرُّ بهم أحوال متباينة من الشغل والضعف والنسيان والمرض والكبر وغيرها مما قد يؤثر على سلوكهم وطباعهم؛ فأحسن الظن بهم واحذر من الحكم على أقوالهم وأفعالهم دون تثبُّت ومعرفة للأسباب، لاسيما أن الشيطان حريص على إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس فربما نزغ بينك وبين أخيك حتى تظن به الظن السيئ على إثر أمر حصل بينكما، كما لو لم يشفع لك فيما طلبته، أولم يهتم بالأمر الذي سألته، أو لم يجبك إلى دعوتك، أو لم يسأل عنك عند مرضك، أو لم يرد على مكالمتك أو رسالتك، أو لم يَدْعُك إلى وليمة عرس ونحوها، أو رُزقت عطية فلم يهنئك بها، أو قابلك فلم يلق السلام عليك، أو رآك في مجلس فلم يلتفت إليك، أو واعدك وأخلف موعدك، أو كلمك في شيء أزعجك، أو غير ذلك من الأمور. ومن باب الإنصاف وإبراء لذمتك لا تبن اعتقادك على أوهام وظنون فتبغض صاحبك وتقاطعه نتيجة ما ظاهره إساءة منه لك، بل بادر بمصارحته وسؤاله عن الحامل له على ما صنع معك، حتى يتبين لك عذره ومقصَده وترتاح نفسك.

واستطرد فضيلته بقوله: من القواعد الجليلة في التعامل بين الناس قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ يَعْنِي ادفع بالحالة التي هي أحسن سَفاهَة الناس وجَهالَتَهم، ادفع بحلمك جهل من جهل عليك، وبعفوك إساءةَ من أساء إليك، وبصبرك على مكروه من تعدى عليك، فَإنَّكَ إذا قابَلْتَ إساءَتَهم بِالإحْسانِ، وأفْعالَهُمُ القَبِيحَةَ بِالأفْعالِ الحَسَنَةِ تَرَكُوا أفْعالَهُمُ القَبِيحَةَ وانْقَلَبُوا مِنَ العَداوَةِ إلى المَحَبَّة، ومن الأمور التي تراعى في معاملة الناس عدم الالتفات لما يلقاه المرء من أذاهم؛ فالمؤمن من أهل المروءات، يتغافل عن الزلات، ويغض الطرف عن الهفوات، طلبا لمغفرة رب البريات، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وقال فضيلته في الخطبة الثانية: من قواعد التعامل بين الناس كذلك قوله تعالى ﴿وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ أَيْ: كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا، ولينُوا لَهُمْ جَانِبًا فوطِّن نفسك -عبد الله- على معاملة الناس بمكارم الْأَخْلَاقِ ومحاسن الصفات وجميل الخِلال، وألا يأتي منك لأخيك إلا ما تحب أن يؤتى إليك، وما كرهت لنفسك فلا تأته إلى غيرك. ومما يدخل في هذا الباب أن تحرص على نفع الناس وإدخالِ السرور عليهم، والفرح لفرحهم والتألم لألمهم، ومواساتهم، والوقوف بجوارهم في السراء والضراء، وبذلِ المعروف لهم، وعدم المنّ عليهم بالعطاء، وأن تزهد فيما في أيديهم ولا تحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، ولا تنتظر منهم شكرًا ولا ثناءً على صنيعك ولا مكافأةً على إحسانك،‏ وإن استثارَ أحد غضبك فكن حليما واكظم غيظك، وبادر بالاعتذار لمن أخطأت في حقه، وكن سليم الصدر في حق إخوانك واقبل عذر من جاءك معتذرا منهم، والتمس لهم الأعذار حتى وإن أخطؤوا في حقك.

عند المناصحة لا تُغفل ما لدى أخيك من خير، وعاتب برفق ولين، وتسامح ولا تستوف حقك كاملا، واحرص على ما يُشيع المحبة مع غيرك، كإفشاء السلام وإلانة الكلام والابتسامة والمناداة بأحب الأسماء والإهداء، كما عليك أن تتواضع ولا تتفاخر بما لديك، ولا تحتقر صاحبك، ولا تُوقعْه في الحرج، واحمل كلامه على أحسن المحامل، وتحفظ من التطاول على أحد بكلمة دون أن تشعر، وشاور أصحاب العقول الرشيدة ولا تستبد برأيك، واحذر أن تعرض نفسك للتُّهَمَة؛ فتكون سببا في إساءة ظن الناس فيك، وابتعد عن الكلام البذيء والألفاظ الجارحة المسيئة، ولا تقحم نفسك فيما لا ينفعك من شؤون الآخرين ولا تسأل عما لا يَعنيك، ولا تتبع عورات الناس، ولا تشمت بهم ولا تذكر معايبهم، ولا تبغ عليهم ولا تغشهم ولا تخنهم ولا تُفش أسرارهم ولا تنل من أعراضهم ولا تهتك أستارهم ولا تسع في الإفساد بينهم، بل كن مشعل خير وإصلاح، بالدعاء لهم والسؤال عن أحوالهم وقضاء حوائجهم ومعالجة مشكلاتهم، ومن وقع في معصية فانصح له وذكره بالله من باب الأخوة والمحبة ولا تتركه على خطئه ولا تدعه في غفلته، وفي المقابل إذا نبهك أحد على خطأ ارتكبته فاقبل نصيحته شاكرا ولا تكابر، بل أذعن للحق وانقاد، واحذر أن تعيش شكاكا مرتابا، تشتغل بتفسير المقاصد وتحكم على النيات، بل عامل الناس بظواهرهم وكِل سرائرهم إلى ربهم فحسابهم على الله تعالى. وليكن رضا الله هو همَّك وغايتك في كل أمورك.
IMG 4971IMG 4972IMG 4965IMG 4966IMG 4967
 
قراءة 493 مرات آخر تعديل في السبت, 20 أيار 2023 16:23