الأحد, 11 حزيران/يونيو 2023 21:22

انطلاق الدورة العلمية "بُلْغة الناسك إلى فقه العقيدة والمناسك" بالمسجد الحرام.. سماحة مفتي عام المملكة: إنه يوم بهيج يشهد باكورة سلسلة من النور والهداية، تشع إلى قلوب وبصائر المسلمين باختلاف بلدانهم وألسنتهم وألوانهم

قيم الموضوع
(0 أصوات)

انطلقت مساء اليوم الدورة العلمية "بُلْغة الناسك إلى فقه العقيدة والمناسك"، في المسجد الحرام بكلمة توجيهية لسماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ذكر فيها فضل العمل في خدمة ضيوف الرحمن، ونشر رسالة الإسلام من خلال الدروس والبرامج العلمية التي تقام داخل المسجد الحرام، مشيدًا بجهود العاملين في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الرامية إلى نشر العلم النافع والحكمة والموعظة الحسنة؛ إرشاداً لوفود الحجاج وتعليماً لهم بأمور دينهم والآداب والأخلاق التي دعت إليها الشريعة الإسلامية من الكتب والسنة.

وجاء في كلمة سماحته التي ألقاها نيابة عنه معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور فهد بن سعد الماجد: إن اغتنام هذه الأيام في أقدس بقعة على وجه البسيطة لمما يتنافس عليه أهل الأرض قاطبة؛ كيف لا وهو اجتماع للشرف من عدة أوجه: شرف المكان وهو البيت العتيق، وشرف الزمان وهو موسم الحج الذي يفد فيه الناس إليه من كل فج عميق، وشرف المعلوم وهو تعلم ما علَّق الله به السعادة للبشرية في الدارين فنعم المنهج ونعم الطريق، وإنه لمما يوجب الشكر المتواصل والحمد المتتابع لله سبحانه وتعالى اختصاصه لنا في أحب البلاد إليه وأكرم البقاع عليه بالسعي في خدمة الحجاج في بيته المعظم، خير بيت وضع للناس، إنه يوم بهيج سعيد، يشهد باكورة سلسلة من النور والهداية، تشع من جنبات المسجد الحرام متسللة إلى قلوب وبصائر المسلمين باختلاف بلدانهم ألسنتهم وألوانهم، معبَّرة للدنيا أجمع عن رسالة الإسلام في كل زمان، منذ أن رفع إبراهيم القواعد من البيت، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

وحث المسلمون على التقوى قائلا ، اتقوا الله تعالى حق التقوى اتقوا ربكم فإن تقوى الله خير وصية أوصى الله بها الأولين والآخرين، فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله تنالون السعادة في الدنيا والآخرة، واعلموا أن الله عز وجل خلق الخلق لحكمة عظيمة ليعبدوه وحده لا شريك له، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ليردوا العباد إلى فطرة الله التي فطرهم عليها، بعد ما انحرف العباد عن فطرة الله، فالله -عز وجل- قد فطر الخلق على عبادته فلما انحرف العباد عن هذه الفطرة أرسل الله الرسل ليردوا العباد إلى فطرة الله السليمة، وأن دعوة جميع الرسل دعوة واحدة إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، هذه طريقة أنبياء الله ورسله من لدن نوح إلى سيدهم وأعظمهم وأكملهم وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم.

وأوضح سماحته إن في مناسك الحج عبر وعظات، منها: التقاء المسلمين واجتماعهم في صعيد واحد، غاية واحدة، لرب واحد يعبدون، وبكتابه يأتمون، ولرسول واحد يتبعون، شعارهم واحد، هدفهم واحد، هيئتهم واحدة، حقا إنها تمثل أخوة الإسلام في أسمى وأرفع معانيها.

وأكد سماحته بأن في موسم الحج لمؤتمر عظيم يدعو الله تعالى إليه المسلمين، ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )، والتي أصلها وأساسها انطلاق القلب إلى الله، وانجذابه إلى طاعته، حيث يفارق المسلم وطنه وأهله وبلده استجابة لنداء الله الذي فرض عليه ذلك، والتقاء المسلمين بعضهم ببعض، وتعارفهم وتآلفهم وسيلة قوية إلى قوتهم واستقامة حالهم، وفق الله المسلمين لما يحبه ويرضاه.

إنه من أشرف مواطن تذكر نعمة الله تعالى علينا بالإسلام، تلك النعمة التي جمعت القلوب ووحدت الشمل، فأصبحت الأمة الإسلامية بهذا الدين إخوة في الإيمان، إخوة في العقيدة، أخوة فوق علاقة النسب والوطن واللسان، لكنها الأخوة الإيمانية الصادقة، ( إنما المؤمنون إخوة )، إخوة تقتضي من المؤمن أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، محبة تقتضي أن تفرح لهم بكل خير نالوه، وتحزن على مصيبة حلت بهم ؛ لأنهم إخوانك في العقيدة، وأنت وإياهم كالجسد الواحد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضا ).

وبين سماحته أن حسد أعداء الله تعالى الأمة الإسلامية على هذه النعمة العظمية فأخذوا في بث الدعوات المضللة والأفكار الهدامة بين المسلمين، والله يعلم أن الإسلام منهم بريء بمساعدة الأئمة المضلين الذين تظاهروا بالإسلام في دعواتهم، وإذا تأمل المسلم البسيط تلك الدعوات رآها جهالات وضلالات وخداعا للأمة وتضليلا لها ، ذلك أن أرباب هذه الدعوات لهم علاقة قوية بأعداء الإسلام، يرسمون لهم الطريق ويخططون لهم المخططات، ليضربوا أهل الإسلام بعضهم ببعض، فجعلوا منهم جسرا يعبرون عليه لنيل أغراضهم وأهوائهم، فهم إنما يدعون لأنفسهم وأغراضهم وأهوائهم، ودعواتهم مشبوهة ، وليست إلا لأغراض دنيوية لأحزاب، أو عصبية جاهلية أو دعوات قطرية وعرقية، وقد وصفهم الله تعالى فقال: ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )، وقال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ  * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ).

إن الحج المبرور يجب أن يكون خالصا لله، يجب على الحاج أن يكون هدفه عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يجرد هذا الحج من كل أمر يخالف شرع الله.

كما يجب على الحاج أيضاً أن يكون في حجه متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، لذا حرص في حجته التي ودع فيها الناس أن يتلقوا عنه مناسكهم قائلا لهم: ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )، وما قال قولا ولا عمل عملا إلا قال لهم: ( خذوا عني مناسككم ) ليعلمهم الاقتداء به والتأسي به، فإنه -صلى الله عليه وسلم- قدوة لكل مسلم ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ).

وقف -صلى الله عليه وسلم- بعرفة، وصلى الظهر والعصر جمعا وقصرا في وقت الظهر، وقبل الصلاة خطب خطبة عظيمة أعلمهم فيها واجبات الإسلام، وقرر فيها قواعد الدين، فقال: ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ) وأخبرهم أن الله قد ألغى به أمور الجاهلية فقال: ( ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه دماؤنا، دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا ك، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) وألغى دماء الجاهلية، وأوصاهم بالنساء خيرا، وبين ما للنساء من الحقوق، وما عليهن من الواجبات، واستشهد الله عليهم أنه بلغهم رسالة الله، فقالوا له جميعا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع إصبعه إلى السماء ثم نكتها إلى الناس فقال: ( اللهم اشهد ).

ثم قال للصحابة: ( وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف )،  وقال: ( وارفعوا عن بطن عرنة ( يعني أن الواقف في أي جزء من أجزاء عرفة فإنه يكون مؤديا للواجب إذا كان وقوفه داخل حدود عرفة، ولم يزل واقفا بها منشغلا بدعاء الله والتضرع بين يديه حتى غربت الشمس، ثم انطلق بعد ذلك إلى مزدلفة فصلى فيها المغرب والعشاء جمعا وقصر، وبات بها حتى صلى بها الفجر في أول الوقت، وذكر الله عند المشعر الحرام ثم انصرف إلى منى ، والتقط حصى الجمار ما بين طريقه من مزدلفة إلى منى.

وصل -صلى الله عليه وسلم- إلى منى، فابتدأ جمرة العقبة، فرماها بسبع حصيات، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه ، ثم طاف طواف الإفاضة بالبيت .

وهذه الأعمال يرتبها الحاج يوم النحر إن قدر على ذلك: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، والحلق أفضل، ثم الطواف بالبيت والسعي بعدها إن لم يكن سعى مع طواف القدوم ، أو كان متمتعا فعليه سعي الحج غير سعي عمرته ، وإن قدم بعضها على بعض فنبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول لمن سأله أنه قدم الحلق على الرمي أو النحر على الرمي ، يقول : ( افعل ولا حرج )،  فما سئل عن شيء يوم النحر قدم ولا أخر من أفعال يوم النحر إلا قال : ( افعل ولا حرج ).

ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- رجع بعدما طاف طواف الإفاضة، وبات بمنى ليلة الحادي عشر، ثم رمى الجمار يوم الحادي عشر بعد الزوال: الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وكذلك في اليوم الثاني عشر، ومكث بمنى ثلاثة أيام، فلم ينصرف إلا في اليوم الثالث عشر بعدما أكمل رمي الجمار.

فمن تعجل في يومين فانصرف من منى يوم الاثنين بعدما يرمي الأولى والوسطى والعقبة، أو تأخر إلى اليوم الثلاثاء الثالث عشر، فإن الكل جائز، قال الله تعالى: ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ )، أي: من تعجل في الدفع من منى في اليوم الثاني عشر فلا إثم عليه، ومن تأخر فلم يدفع إلا في اليوم الثالث عشر فلا إثم عليه، فلا حرج عليه، ثم بعدما يكمل الحج رمى الجمار يودع بيت الله الحرام وقد تم حجه بتوفيق الله.

ونصح سماحته المسلمين فقال : وفي هذا المقام ينبغي علينا جميعاً أن نستشعر نعمة الله تعالى على هذه الأمة في هذا الزمان أن يسرنا لنا حج بيته الحرام ، والاجتماع في هذا المكان المبارك، وشاهدتم -ولله الفضل والمنة- ما نعمت به بلاد الحرمين من خدمات عظيمة وتسهيلات كبيرة ، كما ذلل من الصعاب وسهل من الأمور بتوفيق الله ورحمته ، فإن المسئولين في هذه البلاد – من أول مسئول فيهم إلى آخره – بذلوا جهودا مضنية وجهودا جبارة ، قاموا بواجب عظيم ، سهلوا لحجاج بيت الله الحرام كل المهمات ، ذللوا أمامهم الصعاب ، يشهد المسلم تلك العناية العظيمة بالحرمين والطرق الموصلة إليه، وما تقوم به أجهزة هذه البلاد على اختلافها: أمنية ، وصحية ، وغير ذلك من أجهزة الدولة التي تقوم بكل جهد ، وبكل عمل في سبيل راحة الحجيج.

وأكد سماحته إن هذه الأعمال إنما تقدمها هذه البلاد شكرا لله على نعمته أن جعلهم خدام بيت الله الحرام، ورعاة هذا البلد الأمين، فهم يؤدون هذه الأعمال انطلاقا من مبدأ عظيم: طاعة الله، وطاعة رسوله، ومحبة الخير لهذه الأمة.

إن هذه البلاد -ولله الفضل- بما من الله عليها بتحكيم شرع الله ، وإقامة حدود الله ، ورعاية الحرمين العظيمين -هي أيضا تنطلق في سبيل راحة المسلمين وتضميد جروحهم ، وحل مشاكلهم ، وإنهاء خصومتهم ، وبذل كل جهد في سبيل ما يسعد الأمة ويعينها من قريب أو بعيد ؛ لأنها ترى ذلك واجبا إسلاميا عليها ، محبة الخير للأمة والسعي في مصالحهم وجمع كلمتهم وتوحيد شملهم ، ومساعدتهم في كل كارثة تنزل بهم؛ لأن هذا من منطلق الإيمان ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )، فوفق الله حكومتنا لكل خير ، وهداهم سواء السبيل ، ووفق إمام المسلمين وولي عهده لما يحبه ويرضاه، وأخذ بأيديهم إلى كل خير. 

وأعان منسوبي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وأصحاب الفضيلة المشايخ والعلماء المدرسين في المسجد الحرام على القيام بما أوجبه الله عليهم من تعليم العلم وبيان شرع الله تعالى لزوار بيته العتيق من مشكاة النبوة ونور الوحي، ليؤدوا مناسككم على بصيرة ونور.

وشكر الله جهود معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، في سبيل خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

msg5347534764 1823msg5347534764 1824
قراءة 790 مرات