الثلاثاء, 27 حزيران/يونيو 2023 13:43

معالي الشيخ الدكتور يوسف بن محمد في خطبة يوم عرفة:أنه في اجتماع الكلمة صلاح الدين والدنيا وتحقق المصالح وزوال المفاسد، وبه يحصل التعاون على البر والتقوى

قيم الموضوع
(0 أصوات)

أمّ  وخطب معالي الشيخ الدكتور يوسف بن محمد بن سعيد عضو هيئة كبار العلماء المصلين بخطبة يوم عرفة واستهل خطبته قائلاً: أيها المؤمنون حجاج بيت الله الحرام لقد كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج:( أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ألا هل بلغت، إن الله حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة  يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، فاختلاف اللغات والألوان والأعراق ليس مبررا للاختلاف والنزاع بل هو آية من آيات الله في الكون كما قال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)، وإن مما تتابعت النصوص على تأكيد الأمر بالاجتماع والمحبة والتآلف، والنهي عن التنازع والتفرق والاختلاف، قال تعالى: (واعتمصوا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).

ولذا امتن الله على نبيه صلى الله عليه وسلم باجتماع أصحابه، وذلك أنه في اجتماع الكلمة: صلاح الدين والدنيا وتحقق المصالح وزوال المفاسد، وبه يحصل التعاون على البر والتقوى، وبه ينصر الحق ويدحر الباطل، ويغاظ الأعداء وتحبط مساعي الحاقدين والمتربصين، ومتى تفرقت الكلمة دخلت الأهواء والضغائن وتضادت الإرادات فسفك الدم الحرام، واستحل المال المعصوم وانتهكت الحرمات، وصعب على الأمة الرقي في حياتها وعسر الالتزام بالطاعات، ويد الله مع الجماعة، والشيطان مع من فارق الجماعة، وتعرف قيمة الاجتماع بما يحصل من آثار مؤلمة للتفرق والاختلاف في الفرد والأسرة والمجتمع.

ومن هنا أقام الشرع الضمانات الواقية والحصانات الكافية التي تحول دون تأثير معاول الهدم والتخريب، لتمزيق المجتمع بوضع سياج منيع يمنع من تصدع بنيانه، وتزعزع أركانه، على مستوى الأسرة والمجتمع والوطن، بل والعالم أجمع، ومن هنا أمر الله المسلمين عند النزاع بالرجوع للكتاب والسنة، كما أمرهم بحسن الخلق وإحسان التعامل ورحمة بعضهم البعض، ورغبهم في أن يتخلقوا بخلق الصبر والصفح عن الأخطاء.

وأضاف معاليه وتحقيقاً لمقصد جمع الكلمة جاءت الشريعة بتوثيق الروابط الاجتماعية والأسرية والإيمانية فأمرت بصلة الأرحام، وأوضحت حقوق الأزواج والزوجات، والآباء والأبناء والبنات، وأمرت بالإحسان إلى سائر القرابات والجيران والمساكين، وأمرت الشريعة بالتعاون على الخير، ونهت عن الحديث السيء، ونهت الشريعة عن الانسياق وراء الإشاعات والأراجيف التي يقصد منها تفريق الصف، ومن هنا يحذر المؤمنون من الحملات المغرضة بمختلف وسائلها وأساليبها الموجهة لتفريق الكلمة، وتأليب بعض المجتمع على بعضه، كما جعل الله عدداً من الطاعات تؤدى بشكل جماعي كما في اجتماعكم اليوم على صعيد عرفات، ومثل اجتماعكم في صلاة الجمعة والجماعة، ومما يؤدي إلى الاجتماع ما جاءت به الشريعة من التكافل الاجتماعي ودفع الزكاة والنفقات ووضع الأوقاف وإخراج الصدقات، ولذا جاءت الشريعة بتذكير المتخاصمين بأخوتهم بعضهم لبعض والترغيب في الإصلاح عند حصول التخاصم، وعلى الأمة أن تربي أبناءها تربية جادة على الاجتماع كما جاء التأكيد بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمر لتحقيق مقصد اجتماع الكلمة، ومما يدخل في ذلك تأليف القلوب عليهم وترغيب الناس في طاعتهم، والقيام معهم فيما يصلح أحوال العباد والبلاد، والدعاء لهم.

وذكر معاليه فيا معشر المسلمين ويامن له تأثير اتقوا الله في الأمة  بالسعي في جمع كلمتها، وإطفاء الفتن وإسكات دعاتها، وليتق الله المتنازعون بحق الدماء والسعي في تحقيق الصلح، ولأن تكون تابعا في حق خير من أن تكون متبوعا في باطل، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

حجاج بيت الله إنكم في موطن شريف وزمان فاضل ترجى فيه مغفرة السيئات وإجابة الدعوات، ولهذا أفطر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجه، ليتفرغ للذكر والدعاء، فأكثروا من دعاء ربكم لأنفسكم ولمن تحبون ولمن لهم عليكم حق، وللمسلمين عامة بأن يصلح الله أحوالهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وإن ممن أحسن للمسلمين من يقوم بخدمة الحرمين الشريفين، ويسهر على راحة ضيوف الرحمن، وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله ورعاهم- ومن يعمل معهم، فادعوا الله لهم.
IMG 20230627 204038 571IMG 20230627 204039 424
قراءة 786 مرات آخر تعديل في الثلاثاء, 27 حزيران/يونيو 2023 20:57