الجمعة, 14 تموز/يوليو 2023 14:44

فضيلة الشيخ أحمد بن طالب في خطبة الجمعة: هو سبحانه فوق سماواته، على العرش المجيد استوى، وعلى الملك احتوى، والقرآن كلام الله حقاً، الذي أنزله بعلمه

قيم الموضوع
(4 أصوات)


خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ أحمد بن طالب حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أما بعد: فعلموا أنه من عبد الله حق عبادته، أمده سبحانه بفيض إعانته كما قال عز وجل: (إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين)، فأعانه الله على رعاية ودائعه، وحفظ ما أودعه من شرائعه، وما استودع الله عبداً خيراً من قلبه، ولا ستحفظ فيه وديعة أعظم من
إيمانه، فالقلب محل نظر الرب، وخير القلوب أوعاها للخير؛ وقد فرض الله سبحانه وبحمده على القلب عملاً من أعمال الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملاً من الطاعات؛ وأعظم ذلك وأعزه وأعلاه وأغلاه، الإيمان بالقلب، والنطق باللسان، أن الله إله واحد، لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، لا والد له ولا صاحبة، ولا شريكة ولا ولد؛ ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون.

وأكمل فضيلته: يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في حقيقة ذاته (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، العليم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير.

وهو سبحانه فوق سماواته، على العرش المجيد استوى، وعلى الملك احتوى، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى؛ كلم موسى بكلامه، وتجلى للجبل فصار دكاً من جلاله، والقرآن كلام الله حقاً، الذي أنزله بعلمه، وأتمه مصدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام؛ خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ وعلم كل شيء إنه قبل كونه، فجرى على قدره، خيره وشره، حلوه ومره، يُضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه، وسبق علمه به، فكل ميسر بتيسير إلى ما سبق من علمه وقدره، من شقي أو سعيد؛ تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم.

وأكمل فضيلته: بعث الرسل إليهم، لإقامة الحجة عليهم، فعلموا بهم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور،كما بدأهم يعودون؛ وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر، باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته، ومن عاقبه بناره، أخرجه منها بإيمانه، فأدخله به جنته.

وأضاف: خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وخلق النار
فأعدها دار خلود لمن كفر به، وألحد في آياته وكتبه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته.

وبيّن فضيلته: الصراط حق، يجوزه العباد بقدر أعمالهم، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم.
ومن رحمة الله بالمؤمنين في عرصات يوم الدين، حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترده أمته، لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه من بدّل الكفر بالإيمان، وغير بالابتداع بعد الاتباع؛ والنجاة عند الله لأهل الايمان، من قال بلسانه، وأخلص بقلبه، وعمل بجوارحه، فلا إيمان إلا بقول، ولا قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية، إلا بموافقة السنة.
ولا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، إلا بما لا يجتمع مع الإيمان من اعتقاد أو قول أو فعل؛ والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة، وأرواح أهل الشقاوة معذبة بائسة،كل في برزخ إلى يوم يبعثون.

وأضاف: وخير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، رضوان الله عليهم أجمعين؛ ولا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، فهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.
والطاعة لأئمة المسلمين من علمائهم وولاة أمورهم في غير معصية الله، والإتباع للسلف الصالح والاقتفاء لآثارهم والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدين، وترك ما أحدثه المحدثون،كل ذلك حتم لازم.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: فإن الله ختم الرسالة والنذارة والنبوة بسيد الأولين والأخرين، وإمام المتقين سيدنا ومولانا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا وخليل ربنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، المكي الأبطحي ولادة ونوراً، وبعثة وظهوراً، والمديني هجرة وانتقالاً، ودعوة وقتالاً، ووفاة وانتقالاً للملأ الأعلى، فطيب ظاهر أرض طيبة مسكناً، وطيب باطن ثراها مدفناً صلى الله عليه وآله وسلم، هو العاقب الحاشر المقفي، نبي التوبة والرحمة والملحمة، أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. أنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم؛ هو المحمد الأحمد، محمود عند الله، وعند ملائكته، وعند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلهم، فمن لم يحمد ذاته إيماناً، حمد صفاته اضطراراً، وهو صلى الله عليه وسلم مع اختصاصه مسمى الحمد، بما لم يجتمع لغيره، فأمته الحمادون، الذين يحمدون الله في السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وكذلك خطبه وكتبه ومصاحف أصحابه. وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، ، ويفزع إليه الخلق لفصل القضاء يوم القيامة، فيسجد بين يدي ربه، ويحمده بمحامد يفتحها الله عليه حينها، فيؤذن له في الشفاعة، وهو المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون الآخرون، فيحمده عليه حينئذ أهل الموقف، مسلمهم وكافرهم، أولهم وآخرهم، فصلوا عباد الله وسلموا تسليماً على خير حامد ومحمود، بما ملء الارض من الهدى، والإيمان، والعلم النافع، والعمل الصالح، وبما فتح الله به من القلوب، وكشف به من الظلمة، واستنقذ من أسر الشياطين، حتى نلتم به شرف الدنيا والآخرة.
قراءة 2279 مرات