الجمعة, 01 أيلول/سبتمبر 2023 13:55

الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم في خطبة الجمعة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيا ثَلاثَةٌ: فَرُؤْيا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، ورُؤْيا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطانِ، ورُؤْيا ممَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ)

قيم الموضوع
(5 أصوات)
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: أسبغ الله على عباده نعمة ظاهرة وباطنة؛ فالظاهرة ما تُرى بالأبصار من المتاع والتوفيق للطاعات، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وما يدفعه الله عنه من الآفات؛ والله بحكمته حجب علم الغيب عن الخلق، ولا سبيل إلى معرفة الغيب إلا بما يطلعه الله على رسله، قال سبحانه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)؛ ومن نعم الله الباطنة وعجائب صنعه الباهرة؛ أن أبقى جزءاً من النبوة لمعرفة بعض الغيب بما يطلع عليه من نعم يشاء من عباده في منامهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة)؛ ففيها من بديع الله ولطفه ما تزيد المؤمن في إيمانه، فتنبؤه عن الماضى والحال والمستقبل بما يغنيه عن كذب الكهان ونحوهم، وفيها حث على الخير، وتحذير
من الشر، وبشارة ونذارة؛ ولشأن الرؤيا في حياة الناس، وكثرة وقوعها، وانقسامهم فيها ما بين غال ومفرط بينت النصوص حالها.
وأكمل: وللرؤيا مع الأنبياء شأن في أشد المحن والأحداث، وهي وحي لهم دون غيرهم؛ قال إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك)، فرفع الله مقام إبراهيم بتصديقه للرؤيا وامتثاله لأمر ربه، فأبقى له ثناء صادقاً جيلاً بعد جيل، وفي غزوة بدر أرى الله نبيه النصر في المنام، فكانت تثبيتاً للمؤمنين، قال تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ)؛ وفي غزوة الحديبية أرى الله نبيه فتح مكة فكانت بشارة لهم قال تعالى (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ).
وأضاف فضيلته: وأول الخير والنور لهذه الأمة كان بالرؤيا؛ قالت عائشة رضى الله عنها: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
وبيّن: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بالرؤى وتفسيرها، فكان إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه بوجهه ويسألهم: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟).
ورؤيا المؤمن تسره ولا تغره، وهي جزء من النبوة، قال صلى الله عليه وسلم: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)؛ ، وهى من المبشرات الباقية بعد النبوة، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال: (هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو تُرى له)؛ قال ابن عبد البر رحمه الله: (أجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها).
وأكمل فضيلته: والرؤى أنواع؛ واحدة منهن حق لا بد من وقوعها، واثنتان باطلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه)، قال الإمام أحمد رحمه الله: (الرؤيا من الله عز وجل، وهي حق إذا رأى صاحبها شيئا في منامه ما ليس هو ضغث؛ فقصها على عالم وصدق فيها، وأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف).
وأضاف: والله حفظ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من تمثل الشيطان به، فمن رآه في المنام فقد رآه حقا، ومن رأى النبي في المنام لا يدل على أنه خير من غيره، ومن رآه على غير صفته الواردة في السنة والسيرة، أو رآه يأمره بباطل؛ فهى أضغاث أحلام - وهى ما يشبه الرؤيا الصادقة وليس منها - والرؤيا الصادقة جزء من النبوة، والنبوة وحي، والكاذب في نومه كاذب على الله انه أراه ما لم يره،
قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أفرى الفرى - أي: أكذب الكذب -: أن يُري عينيه ما لم ترَ)؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تحلم بحلم لم يره؛ كُلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل).
وبيّن: وتأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان، وهو علم عزيز يجمع بين الموهبة والاكتساب، ونعمة يمن الله بها على من يشاء، والتعبير فتوى لا يجوز لأحد الخوض فيه بغير علم، وهي مبنية على القياس والتمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس، قال ابن القيم رحمه الله: (أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك من فهم الفرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير، واصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن).
وأوضح فضيلته: الرؤيا لا يثبث بها شيء من الأحكام، فالدين تم بموت النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً في اليقظة.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: الرؤيا الصادقة واقعة لا محالة سواء عبرت أم لا، وأما زمن وقوعها فقد تقع حالاً، وقد يتأخر وقوعها قليلاً أو كثيراً، قال عبدالله بن شداد رحمه الله: (وقعت رؤيا يوسف عليه السلام بعد أربعين سنة، وإليها ينتهى أقصى الرؤيا).
قراءة 2835 مرات