الجمعة, 10 تشرين2/نوفمبر 2023 14:21

فضيلة الشيخ عبدالله الجهني في خطبة الجمعة : منذ فجر الإسلام شاء الله تبارك وتعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم ليمحص إيمانهم ، وليقوم بنيانهم بعد ذلك على أسس متينة راسخة ، ثم يكون لهم التمكين والانتصار

قيم الموضوع
(1 تصويت)

وسط منظومة من الخدمات المتكاملة بالمسجد الحرام أمّ المسلمين لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن الدنيا ومفهومها والآخرة والتجهز لها فقال: وصف الله عز وجل حقيقة الدنيا وما هي عليه ، وبين غايتها وغاية أهلها ، وبين قصر مدتها ، وانقضاء لذتها ، بأنها لعب لا ثمرة فيه إلا التعب ، ولهو يشغل صاحبه عن آخرته ، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب ، والغفلة عن ذكر الله وعما أمامهم من الوعد والوعيد ، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة ، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله ، وبمعرفته ومحبته ، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله عز وجل ، من النفع القاصر والمتعدي ، قال تعالى :( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا …..) والدنيا والآخرة ضرتان ، أن أرضيت أحدهما أغضبت الأخرى ، ومن عرف الدنيا ومآلها ، وعرف الآخرة ودوامها ، أعطى كل واحدة حقها .

إن لا تلذذ للمرء من نعيم دنياه إلا بمسكن يظله ، وبكساء يستره ، وبطعام يتقوى به على آداء مهمته في هذه الحياة الدنيا ، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وحده حتى يبلغ منتهاه ، وما زاد عن ذلك فإنما هو لمن بعده ، للوارث غنمه وعلى المورث حسابه وغرمه ، فأيكم مال وارثه أحب إليه من ماله .

في الصحيحين عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ قال يتبع الميت ثلاثةٌ : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى عمله .

وقد جعل الله الدنيا دار ابتلاء واختبار ، والعاقل من تزود منها لآخرته ، وقد حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما على ملازمة التقوى ، وعدم الانشغال بظواهر الدنيا وزينتها .

وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما أعرف الناس بالدنيا ، وأكثرهم زهدا وقناعة بها ، فقد كان يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم من الاشتغال بمهنة الأهل والنفس إرشادًا للتواضع وترك الكبر ، وكان قوته خشنا لم يأكل خبزا مرققا حتى مات ، وما شبع من خبز الشعير حتى مات صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما ، وما رأى النقي من الحَبِّ منذ بعثته حتى قبضه ربه عز وجل ، وما ترك بعد موته دينارا ولا درهما ولاعبدا ولا أمة ، ولا شيئا إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقه .

واكمل فضيلته خطبته عن تقوى الله في الدنيا فقال : والمسلِم الحَقُّ يَسعى في حياتِه إلى تَحصيلِ تَقوى اللهِ عز وجل ورِضاه ، ويأخُذَ مِن الدُّنيا اليَسيرَ بقدْرِ ما يوصِلُه إلى ربِّه ، دونَ أن يَنشَغِلَ عنه بأمورِ الدُّنيا . 

قال أحد السلف : الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن ، والرغبة فيها تكثر الهم والحزن .

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ومما يعين على الزهد أن يتأمل الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وأنها دار ممر، وليست دار مقر، وأنها لم تبق لأحد من قبلك ، وما لم يبق لأحد من قبلك فلا يبقى لك قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾. يعني لن يخلد أحد في هذه الدنيا، وكذلك ليعلم أن هذه الدنيا دار تنقيص وكدر، ما يسر بها إنسان يوما إلا ساء وكدر في اليوم الثاني، فإذا علم حقيقة الدنيا فإنه بعقله وإيمانه سوف يزهد بها ولا يؤثرها على الآخرة قال الله تعالى ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا۞وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى۞إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى۞صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾.

واختتم فضيلته خطبته الأولى بتذكير المسلم بالتزود من الدنيا للآخرة فقال : الإسلام لم يبغض الدنيا في هذا الوجود، ولكنه يعتبرها قنطرة يمر بها العاقل إلى دار البقاء والخلود ، معتمدا عليها في زمان محدد ، ليصلح بها ذلكم المسكن المؤبد، ولهذا وذاك فإن المرء محتاج في الدنيا إلى الضروريات التي هي المطعم والملبس والمال والأثاث والمنكح والمسكن والجاه ، وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا علمته أحبني الله ، وأحبني الناس ، فقال رسول الله إزهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك) رواه ابن ماجة ومعنى الحديث أن تفضل أمر الله على أمر الناس أجمعين ، وأن تفضل الآخرة على الدنيا بعمل صالح مع صبر ويقين والمهم أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك ، وأن تملكها ولا تملكك ، وبعبارة أخرى ، فإن حب الله يكمن في الخوف والرجاء ، وعدم الإغترار بالدنيا لأنها للفناء، وإن حب الناس هو القناعة بما رزقت من الأشياء ، وترك الحقد والعداوة والبغضاء، وكيف لا يفوز المتقي بهذين الحبين الجليلين، وهو قد فضل الآخرة على الدنيا مشتغلا بالحلال ، راضيا بما قسم الله له فاستحق الإكرام والإجلال .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ).

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن ابتلاء الله العبد بالدنيا فقال : إن الابتلاء في هذه الحياة الدنيا من سنن الله تعالى وهو مرتبط بالتمكين ارتباطاً وثيقا ، فلقد ابتلى الله تعالى أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام ، فأُوذوا وصبروا ، فمكن الله لهم في الأرض ونصرهم على الأعداء قال تعالى : ( وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ).

ومنذ فجر الإسلام شاء الله تبارك وتعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم ليمحص إيمانهم ، وليقوم بنيانهم بعد ذلك على أسس متينة راسخة ، ثم يكون لهم التمكين والانتصار ، وهذا الابتلاء من الله عز وجل على المؤمنين ابتلاء رحمة لا ابتلاء غضب .

وما يقع على المسلمين اليوم من محن وابتلاءات لاينبغي أن يكون ذلك سببا لضعف نفوسهم وخور عزائمهم بل لابد أن يكون ذلك دافعا لهم لتقوية إيمانهم بالله عز وجل والعزم الصادق والصبر الجميل .

ولن يكون الإخلاص والنجاة إلا بالتمسك بكتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما ، والبراءة من الشرك وأهله ، ولزوم جماعة المسلمين  ، لأن الجماعة قوة لا تقهر ، والحذر من التفرق في الدين والتحزب ، قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها : إلا أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب ، وتلت قول الله تعالى: ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) ،  ويجب على المؤمن أن يكون على ثقة ويقين بنصر الله القريب وإن كثر الأعداء وتكالبوا وعظمت قوتهم ، فإن الله سينصر دينه والمؤمنين ، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُحَى مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بأسنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَا تَأْتِنَسُوا مِن رُوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَأْيْسُ مِن روْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَفِرُونَ ﴾ وقال سبحانه: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَدُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سوءُ الدَّارِ ).

واختتم فضيلته خطبته الثانية بتوجيه المسلمين بنصرة إخوانهم في غزة والتبرع لهم فقال: إن المؤمن مأمور بأن ينصر دينه ، ومأمور بأن ينصر إخوانه ، ومن هذا المنطلق جاء التوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله - بحملة وطنية لجمع التبرعات عبر منصات مخصصة لذلك ، لنصرة أشقائنا في غزة ، وإن من الواجب على المسلمين أن يسارعوا بالبذل والعطاء ، والقيام بحق الأخوة وتلبية النداء ، استجابة لأمر ربهم عز وجل حيث يقول : ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وتأتي هذه الحملة المباركة بإذن الله امتداداً لمواقف المملكة العربية السعودية  التأريخية والمشرفة في الوقوف مع القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني .

msg 1001468035115 50839msg 1001468035115 50840IMG 20231110 WA0013
قراءة 1686 مرات آخر تعديل في الأحد, 12 تشرين2/نوفمبر 2023 08:14