أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة فضيلةالشيخ الدكتور عبدالله بن عوّاد الجهني إمام وخطيب المسجد الحرام ابتدأها قائلاً: الحمد الله الذي أمر بالمكارم والفضائل، ووعد عليها بالثواب والغفران، ونهى عن الفواحش والرذائل، وأوعد عليها بالوبال والخسران، أحمده تعالى وأشكره وأستعيذ به وأستغفره وأومن به وأتوكل عليه في كل حين وآن، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا منقذ له من العذاب والهوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادات الأعيان والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان، من يطع الله ورسوله فقد سعد وأصاب، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر وخاب.
وأضاف فضيلته قائلًا: فاتقوا الله عزوجل في السر والإعلان واجيبوه في جميع الأوقات والأحيان، واحفظوه في ما عز قدره أوهان، وتمسكوا بما شرعه لكم في بيانه وتبيينه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، وتذكروا نعمة الله عليكم فقد فسح في آجالكم، لتصلحوا مافسد فيما مضى من أعمالكم.
وبيّن فضيلته أنّه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: اتق الله حيث كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. رواه احمد والترمذي، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب نفسه: (والله يا ابن الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك)، وقال مالك رحمه الله: بلغني أن عمر بن الخطاب كان يقول: كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه ومروءته خلقه.
وأهاب الجهني: إن الإسلام دين خلقي رفيع، دعا إلى التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وحض على مكارم الأخلاق، وحميد الصفات ومحاسن الشمائل، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما الغاية من بعثته، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) رواه احمد والبيهقى واللفظ لهما، أي: أُرْسِلْتُ للخلْق "لأُكمِّلَ ما انتقَصَ من الأخلاقَ الحَسنةَ، وأساسها توحيدالله عزوجل والإخلاص له سبحانه وتعالى في عبادته وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس فهي أعظم الأخلاق وأهمها بعد التوحيد وترك الإشراك بالله عزوجل، وتليهما الأفعال المُستحسَنة الَّتي جبَلَ اللهُ عليها عِبادَه مِن الوفاءِ والمُروءةِ والحياءِ والعِفَّةِ فيَجعَلُ حَسَنَها أحسَنَ، ويُضيِّقُ على سيِّئِها ويَمنَعُها، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ سَأَلَهُ النَّجَاشِيُّ عَنْ حَقيقَةِ هَذَا الدِّينِ فَأَجَابَهُ قَائِلًا : "أيها الملك، لَقَدْ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةِ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجَوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَان ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَار ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكُلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ .... ) الحديث ، لَقَدْ لَخُص الدِّينَ كُلَّهُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي عُنْوَانُهَا الْكَبِيرُ : مَكَارِمُ الْأَخْلَاق ، وَقَدْ تَلَخَّصَ الدِّينُ كُلُّهُ فِي صَفْوَةِ الْخَلْقِ مُحَمَّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما ، الذِي أَثْنَى عَلَيْهِ رَبُّهُ بِأَرْقَى وَأَجْمَلِ مَا فِيهِ فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) صلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
وأوضح فضيلته: فالأخلاق الفاضلة الحسنة، والشمائل الطيبة الكريمة، والصفات الحميدة الرفيعة، هي من قواعد الدين وأصوله الثابتة الراسخة بل إن الخلق الحسن أساس العقيدة الإسلامية والعمل، وثمرة التهذيب والتقويم، وأية قيمة لعقيدة وعمل لا يصحبها خلق كريم فاضل يقود صاحبه إلى العفة والحكمة، وشرف النفس وعلو الهمة، ويرده عن مواطن السوء، ورذائل الطبع، ويحول بينه وبين ما يفسد المروءة، ويثلم الشرف، ويمس حرمة العقيدة والدين، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: أَقَمْتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالمَدِينَةِ سَنَةً ما يَمْنَعُنِي مِنَ الهِجْرَةِ إلَّا المَسْأَلَةُ، كانَ أَحَدُنَا إذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عن شيءٍ، قالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ . رواه مسلم ، والبر هو الإحسان إلى الناس ، والتقرب إلى الله تعالى : ولا يتم ذلك إلا بحسن الخلق ، والإثم صفات قبيحة وأفعال شنيعة ، يحرص المرء على سترها ، ويكره أن يطلع الناس عليها ، فهي تؤثر وترسخ في الصدر ، وتتحدث بها النفس ويوسوس بها الشيطان ويترجمها الفعل إلى جرائم وآثام.
وأوصى فضيلة الشيخ الجهني المصلين: فحري بك أيها المسلم أن تكون أخلاقك حسنة فاضلة كريمة، تتعفف عن الأذى والعدوان، وتصبر على قسوة الناس وسوء معاملتهم وتتقبل برحابة صدر كل ما يصدر عنهم من أخطاء وأحقاد، فتكظم الغيظ، وتعفو عن الهفوة، وتغفر الزلة، وتقيل العثرة، وتقبل العذر، وتصفح الصفح الجميل، ويكون إخوانك المسلمون في سلامة من أذى لسانك، وأمن من عدوان يدك.
وعقّب فضيلته: إن الخلق العظيم مبدأ عظيم من مبادىء الهداية والإصلاح بين الناس، ويندرج تحته سائر الفضائل الخلقية، والمكارم النفسية، من عفة وأمانة ووفاء وصدق وكرم وحياء، وشجاعة وتراحم وإخاء. وإن الحياء أفضل الخلق الحسن، فهو رأس الفضائل، والباعث على الخير والإيمان، وقد دلت النصوص الشرعية على التحلي بالإيمان والحياء، والابتعاد عن البذاء وسيئ الأخلاق قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما: (الحياءُ منَ الإيمانِ، والإيمانُ في الجنَّةِ، والبَذاءُ منَ الجفاءِ، والجفاءُ في النَّارِ) خرجه الترمذي وأحمد وابن حبان.
ونوّه فضيلته: والحياء هو انقباض النفس عن القبيح، والتعفف عما لا يحل ولا يجوز، وهو من خصائص الإنسان المميز له عن بهائم الحيوان. ومن أولى الناس بالحياء أخذا به وتمسكا المرأة المسلمة، فالحياء تاج المرأة المسلمة، وحصنها المنيع، وسياجها المتين.
وحرّص فضيلته: أيتها المسلمة إن لك فيمن سبق أسوة حسنة، وسلفٌ صالح، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي فأضع ثوبي، وأقول إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر رضي الله عنه معهم، فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي، حياء من عمر رضي الله عنه.
فها هي رضي الله عنها تشد عليها ثيابها لما دفن عمر في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مع أنه كان ميتا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعلى المرء المسلم أن يأمر أهله بالحياء والحجاب والعفاف والستر ويحبب هذه الأخلاق الحسنة إليهم بالحسنى والمعروف لينال الرضا والثواب من الله عزوجل فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
فها هي رضي الله عنها تشد عليها ثيابها لما دفن عمر في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مع أنه كان ميتا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعلى المرء المسلم أن يأمر أهله بالحياء والحجاب والعفاف والستر ويحبب هذه الأخلاق الحسنة إليهم بالحسنى والمعروف لينال الرضا والثواب من الله عزوجل فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وبّين فضيلته الشيخ الجهني: لقد رغّب الإسلام في الخلق الحسن، وهو بسط الوجه وطلاقته، واستقامة اللسان ونظافته، واجتناب المحارم، وإتيان المكارم، وسعة الصدر، وقوة الاحتمال والصبر، وجعله عنوان الكمال، ورمز الخير والبر، وأساس التعامل بين الناس، قال: إنكم لاتسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق، خرجه الطبراني والحاكم والبيهقي.
وأضاف فضيلته: وفي هذا الزمان ساءت الأخلاق، وعم الشقاق والنفاق، واستفحلت الشرور والآثام، وكثر الفحش والبذاء، وضعف الإيمان والحياء، وتعامل الناس بالغدر والخيانة والدهاء، وانقطعت حبال التراحم بينهم والإخاء، وفسدت العلائق الزوجية، والروابط العائلية، بسبب سوء الأخلاق وفساد التربية، وانحطاط النفوس إلى درك المادة والشهوات فسوء الخلق ياعبادالله شر ذميم الأخلاق، وأقبح النقائص على الإطلاق، فهو شر مستطير على المجتمع والناس، وشؤم محقق في الحياة، فهو يُحبط الأعمال، ويجرّ إلى الآثام، ويقضي على صفات النبل والمروءة والكرم، ويسرع بصاحبه إلى الشر والغضب، ويدفع به إلى الأذى والعدوان.
وشددّ فضيلته: فعلى الإنسان أن يتخلق بالأخلاق الموجبة للشرف والسيادة ويعتني في طلب المكارم ويسعى لنيل المعالي من الأمور بهمة وعزيمة وإيمان، وأن يروض نفسه على تحسين خلقه وصقل طبعه وتزكية نفسه وضميره. قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما: (إنَّ مِن أحَبِّكُم إليَّ، وأقْرَبِكُم مِنّي مَجلِسًا يومَ القيامَةِ، أحاسِنُكُم أخلاقًا، وإنَّ أبَغْضَكُم إليَّ، وأبْعَدَكُم مِنّي يومَ القيامَةِ، الثَّرْثارونَ، والمُتشدِّقونَ والمُتفَيْهِقونَ". إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحسنكم أخلاقاً) أخرجه الترمذي في سننه.
وأوصى فضيلته: فاتقوا الله ايها المسلمون: وتحلوا بمكارم الأخلاق، وتجنبوا رذائلها، فإنكم إن فعلتم ذلك هديتم إلى سنة نبيكم، ونلتم سعادة الدنيا والآخرة. وفقني الله وإياكم لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ورزقنا وإياكم الصدق في الأقوال والأعمال، وجنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
ثم بيّن فضيلته في الخطبة الثانية: التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار …. )
وأوصى الجهني: ما أحوجنا ونحن نسير على طريق الدعوة إلى أن نراجع أنفسنا وسلوكنا في مجتمعنا، وأن نتدبر حالة أخلاقنا، ونعلم أن العبادة بلا أخلاق تبقى جسدا بلا روح، ولا خير في إنسان عابد سيئ الأخلاق، كما أنّه لا خير في إنسان حسن الأخلاق سيئ العبادة، بل الخير كل الخير في اجتماعهما، فاتقوا الله أيها المسلمون واجمعوا بين حسن العبادة وحسن الخلاق تسعدوا وتفوزوا في الدنيا والآخرة وأكثروا من الصلاة والسلام على ملاذ الورى في الموقف العظيم يوم القيامة، نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما، وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن سائر الصحب أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أنفعنا بمحبتهم واحشرنا يالله في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم وطريقتهم يا أكرم الأكرمين.
واختتم فضيلته خطبته بالدعاء قائلًا: اللهم أيد الإسلام والمسلمين واعلي بفضلك كلمة الحق والدين ، ووفق وسدد إمامنا وولي امرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز نصره الله واعنه اللهم بعزتك وقوتك على أمور الرعية ، وأعلي به راية الإسلام والمسلمين ، وأيده بعضده وولي عهده صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لمافيه صلاح البلاد والعباد لاوطانهم .وأسبل اللهم سترك على بلادنا وعلى جميع بلاد المسلمين، اللهم انصر اخواننا المومنين في كل مكان على أعداء كلمة الحق والدين وأجمع يامولانا كلمة المسلمين والف بين قلوبهم على الحق واخماد الكفر والباطل ونصر المؤمنين بمنك وفضلك يا قوي ياعزيز ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.