أمّ المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف. وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون: أوجد اللَّه الخَلْقَ وفاضل بينهم، وخيرُ النَّاس وأحبُّهم إلى اللَّه أنبياؤه، ثمَّ صحابة نبيِّنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وخير النِّساء وأكرمُهنَّ على اللَّه أزواجُه صلى الله عليه وسلم، وأحبُّ أزواجه إليه أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وسنَّة اللَّه القائمة أنَّ مَنْ أحبَّه اللَّه ابتلاه، وفي السَّنة السَّادسة من الهجرة، ابتُلي المسلمون ببلاء عظيم جعله اللَّه امتحاناً للأمَّة كلِّها إلى يوم القيامة؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد مَرْجِعه من غزوة بني المصطلِق كانت معه عائشة رضي الله عنها، ولمَّا دَنَوْا من المدينة، آذَنَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلةً بالرَّحيل، فقامت لقضاء شأنها، فمَشَتْ حتى جاوزت الجيش، ثم أقْبَلَتْ إلى الرَّحْلِ ففَقَدَتْ عِقْداً لها، فرَجَعَتْ تلتمسه في الموضع الذي فَقَدَتْه فيه، فرفعوا هَوْدَجَها وارتحلوا، ولم يشعروا بخُلُوِّ الهودج منها؛ لخِفَّة وزنها - والهودج: مركب يُجعَل فوق البعير للمرأة -، قالت عائشة رضي الله عنها: «وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ»، قال الذَّهبيُّ رحمه الله: «وَعُمُرُهَا يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً»، ثم وجدت العقد بعدما استمرَّ الجيش، فمَكَثَتْ مكانَها؛ ظنّاً منها أنَّهم سيفقدونها فيرجعون إليها، فغلبتها عينُها فنامت.
وأضاف فضيلته: كان الصَّحابي صفوانُ بن المعطَّل رضي الله عنه كثيرَ النَّوم فتخلَّف عن الجيش، فلمَّا أصبح لحق بالجيش، فرأى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاه، فإذا هي عائشة رضي الله عنها، وكان رآها قبل نزول الحجاب، فأعرض بوَجْهِه عنها، فاستيقظت باسترجاعه - أي يقول: إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون -، قالت: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ»، قال ابن الأثير رحمه الله: «وَكَانَ صَفْوَانُ شُجَاعاً خَيِّراً فَاضِلاً»، فأناخ بَعِيرَه حتَّى رَكِبَتْه، ثمَّ انطلق يقود بها الرَّاحلة حتَّى أدركوا الجيش في الظَّهيرة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وَكَانَ سَفَرُهَا مَعَهُ خَيْراً مِنْ أَنْ تَبْقَى ضَائِعَةً».؛ ولمَّا رأى رأسُ النِّفاق عبدُ اللَّه بن أُبَيِّ ابن سلول تَأخُّرَ عائشة رضي الله عنها عن الجيش طَعَنَ في بيت النُّبوَّة الطَّاهر، ثم قَدِمَ المدينة وجَعَل يَشِيعُ الإفكَ في عِرْضِ الشَّريفة العفيفة رضي الله عنها ويَذِيعُه، ويَجمَعُه ويُفَرِّقُه؛ وكانت مقالة عامَّة المؤمنين: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}؛ لأنَّ ما حَدَث لم يكن رِيبةً، وإنَّما امرأةٌ حديثةُ السِّنِّ فَقَدَتْ رُفْقَتَها، فأحسن إليها صحابيٌّ، وأعادها إليهم.
وأضاف فضيلته: كان الصَّحابي صفوانُ بن المعطَّل رضي الله عنه كثيرَ النَّوم فتخلَّف عن الجيش، فلمَّا أصبح لحق بالجيش، فرأى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاه، فإذا هي عائشة رضي الله عنها، وكان رآها قبل نزول الحجاب، فأعرض بوَجْهِه عنها، فاستيقظت باسترجاعه - أي يقول: إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون -، قالت: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ»، قال ابن الأثير رحمه الله: «وَكَانَ صَفْوَانُ شُجَاعاً خَيِّراً فَاضِلاً»، فأناخ بَعِيرَه حتَّى رَكِبَتْه، ثمَّ انطلق يقود بها الرَّاحلة حتَّى أدركوا الجيش في الظَّهيرة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وَكَانَ سَفَرُهَا مَعَهُ خَيْراً مِنْ أَنْ تَبْقَى ضَائِعَةً».؛ ولمَّا رأى رأسُ النِّفاق عبدُ اللَّه بن أُبَيِّ ابن سلول تَأخُّرَ عائشة رضي الله عنها عن الجيش طَعَنَ في بيت النُّبوَّة الطَّاهر، ثم قَدِمَ المدينة وجَعَل يَشِيعُ الإفكَ في عِرْضِ الشَّريفة العفيفة رضي الله عنها ويَذِيعُه، ويَجمَعُه ويُفَرِّقُه؛ وكانت مقالة عامَّة المؤمنين: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}؛ لأنَّ ما حَدَث لم يكن رِيبةً، وإنَّما امرأةٌ حديثةُ السِّنِّ فَقَدَتْ رُفْقَتَها، فأحسن إليها صحابيٌّ، وأعادها إليهم.
وأكمل فضيلته: وأمَّا عائشة رضي الله عنها فإنَّها لمَّا قَدِمَت المدينة اشتكت من مرض ألَمَّ بها، فمَكَثَتْ في بيتها قريباً من الشَّهر، وهي لا تعلم شيئاً عمَّا يُقال عنها، غير أنَّها فَقَدَتْ لُطْفَ النَّبيِّ بها إذا مَرِضَتْ، قالت: «وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي، أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ - أي: لمَنْ عندها -: كَيْفَ تِيكُمْ؟ - أي: كيف هذه -».، وبعد أن أفاقت من مَرَضِها، أَخْبَرَتْها أمُّ مِسْطَحٍ رضي الله عنها بقول أَهْلِ الإِفْكِ، قالت رضي الله عنها: «فَازْدَدْتُ مَرَضاً إِلَى مَرَضِي»، فلمَّا دَخَلَ عليها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالت له: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ - قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا -، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فأَخْبَرَتْها بحديث النَّاس، فاشتدَّ البلاءُ على عائشة بطَعْنِها في عفافها؛ إذ أنفَسُ ما تملكه المرأة بعد دينِها عِرْضُها، فهو شَرَفُها وجمالُها، قالت: «فَبَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ – أي: لا ينقطع - لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي – أي: شاقُّها -».
وأشار فضيلته: ومن عظيم هذا الافتراء والبُهتان بَكَتْ نساءٌ مؤمنات، قالت عائشة رضي الله عنها: «وبينما هُمَا - أي: أبواها- جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي». وأمَّا نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم فمهموم ساكتٌ لم يُكلِّم أحداً في شأن الإِفْكِ، واشتدَّ الكربُ عليه بحَبْسِ الوَحْي عَنْه شَهْراً، لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فدَعَا عَلِيَّ بن أبي طالبٍ وأسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهما - وهما من أعرف النَّاس بأهل بيته -، يَسْتَشِيرُهُما في فراقِ أهله، وسأل جاريةً عند عائشة رضي الله عنها فقال: «يَا بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئاً يَرِيبُكِ؟»، وسَأَلَ أمَّ المؤمنين زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟» فما عابها أحدٌ منهم بشيء.، ثم دَخَلَ على عائشة وعندها والداها، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، وظَنَّتْ أنَّه سيُبَشِّرُها بكَذَبِ أهل الإِفْكِ، قَالَتْ: «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ - أي: ارتفع - دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً».
وأشار فضيلته: ومن عظيم هذا الافتراء والبُهتان بَكَتْ نساءٌ مؤمنات، قالت عائشة رضي الله عنها: «وبينما هُمَا - أي: أبواها- جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي». وأمَّا نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم فمهموم ساكتٌ لم يُكلِّم أحداً في شأن الإِفْكِ، واشتدَّ الكربُ عليه بحَبْسِ الوَحْي عَنْه شَهْراً، لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فدَعَا عَلِيَّ بن أبي طالبٍ وأسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهما - وهما من أعرف النَّاس بأهل بيته -، يَسْتَشِيرُهُما في فراقِ أهله، وسأل جاريةً عند عائشة رضي الله عنها فقال: «يَا بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئاً يَرِيبُكِ؟»، وسَأَلَ أمَّ المؤمنين زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟» فما عابها أحدٌ منهم بشيء.، ثم دَخَلَ على عائشة وعندها والداها، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، وظَنَّتْ أنَّه سيُبَشِّرُها بكَذَبِ أهل الإِفْكِ، قَالَتْ: «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ؛ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ - أي: ارتفع - دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً».
وبيّن فضيلته: فلمَّا رَأَت الأمر كذلك، لَجَأَتْ لِأَبِيها ليَنْصُرَها، فقالت له: «أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».، ثم طَلَبَتْ حنانَ أمِّها، فقالت لها: «أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».، فلَجَأَتْ إلى مَنْ في السَّماء، وفَوَضَّتْ أمرَها إليه، وقالت لهم: «إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ – لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي».
ونوّه فضيلته: ولمَّا كانت حافظةً لدينِها، حارسةً لعفافِها، أيقنت بمدافعة اللَّه عنها، وأحسنت ظنَّها به، قَالَتْ: «وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي»، فكان اللَّه عند ظنِّها، قَالَتْ: «فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ».، ولطاعتها للَّه، حَفِظَها ونَصَرَها، وخَلَّد ذِكْرَ عفافِها، قالت عائشة رضي الله عنها: «وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى»، فأظهر اللَّهُ منزلةَ رسوله وأهلِ بيته عنده، وكرامتَهم عليه، وتَوَلَّى هو بنفسه الدِّفاعَ والذَّبَّ عنهم، وظهر لأمَّته احتفاءُ ربِّهم بهم، واعتناؤه بشأنهم، وأمَّا رأس النِّفاق الذي أشاع الإِفْكَ وأذاعه فتوعَّده اللَّه بالعذاب العظيم.
ونوّه فضيلته: ولمَّا كانت حافظةً لدينِها، حارسةً لعفافِها، أيقنت بمدافعة اللَّه عنها، وأحسنت ظنَّها به، قَالَتْ: «وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي»، فكان اللَّه عند ظنِّها، قَالَتْ: «فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ».، ولطاعتها للَّه، حَفِظَها ونَصَرَها، وخَلَّد ذِكْرَ عفافِها، قالت عائشة رضي الله عنها: «وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى»، فأظهر اللَّهُ منزلةَ رسوله وأهلِ بيته عنده، وكرامتَهم عليه، وتَوَلَّى هو بنفسه الدِّفاعَ والذَّبَّ عنهم، وظهر لأمَّته احتفاءُ ربِّهم بهم، واعتناؤه بشأنهم، وأمَّا رأس النِّفاق الذي أشاع الإِفْكَ وأذاعه فتوعَّده اللَّه بالعذاب العظيم.
واختتم فضيلته: أيَّها المسلمون: عظيمٌ عند اللَّه أن يقال في زوجةِ رسولِه ما قيل، قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، والشِّدَّة يعقبها فرجٌ، والمؤمن ينال الخير بالبلاء، قال تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وكذا كانت عاقبة عائشة رضي الله عنها، أنزل اللَّه فيها آيات تُتْلَى إلى يوم القيامة، وسَمَتْ على النِّساءِ بِفَضَائِلِها؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» ومنَحَها اللَّهُ ذَكَاءً مُتَدَفِّقاً وحِفْظاً ثَاقِباً، وعِلْماً واسعاً، والأحاديث التي روتها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أكثر ممَّا روي عن الخلفاء الرَّاشدين مجتمعين؛ لانشغالهم وتقدُّم وفاتهم، لا قلَّة سماعهم، بل نَقَلَتْ لهذه الأمَّة رُبع أحاديث الشَّريعة، قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله: «لَمْ يَكُنْ فِي الأُمَمِ مِثْلُ عَائِشَةَ فِي حِفْظِهَا وعِلْمِهَا، وَفَصَاحَتِهَا وَعَقْلِهَا، فَاقَتْ نِسَاءَ جِنْسِهَا فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، رُزِقَتْ فِي الفِقْهِ فَهْماً، وَفِي الشِّعْرِ حِفْظاً، وَكَانَتْ لِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وِعَاءً».، وأوجب اللَّه مَحَبَّتها على كلِّ أحد، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ فَأَحِبِّي هَذِهِ» - يعني: عائشة – (متَّفق عليه)، وقد تُوفِّي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سَحْرِها ونَحْرِها، وفي يومها، وفي بيتها، وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدُّنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مَفْخَرٌ.