الجمعة, 08 آذار/مارس 2024 14:02

فضيلة الدكتور فيصل غزاوي في خطبة الجمعة: مِن تَوفيقِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى لِلعَبدِ وإرادةِ الخَيرِ به، إلهامُه أنْ يَعمَلَ صالِحًا قبْلَ مَوتِه، ويَختِمَ له به، فيَفوزَ بالنَّعيمِ المُقيمِ في الآخِرةِ

قيم الموضوع
(2 أصوات)


أم إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المصلين في يوم الجمعة واستهل فضيلته خطبته قائلًا: أيها المسلمون: إن شهر رمضان لمن أعظم المواسم وأجلها وأكثرها أجرا؛ لذا فما أجمل أن نتواصى فيما بيننا بما فيه نفعنا قبل حلول هذا المغنم الخيِّر الوفير والمتجر الرابح الكبير، سائلين الله العلي القدير أن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل وحسن المآب، فمن أعظم ما يذكر به تجريد القصد والنية لله جل وعلا، وجَعْلُ الصيام والقيام لله خالصا؛ فيترك المرء الرياء والعُجب فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان لله خالصاً وابتغى به صاحبُه وجه الله عز وجل، ويحرص على أن يكون له خبيئة من العمل الصالح لا يراها إلا الله. وبما أن أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها فينبغي لكل منا أن يَعقد العزم من الآن على أن يكون في شهر الرحمات من السابقين إلى الخيرات المشمرين إلى الطاعات؛ فإن أوقاته غالية نفيسة لا تقدر بثمن، ولا يصلح أبداً أن تضيّع أو تهدر وهو يرى الناس يقبلون ويغتنمون، ومع تنوع العبادات في رمضان فمن أجلِّ ما يَقضي فيه العبد وقته أن يعيش مع كتاب ربه تلاوة وتدبرا وأن يعكف عليه آناء الليل وأطراف النهار، وفي المقابل فإنه يبتعد عن الصوارف وكل ما يحجبه عن ربه في هذا الشهر من الشواغل والملهيات وأن يصون جوارحه عن محارم الله والمفسدات، وأن يكثر من العطاء بكل أنواعه في شهر الجود والبذل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كما علينا أن نغتنم إقبال الناس في هذا الشهر وحرصهم على الخير بأن نحسن إليهم وأن ننفعهم بشتى أنواع النفع، وعلى رأس ذلك أن تكون من الأمور المشاعة بيننا النصيحة والتذكير والتوجيه والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلمة الطيبة الصادقة؛ فالدعوة إلى الله من أعظم القربات إلى الله عز وجل. ومن الأمور التي يؤكد عليها وينبغي عدم الغفلة عنها أن نتذكر إخوة لنا في الدين ممن رحلوا عنا وغيبهم الثرى أو نزلت ببعضهم المصائب والضوائق والخطوب أو اضطهدوا في دينهم أو امتحنوا بأن تكالب عليهم الأعداء فكانوا في شدة وكرب وبلاء؛ فمن الواجب علينا نحو هؤلاء أن نستشعر حالهم وننفعهم بما يستطاع وأن نخصهم بدعوة صادقة في ظهر الغيب؛ فإن ذلك من حقوق الأخوة الإسلامية.
معاشر المسلمين: والمؤمن إذا فاته شيء من الخير فيما مضى ندم عليه وتحسر على فواته، وحَرَص على تداركه واعتياضه؛ فهذا أَنَسُ بنُ النَّضْرِ رضي الله عنه وأرضاه لما غاب عن يوم بَدْرٍ أحس بألم ضياع ما فاته، فقال غِبْتُ عن أوَّلِ قِتَالِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَصْنَعُ، وقد وفى بعهده فأبلى بلاء حسنا في أحد، وكان يقول: "الجنةَ وربِّ النضر، إني لأجد ريحها من دون أحد" فلما انتهت المعركة وجدوه قد قتل، ومثل به المشركون. وهذا عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وأرضاه يسلم عام الفتح، وشعر بما فاته من سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: "والذي نجاني يوم بدر يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت أضعافها في سبيل الله، ولا قتالا قاتلته في الصد عن سبيل الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله"، ويبر بقسمه، فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه إلا خاضها معهم، ولا خرجوا إلا كان معهم، وفي يوم اليرموك أوغل في صفوف الروم، فبادر خالد بن الوليد قائلا: "لا تفعل يا عكرمة، إن قتلك على المسلمين سيكون شديدا"، قال: "إليك عني يا خالد، لقد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، أما أنا وأبي أبو جهل فقد كنا أشد الناس على رسول صلى الله عليه وسلم، دعني أكفر عما سلف مني"، ولقي الله عكرمة مثخنا بجراحه.
أيها الإخوة: هنيئا لمن أصلح نفسه قبل رمضان وهيأها على حب الخير والرغبة في نيل الأجر والثواب من الله تعالى. وأفضل ما يستقبل به شهر رمضان توبة نصوحا ونية جازمة على عدم العودة للذنوب والمعاصي والتحلل من أهل الحقوق؛ فلا بد لنا ونحن في هذه الأيام أن نجدد التوبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم قدوتنا الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر ربه ويتوب إليه في اليوم مئة مرة. ولا عجب أن نبادر بالتوبة فهي واجبة على كل مؤمن قال تعالى: ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ "والتوبة أول منازل السائرين إلى ربهم وأوسطُها وآخرها"، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله. كما أن بقاءنا على المعاصي وعدم التوبة قبل رمضان قد يحرمنا من الجد في العبادة والاجتهاد في قراءة القرآن والقيام، ويمنعنا عن الاستكثار من الخير وصنع المعروف والاستقامة والإحسان، فلنبادر عباد الله بالتوبة قبل رمضان لنحسن استقباله واغتنامه. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً: فمِن تَوفيقِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى لِلعَبدِ وإرادةِ الخَيرِ به؛ إلهامُه أنْ يَعمَلَ صالِحًا قبْلَ مَوتِه، ويَختِمَ له به، فيَفوزَ بالنَّعيمِ المُقيمِ في الآخِرةِ، وإنْ قَلَّ عَمَلُه في الدُّنيا كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملَهُ. فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ" فأقبل عبد الله ولا تيأس من حالك فما يدريك لعلك تدرك رحمة ربك وتحظى بمغفرته وتفوز بجنته وتنجو من عذابه.
أيها الإخوة نحن نأمل أن ندرك الشهر -نسأل الله أن يوفقنا جميعا لبلوغه ويعينَنا على اغتنامه- لكن كم من إنسان لا يبلغه، وإن كان لم يبق على دخوله إلا قليل، فلنحذر الغفلة وطول الأمل خشية أن يدهمنا الأجل، قال ابن الجوزي رحمه الله: "العمر يسير وهو يسير، فاقصروا عن التقصير في القصير. من تذكر حلاوة العاقبة نسي مرارة الصبر. الدنيا دار الآفات، الإثم بقي، والالتذاذ فات. أيها المشغول باللذات الفانيات متى تستعد لمُلمات الممات. يا شدة الوجل، عند حضور الأجل، يا حسرة الفوت عند حضور الموت ويا خجلة العاصين، يا أسف المقصرين. يا من يذنب ولا يتوب، كم قد كتبت عليك ذنوب، خل الأمل الكذوب، فرُبّ شروق ولا غروب، إن هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر. تفكروا في مصارع الذين سبقوا وتدبروا مصيرهم، أين انطلقوا، واعلموا أن القوم انقسموا وافترقوا، قوم منهم سعدوا، وقوم شقوا. من اجتهد وجد، وليس من سهر كمن رقد. يا من شاب وما تاب، أموقن أنت أم مرتاب، يا من عمره يمضي بالساعة والساعة، يا كثير التفريط يا قليل البضاعة. مَن عرف ما يطلب، هان عليه ما يبذل. يا من أنفاسه محفوظة، وأعماله ملحوظة أيُنفق العمرُ النفيس في نيل الهوى الخسيس؟!
IMG 20240308 135940 209IMG 20240308 135940 599IMG 20240308 135940 744IMG 20240308 135940 662IMG 20240308 135940 535IMG 20240308 135940 449IMG 20240308 135940 763
قراءة 356 مرات