وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: إن الله تعالى قد كرم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم، وصوره فأحسن صورته، فهو أعدل المخلوقات قامة، وأجملهم صورة، وأحسنهم هيئة، مزينًا بالعقل، مهديًا بالتمييز، وذلك لما أراد سبحانه له من التكليف والاستخلاف في الأرض، ولحكم عظيمة لا يعلمها إلا هو، والبشر متفاضلون فيما بينهم بحسب ذلك، ولكنهم عند ربهم لا يتفاضلون بتلك الظواهر، فإنها لا تنفع عنده سبحانه، ولا يعبأ بها جل شانه، وإنما التفاضل لديه جل جلاله بحسب صلاح بضعة باطنة لا يراها العباد بأبصارهم، لكنها محل نظر الله تعالى إلى عبده، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
وأكمل: القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنوده، تأتمر بأمره، وتصدر عن صلاحه أو فساده، فإن كان صالحًا تحركت الجند إلى كل معروف وخير، وإن فسد تحركت إلى كل منكر وشر، ودليل ذلك قول الصادق المصدوق: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وبيّن فضيلته: العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه لا ببدنه، وذلك أن أصول العبادات الموصلة إلى الله تعالى محلها القلب، وهو مبعثها، كمحبة الله ورسوله، ورجاء الله وخوفه، وتعظيمه والتوكل عليه، والإخلاص له والإنابة إليه، وقد دلت براهين الشريعة على أن فضل العمل الصالح في ذاته، والتفاضل بين الأعمال الصالحة والثواب عليها ليس على مجرد صورتها الظاهرة، ولا بكثرتها والاجتهاد فيها، ولكن بقدر حقائقها في القلب حالة مباشرة العمل من الإيمان والإخلاص والاحتساب، قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني: «الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلب حال العمل» ولذلك كان السلف الصالح من هذه الأمة يرون الفضل والسبق لمن سبق بقلبه صلاحًا وطهارةً وصدقًا وبرًا، ويرون المجاهدة لبلوغ تلكم المنزلة أقرب نفعًا وأعظم غناء وأكبر عناء من مجاهدة الجوارح الظاهرة على فعل نوافل الطاعات، فمن صلح قلبه صلحت جوارحه وصحت أفعاله، قال الإمام الحافظ ابن رجب: «ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكثرة الصلاة والصوم بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله»، فإذا كان هذا العضو من الإنسان بهذه المنزلة فحري بالعبد أن يكون محل تعاهده وتفقده واستصلاحه، لا يغفل عن ذلك طرفة عين، فالنور نور القلب، والبصيرة بصيرته، والصلاح صلاحه، قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ).
وأضاف: صحة القلب وسلامته ألزم على العبد من صحة بدنه وجوارحه، فإن غاية ما يوجبه ينتهي بصاحبه إلى الموت، الذي هو مصير كل مخلوق، وأما غاية سقم القلب وفساده فالكفر أو النفاق الموجبان الخزي في الدنيا والآخرة أعاذنا الله؛ ولا نجاة من الخزي يوم البعث إلا لمن أتى الله بقلب سليم.
وأوضح فضيلته: القلب السليم هو الصحيح السالم من الشرك والشك والبدعة، السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو قلب المؤمن الموحد، فإن قلب الكافر والمنافق مريض، وأصل سلامة القلب وصلاحه وبره يكون من امتلائه بتوحيد الله حبًا وتعظيمًا ورجاءً وخوفًا، وبقدر ما يعمر القلب بهذه الأركان يكون صلاحه، وبقدر ضعفها ووجود أضدادها يضعف صلاحه وسلامته، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولا تتم سلامة القلب مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجرد والإخلاص.
وأضاف: للقلب علامات يعرف بها العبد إن كان له قلب صحيح أم مضغة لحم، منها أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى ربه ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، ومن علامات صحة القلب أنه إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها، ومن علامات صحته ثباته على الحق وبصره به حين تتلاطم أمواج الفتن والشبهات.
وأوضح فضيلته: حذار من أن تنقض ميثاق العبودية مع ربك فيقسو قلبك، وكن على هذا الميثاق أشد تعاهدًا من تعاهدك لمالك ولنفسك، فإن قلبك مفطور على قبول الحق والتأثر بالهدى، وهو مع ذلك سريع التقلب، لا تزال ترد عليه الذنوب حتى يقسو أو يفسد، وقد يتعاظم حتى يختم عليه، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، ولا توالمه جراحات القبائح، ولا يتوجع لجهله بالحق.
وبيّن: ألا وإن من أعظم أسباب قسوة القلب، أن يكون فيه غل لخيار المؤمنين، ولذلك لم يجعل الله تعالى جنته ودار كرامته لقلب فيه غل لأحد من المؤمنين، بل هي دار صالحي القلوب، فبرحمته سبحانه ينزع الغل من صدور المؤمنين قبل أن يدخلوا الجنة، لينعموا فيها ظاهرًا وباطنًا.
وأكمل فضيلته: الكبر أعاذنا الله منه من أعظم أسباب قسوة القلب، فإنه حجاب على القلوب يمنع عنها دواعي صلاحه ورقته، ومن أعظم أسباب قسوة القلب وفساده، تعلقه بغير الله تعالى حبًا وتعظيمًا وتوكلاً، فإن العبد لا يزال يحشو فؤاده من محبة مخلوق حتى يخلو من محبة خالقه والشوق إليه، ولا يزال يعظم المخلوق حتى لا يكاد يجد لله عظمة ووقارًا في قلبه، ولا يزال ينزل بالمخلوق حاجاته حتى لا يعلق بقلبه من التوكل على ربه أدنى علقة.
وأضاف: إن القلب إذا مرض اشتهى ما يضره وكره ما ينفعه، فلا شيء أنفع له من وقايته قبل تمكنه، وسبيل ذلك التباعد من الذنوب والغفلة الذين هما ألد أعداء صلاحه، وأعظم أسباب مرضه وقسوته وفساده، وأن يلح العبد على ربه مقلب القلوب ومالكها بأن يصلح قلبه ويسلّمه، وأن يثبته على الدين ويهديه.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى، ففيه الشفاء التام الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، وأعلى الذكر جاهًا وأسرعه إصلاحا للقلوب، ذكر الله بكلامه المنزل، ووحيه المرتل، فاتل أياته يا عبد الله بالتدبر، واستمع له بالخشوع والتفكر، واتعظ بآيات الوعيد الأليم، وتشوق عند آيات الوعد الكريم، واعتبر بقصص الأمم الغابرة، وما جرى عليهم بقدرة الله الباهرة، فحري بأن يوافق الداء الدواء، وأن تجد عند ذاك لقلبك الشفاء؛ ومن أراد أن يلين قلبه فليمسح رأس اليتيم، وليطعم المسكين، وليتفقد حوائج ضعفاء المسلمين؛ وغض البصر عما حرم الله من أعظم أسباب صلاح القلب، فإن الله قد جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته.
وأكمل: القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنوده، تأتمر بأمره، وتصدر عن صلاحه أو فساده، فإن كان صالحًا تحركت الجند إلى كل معروف وخير، وإن فسد تحركت إلى كل منكر وشر، ودليل ذلك قول الصادق المصدوق: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وبيّن فضيلته: العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه لا ببدنه، وذلك أن أصول العبادات الموصلة إلى الله تعالى محلها القلب، وهو مبعثها، كمحبة الله ورسوله، ورجاء الله وخوفه، وتعظيمه والتوكل عليه، والإخلاص له والإنابة إليه، وقد دلت براهين الشريعة على أن فضل العمل الصالح في ذاته، والتفاضل بين الأعمال الصالحة والثواب عليها ليس على مجرد صورتها الظاهرة، ولا بكثرتها والاجتهاد فيها، ولكن بقدر حقائقها في القلب حالة مباشرة العمل من الإيمان والإخلاص والاحتساب، قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني: «الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلب حال العمل» ولذلك كان السلف الصالح من هذه الأمة يرون الفضل والسبق لمن سبق بقلبه صلاحًا وطهارةً وصدقًا وبرًا، ويرون المجاهدة لبلوغ تلكم المنزلة أقرب نفعًا وأعظم غناء وأكبر عناء من مجاهدة الجوارح الظاهرة على فعل نوافل الطاعات، فمن صلح قلبه صلحت جوارحه وصحت أفعاله، قال الإمام الحافظ ابن رجب: «ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكثرة الصلاة والصوم بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله»، فإذا كان هذا العضو من الإنسان بهذه المنزلة فحري بالعبد أن يكون محل تعاهده وتفقده واستصلاحه، لا يغفل عن ذلك طرفة عين، فالنور نور القلب، والبصيرة بصيرته، والصلاح صلاحه، قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ).
وأضاف: صحة القلب وسلامته ألزم على العبد من صحة بدنه وجوارحه، فإن غاية ما يوجبه ينتهي بصاحبه إلى الموت، الذي هو مصير كل مخلوق، وأما غاية سقم القلب وفساده فالكفر أو النفاق الموجبان الخزي في الدنيا والآخرة أعاذنا الله؛ ولا نجاة من الخزي يوم البعث إلا لمن أتى الله بقلب سليم.
وأوضح فضيلته: القلب السليم هو الصحيح السالم من الشرك والشك والبدعة، السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو قلب المؤمن الموحد، فإن قلب الكافر والمنافق مريض، وأصل سلامة القلب وصلاحه وبره يكون من امتلائه بتوحيد الله حبًا وتعظيمًا ورجاءً وخوفًا، وبقدر ما يعمر القلب بهذه الأركان يكون صلاحه، وبقدر ضعفها ووجود أضدادها يضعف صلاحه وسلامته، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولا تتم سلامة القلب مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجرد والإخلاص.
وأضاف: للقلب علامات يعرف بها العبد إن كان له قلب صحيح أم مضغة لحم، منها أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى ربه ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، ومن علامات صحة القلب أنه إذا عرضت عليه القبائح نفر منها بطبعه وأبغضها ولم يلتفت إليها، ومن علامات صحته ثباته على الحق وبصره به حين تتلاطم أمواج الفتن والشبهات.
وأوضح فضيلته: حذار من أن تنقض ميثاق العبودية مع ربك فيقسو قلبك، وكن على هذا الميثاق أشد تعاهدًا من تعاهدك لمالك ولنفسك، فإن قلبك مفطور على قبول الحق والتأثر بالهدى، وهو مع ذلك سريع التقلب، لا تزال ترد عليه الذنوب حتى يقسو أو يفسد، وقد يتعاظم حتى يختم عليه، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، ولا توالمه جراحات القبائح، ولا يتوجع لجهله بالحق.
وبيّن: ألا وإن من أعظم أسباب قسوة القلب، أن يكون فيه غل لخيار المؤمنين، ولذلك لم يجعل الله تعالى جنته ودار كرامته لقلب فيه غل لأحد من المؤمنين، بل هي دار صالحي القلوب، فبرحمته سبحانه ينزع الغل من صدور المؤمنين قبل أن يدخلوا الجنة، لينعموا فيها ظاهرًا وباطنًا.
وأكمل فضيلته: الكبر أعاذنا الله منه من أعظم أسباب قسوة القلب، فإنه حجاب على القلوب يمنع عنها دواعي صلاحه ورقته، ومن أعظم أسباب قسوة القلب وفساده، تعلقه بغير الله تعالى حبًا وتعظيمًا وتوكلاً، فإن العبد لا يزال يحشو فؤاده من محبة مخلوق حتى يخلو من محبة خالقه والشوق إليه، ولا يزال يعظم المخلوق حتى لا يكاد يجد لله عظمة ووقارًا في قلبه، ولا يزال ينزل بالمخلوق حاجاته حتى لا يعلق بقلبه من التوكل على ربه أدنى علقة.
وأضاف: إن القلب إذا مرض اشتهى ما يضره وكره ما ينفعه، فلا شيء أنفع له من وقايته قبل تمكنه، وسبيل ذلك التباعد من الذنوب والغفلة الذين هما ألد أعداء صلاحه، وأعظم أسباب مرضه وقسوته وفساده، وأن يلح العبد على ربه مقلب القلوب ومالكها بأن يصلح قلبه ويسلّمه، وأن يثبته على الدين ويهديه.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى، ففيه الشفاء التام الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، وأعلى الذكر جاهًا وأسرعه إصلاحا للقلوب، ذكر الله بكلامه المنزل، ووحيه المرتل، فاتل أياته يا عبد الله بالتدبر، واستمع له بالخشوع والتفكر، واتعظ بآيات الوعيد الأليم، وتشوق عند آيات الوعد الكريم، واعتبر بقصص الأمم الغابرة، وما جرى عليهم بقدرة الله الباهرة، فحري بأن يوافق الداء الدواء، وأن تجد عند ذاك لقلبك الشفاء؛ ومن أراد أن يلين قلبه فليمسح رأس اليتيم، وليطعم المسكين، وليتفقد حوائج ضعفاء المسلمين؛ وغض البصر عما حرم الله من أعظم أسباب صلاح القلب، فإن الله قد جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته.