أم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ واستهل خطبته بقوله: أجلّ المقاصد وأنفع العلوم وأشرفها وأعلاها، العلم بأسماء الله الحسنى الدالة على أحسن المعان، وأكمل الصفات، وأجلها وأعظمها وأمجدها؛ وإن أعظم ما يستنير به القلب وينشرح به الصدر، معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا من مشكاة الوحي، فمن تلقاها بالقبول والرضا والتسليم، وأذعن لها بالانقياد واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، وقويت بها معرفته، متعبداً لله بها، ازداد بها إيماناً بالله عز شأنه، وتعظيماً لربه جل جلاله، واشتدت محبته وإجلاله لخالقه تبارك وتعالى، ففلاح العبد وسعادته في إقراره بأسماء الله الحسنى وصفاته العظمى، بل وليست حاجة القلوب إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أسمائه وأوصافه الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب.
وأكمل: أسماء الله العظيم، المجيد، المتكبر، المتعال، الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام، والإله، القاهر، القادر فوق عباده، العلي الأعلى، على عرشه استوى، الأحد، الصمد، كل ذلك يملئ القلب تعظيماً له سبحانه، وإجلالاً، ورهبة منه، وخوفاً، وأنه سبحانه لا ملجأ منه إلا إليه، فلا يصمد العبد في حاجاته ودعائه إلا إليه وأسماء الله الخبير، العليم، اللطيف، الشهيد، الرقيب، السميع، البصير، تملأ القلب مراقبته عز شأنه مراقبة تامة في الحركات والسكنات، وتقود العبد إلى التقرب إليه بالمسارعة إلى الطاعات، والبعد عن المنهيات؛وأسماء الله الرحمن، الرحيم، البر، الكريم، الجواد، الرزاق، تملا القلب محبة له، وشوقاً إليه وطمعا في رزقه، ورحمته وحمدا له وشكرا.
وأضاف فضيلته: هكذا كلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيماناً به، وعبودية، وهيبة وإجلالاً، وخضوعاً، وتذللاً، ورغبة، وطلباً؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين إسماً، من أحصاها دخل الجنة)؛ ومعنى أحصاها حفظها ألفاظاً، وفهم معانيها ومدلولاتها، وعمل بمقتضاها وأحكامها؛ والمعنى أن يثبت العبد لله سبحانه ما أثبتته نصوص القرآن والسنة من الأسماء والصفات على ظاهرها اللائق بكمال الله سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تكييف بكيف يعقله البشر، إذا لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه، فهو مما استأثر الله بعلمه، فلا سبيل إلى الوصول إليه، قال تعالى: (لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ)، وقال سبحانه: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُۥ سَمِيًّا)، وقال عز شانه: (وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ)؛فهو الإله الجامع للأسماء الحسنى، ولصفات الكمال والجمال، ونعوت العظمة والجلال.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: ينفي العبد عن ربه ما ورد نفيه في النصوص، مع إثبات كمال ضده، فمثلاً نفي الظلم عنه، يتضمن كمال عدله، ونفي العجز عنه، يتضمن كمال علمه وقدرته، فلا بد من معرفة أسماءه سبحانه لفظاً ومعنى، ومدلولا، وتعبد له عز شأنه بمقتضاها، ودعاء الله بها دعاء الثناء والعبادة، ودعاء المسألة والطلب، ففي دعاء العبادة إذا علم أن الله هو القوي، المتين، العزيز، الحكيم، توكل على ربه، وركن إلى خالقه، وقطع الالتفات إلى غيره من المخلوقات، ممن ليس له من نفسه كمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ هكذا متى علم أن ربه تواب، رحيم، غفور، حليم، سارع بالتوبة إلى ربه والإنابة إلى خالقه؛ ومن علم أنه الرقيب، الشهيد، السميع، البصير، اللطيف، الخبير، أوجب له ذلك الخوف من معصية ربه والخشية من إلهه؛ وأما دعاء المسألة والطلب فيدعو ربه بما يناسب حاجته كأن يقول يا رحمن ارحمني، ويا غفور اغفر لي، يا تواب توب علي، يا رزاق أرزقني، وكان أكثر دعاء الأنبياء (ربنا)؛ لأن إجابة الداعين وإعطاء السائلين وغياث المستغيثين كل ذلك من معاني الربوبية، وهو سبحانه المتصرف القادر المدبر الرازق المعطي، الإله الذي لا يسأل إلا هو ولا يستغاث إلا به.