خطب وأم المصلين في المسجد الحرام، اليوم الجمعة، معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز إمام وخطيب المسجد الحرام، وبدأ خطبته بقوله أيها المسلمون: ها هي أيَّام الحجِّ المباركة قد أَطَلَّت، ولياليه الزُّهْرِ قد أَهَلَّت، وتباريح الشوق للمحبين اكتنفت وأقَلَّتْ ، وأفئدة المُسْعَدِيْنَ بهذا المكان تأرَّجَتْ بالمَيَاسِمْ ؛ فاهتزَّ لهم البيت الحرام مُفْتَرَّ المَبَاسِمْ ؛ استبشارًا بِوُفُود خيرِ المواسِمْ ، إنه النداء الخالد لإبراهيم عليه السلام ، و الرُّكـن الخامس من أركـان الإسـلام ، قال جَلَّ في عُلاه: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾
وقال إخوة الإيمان: هُنا، الحرمان الشريفان: مَهْدُ الدينِ والإسلام، وموئل الإجلال والإعظام، على مرِّ الدهور وكرِّ الأعوام، اصطفاهما الرَّحمن، وتَنـزَّل في جنَبَاتِهما القرآن، وتَعَبَّد فيهما سيِّد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
على الجَوانِحِ هَبَّت نِسْمَةُ الحرمِ وهامَ كُـلُّ فـؤادٍ للضِّـياءِ ظَمِي
والناسُ من كُلِّ فَجٍ أقبلتْ زُمَرًا وكُلهم في حِمَى البارِي على قدمِ
وأوضح فضيلته بقوله يا معاشر المسلمين: لقد خصَّ المولى -تبارك وتعالى- بلاد الحرمين الشريفين بِفضائل جليلة، وخصائص كريمة جزيلة فبِها أول بيت وُضع في الأرض لعبادة الله تعالى، فهو رمز التوحيد والوحدة، والشعائر والمشاعر، والأمن والأمان. ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾، ومِنْ واسع كرم الباري -جلّ وعلا- ومديد جُودِهِ على قَاصِدِي بلده الحرام، وبيته العتيق أن جعل الصلاة فيه مُضَاعفة على غيره من المساجد. قال :" صلاةٌ في مَسْجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه " ( رواه ابن ماجه بسند صحيح)، الحمد لله، جعل الحجَّ ركنًا من أركان الدين ومِنْهَاجَا، وأعظم الأجر للناسكين عُمَّارًا وحُجَّاجا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيّدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خيرُ من سلك للمناسك سُهولاً وفِجَاجا، اللهم فصلِّ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأضاف فضيلته إخوة الإسلام: وإن من شُكر المُنْعِم المتفضل جل جلاله التحدث بما حبا الله بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله من شرف خدمة الحجاج؛ محتسبة الأجر و المثوبة من الله تعالى ومضيها بحمد الله سبحانه في خدمة ضيوف الرحمن، مُسْتمدةً العون والتسديد والتوفيق من المولى تبارك وتعالى. فخدمة الحجاج والمعتمرين، والزوار والقاصدين، ورعاية أمنهم وطمأنينتهم من أعظم مسؤولياتها وفي قمة اهتماماتها، وهنا لابد من إزجاء تحية اعتزاز وتقدير، ودعاء وتوقير، للقائمين على شؤون وفود الرحمنْ، بكل حِذْقٍ وإتقان، أن يجزيهم الله خير الجزاء وأوفاه.
ومما يُذكرنا به هذا التجمع الإسلامي العظيم مَآسي إخواننا المستضعفين وأحِبَّتنا المكلومين، في فلسطين العزيزة، والمسجد الأقصى المبارك ، ولَكَمْ تقتضينا أُخُوَّتنا القعساء، وعقيدتنا الشمَّاء مؤازتهم ، مع الاجتهاد في الدعاء لهم في هذه الأيام المباركة أن يُثَبتهم الله وينصرهم على عدوه وعدوِّهم. وهنا يُشاد بالمواقف الثابتة والمشرفة لبلادنا الغالية تجاه القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية وإن رغمت أنوف المزايدين.
هَذَا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خَيْرِ مَنْ أَدَّى المَنَاسِكَ وَأَوْضَحَهَا لِكُلِّ نَاسِكٍ، وَقَدْ أَمَرَنَا المَوْلَى سُبْحَانَهُ فِي مُحْكَمِ قِيلِهِ وَأَصْدَقِ تَنْزِيلِهِ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، فَقَالَ تَعَالَى قَوْلاً كَرِيْمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
صَلّـَى عليـه وسَلَّـم الله الذي أعلاه ما لَبَّى الحجيج وأحْرَمُوا
وعلى قرابتـه المقـرر فضلـهم وعلى صحابتـه الذين هُمُ هُمُ
وختم فضيلته بقوله اللهم صَلِّ وسَلِّم وبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا وحَبِيبِنَا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار المهاجرين منهم والأنصار، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا عزيز يا غفار. اللهم أدم الأمن والاستقرار في ديارنا، واجعلها حائزة على الخيرات والبركات سالمة من الشرور والآفات، واحفظ بلاد المسلمين من كل شر وسوء، اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، وكن لهم خير حافظ ومعين، اللهم احفظ إمامنا بحفظك، واكلأه بعنايتك ورعايتك، وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية، واجعل ما ألم به طهورا يارب العالمين، اللهم واجزِ خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وولي عهده الأمين خَيْرَ الجَزَاءِ وأوْفَاه، وأَعْظَمَهُ وأَسْنَاه ؛ كِفَاء هذه الإنْجَازَاتِ العَظِيمَة وخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وقاصديهما وخِدْمَةِ قَضَايَا الإسْلَام والمُسْلِمِين، اللهم أصلح ووفّق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنّة نبيك صلى الله عليه وسلّم، اللهم إياك نقصد بآمالنا، وعليك نُثني بصنوف أقوالنا، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، أصلح ذات بين المسلمين، وارزقهم الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم وفقهم للوحدة والوئام وجنبهم بِمَنِّكَ وكرمك الشرور والآثام، واهدهم سبل السلام، وبلغهم فيما يرضيك عنهم كل مرام، اللهم وكما جمعت هذه الوفود المباركة على السُّنة والبر والطاعة، وفي أشرف مكان، فاجمعهم في جناتك جنات النعيم، اللهم احفظ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين ومن ظلم الصهاينة المحتلين، اللهم اجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين.اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم احفظ مقدسات المسلمين، من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وعدوان المعتدين. اللهم اجعلها شامخة عزيزة إلى يوم الدين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.