خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: في مثل هذه الأيام في موسم الحج؛ تتجدد لدى المسلم بل المسلمين أجمع مواقف تنشرح بها صدورهم، وتهيم بها أرواحهم قبل مشاعرهم؛ يقلب المرء ناظريه فيرى بأم عينيه مشاهد تثلج الصدر، وتسر الخاطر؛ في ردهات الحرمين وفي صعيد المشاعر المقدسة؛ منظر مهيب حقاً، اجتماع الأمة في ملتقى إيماني روحاني، لباس واحد، نداء واحد، قبلة واحدة، نبي واحد، مقصدهم رضا رب واحد لاشريك له؛ فلا غرو أن أراد الله لهذه الأمة أن تكون عظيمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله).
وأكمل: سنة الله وحكمته في هذه العبادات الموسمية؛ يتجلى فيها التئام شمل الأمة متجردين من الشعارات والنداءات والعصبيات، في ظل أمن وارف، وحشد جبار للجهود، وبذل سني من قيادة وولاة أمر هذه البلاد المملكة العربية السعودية، خدمة لوفد الله الحجاج والعمار.
بيّن: ما أعظم هذه الأمة المحمدية وهي ترفل في أبهى حلتها، وتكتسي أجمل كسوتها، متلبسة بعبادة تتساوى فيها مقامات الناس وطبقاتهم، دون اعتبار للون ولا جنس ولا مرتبة ولا منصب؛ هنا تعلو قيمة المخبر على المظهر، والصدق في القول والعمل على الادعاءات؛ تجلت هذه المعاني في خطبة الوداع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن ربكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وأضاف فضيلته: المشهد الذي نراه اليوم في مناسك الحج يحكي كثيراً من قيم الإسلام؛ المساواة والعدل والألفة والمحبة والتاني وتحقيق العبودية والتجرد لله والإخلاص والتواضع، وهذا سبب الانجذاب الفطري لمبادئه السامية؛ أحب الناس الإسلام؛ وانتشر وينتشر لأنه واضح المعالم، وحق أبلج، يسعد النفوس، يشرح الصدور، يشبع فراغ القلوب، يهذب حيرة الأرواح، يملأ خواء الفكر، يلبي حاجات النفس ويروي ظمأها، ويمنح الأمن، قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
وأكمل: هذه الجموع الغفيرة والألوف المؤلفة لم تأت إلى الحج بالقوة والقهر؛ بل سبقت أفئدتها أجسادها إلى أروقة الحرمين حباً وشوقاً ورغبة، وتكبدت المشاق طلباً لرضا الرحمن، وهذا خير شاهد على أن انتشار الإسلام كان وما زال بالبرهان الساطع والدليل القاطع، والسماحة والقيم والأخلاق.
وأضاف فضيلته: أقبلت هذه الجموع على الإسلام لأنه دين متوازن متجاوب مع متغيرات الحياة والعصور؛ يستوعب كل أحد، كل زمان، وكل مكان، يجيب عن كل مسألة، ويفكك رموز كل نازلة؛ أحبت هذه الأمة الإسلامية دينها لأنه منبع الاستقرار ومصدره، الاستقرار النفسي، الاستقرار الأمني، الاستقرار الاجتماعي؛ يزيل أسباب القلق والتوتر، ويسكب في النفس الراحة والسعادة والطمأنينة.
وبيّن فضيلته: تمر السنون وتنقضي الأعوام وتتوالى العصور والأزمان وتقف أمة الإسلام شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها؛ لأنها أمة القيم والمثل والأخلاق.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله يكفر بصوم يوم عرفة السنة التي قبله، والسنة التي بعده)، ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق، وأما التكبير المقيد فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق، فإذا سلم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام)، بدأ بالتكبير وهذا لغير الحاج، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حقه من ظهر يوم النحر).