الجمعة, 12 تموز/يوليو 2024 14:43

معالي الدكتور صالح بن حميد في خطبة الجمعة :الثبات على الدين مطلب عزيز ، ولزوم الجادة مقصد ثقيل يحتاجه المسلم في حياته كلها

قيم الموضوع
(3 أصوات)

أم إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الدكتور صالح بن حميد المصلين في يوم الجمعة بالمسجد الحرام واستهل معاليه خطبته قائلًا أيها المسلمون : في مسيرة الإنسان إلى ربه فتن خطافة ، وابتلاءات جذابة، والابتلاء من سنن الله عز وجل ليتبين الذين صدقوا ، وليتبين الكاذبون، وعند الابتلاءات – عباد الله -تخشى الانتكاسات .
معاشر المسلمين : تقلب القلوب وتحولها من أعظم دلائل سلطان الله على القلوب، فمن تثاقل عن الاستجابة وتباطأ عن القبول فلا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه .
أيها المسلمون : الثبات على الدين مطلب عزيز ، ولزوم الجادة مقصد ثقيل يحتاجه المسلم في حياته كلها، ثبات أمام الشبهات ، وثبات أمام الشهوات ، وثبات أمام الفتن.
وعن سبرة بن فاكهة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يزيغه أزاغه ، وإن شاء أن يقيمه أقامه ، رواه ابن أبي عاصم في السنة ، وصححه الألباني .
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلب ابن آدم أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانَها" . رواه أحمد وغيره.
وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت يا رسول الله : آمنا بك ، وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم ، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء" . رواه الترمذي بسند صحيح .
معاشر الإخوة : والخوف من الزيغ بعد الاستقامة ، والضلالِ بعد الهدى حاضر في صدور الربانيين الراسخين في العلم أولي الألباب.
يقول الإمام بن بطة العكبري رحمه الله : اعلموا - رحمنا الله وإياكم - أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجودَ الإيمان فيهم ، وداومَ الإشفاق على إيمانهم ، وشدةَ الحذر على أديانهم ، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل ، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم ، حذرين من التزكية ، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم، خائفين من حلول مكر الله بهم في سوء الخاتمة ، لا يدرون على ما يصبحون ويمسون.
والحكماء يقولون : قد يكون تحت صفاء الأوقات غوامضُ الآفات .
أيها المسلمون: ومن أجل أن يحذر العبد من هذه الانتكاسات والتقلبات فعليه بمراقبة ربه في السر والعلن ، والظاهر والباطن ، وحفظِ وقته ، ولسانه ، والجدِّ في عمله ، والبعدِ عن الغلو والجفاء ، وليحذر الهوى ، والعجبَ ، والرياء .
قال أهل العلم : الطاعة توجب القرب من الرب ، والمعصية توجب البعد عن الرب ، وكلما اشتد القرب قوي الأنس ، وكلما زاد البعد قويت الوحشة .
أيها المسلمون : ولقد ذكر أهل العلم جملة من الأسباب المعينة على الثبات منها :
العمل بالشرع، ومنها : ملازمة كتاب الله، ومنها صحبة الأخيار، ومنها : البعد عن مواطن الشبه : شهوات ، وشبهات (من سمع بالدجال فلينأ عنه).
معاشر الإخوة : لا صلاح إلا بالثبات ، ولا نجاة إلا بالإخلاص ، والقلب أحق ما حُرِس ، والجوارح أكرم ما حُمي .
وما صدق صادقَ فُردَّ ، ولا طرق البابَ مخلصٌ فَصُدَّ .
والله كاف عبده ، وكلما زادت طاعة العبد ازدادت كفاية الله له . قرر ذلك الحافظ ابن القيم رحمه الله .
وبعد حفظكم الله : فليلحأ العبد إلى حرم الإنابة ، وليطرق في الأسحار باب الإجابة ، ومن صدق في توبته ندم قلبه ، وأقلع عن ذنبه ، وعزم على عدم العود ، وأتبع السيئة الحسنة، اللهم وفقنا للعبرة ، وأقل منا العثرة ، وأزل عنا الحسرة ، ولا تدعنا في غمرة ، ولا تأخذنا على غرة .

واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: الحمد لله مقلب القلوب ، وغافر الذنوب ، أحمده وأشكره أفاض علينا من جزيل آلائه أمنا وإيمانا ، وأسبغ علينا من كريم ألطافه منًّا وإحسانا ، وأشهد إلا إله إلا الله ، وحده لا شريك له شهادة تبلغ جنةً منه ورضوانا ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ، دلنا على ما فيه خيرُ ديننا ودنيانا ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، أكرم بهم علما وعملاً وعرفانا ، وأتباعه بإحسان يرجون رحمة من ربهم وغفرانا .
أما بعد عباد الله : وأسباب الضلال والانحراف والانتكاس - عياذاً بالله – تعود للمرء نفسه ولمسؤوليته الخاصة.
ومن قسا قلبه فما ذلك إلا بذنبه وكسبه، ومحقرات الذنوب متى يؤخذْ بها صاحبها تهلكْه .
معاشر الإخوة : ومن أخطر مسالك المهالك ذنوبُ الخلوات ، وقد كثرت وسائلها ، ولا يزجر عن اثمها واقترافها إلا خوف الله ومراقبته .
يقول ابن القيم رحمه الله : ذنوب الخلوات سبب الانتكاسات ، وعبادة الخلوات سبب الثبات ، وكلما طيب العبد خلوته بينه وبين ربه طيب الله خلوته في قبره .
فليأخذ العبد حذره من ذنوب الخلوات مع أدوات الاتصالات ، وعبادة السر تقي من نوازع الشهوات ، والمراقبة في الخلوات ترسخ قدم الثبات ، ومن أكثر العبادة في الخلوات ثبته الله عند الشدائد والمدلهمات ، ومن خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل .
إلا فاتقوا الله رحمكم ، واحفظوا جوارحكم ، وحاسبو أنفسكم ، وإن من خير ما تستقبلون به عامكم صيام يوم عاشوراء ، ولقد كان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يحرص على صيام هذا اليوم حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم ، يوم عاشوراء . متفق عليه .
وإن صام معه اليوم التاسع فهو أعظم أجراً لقوله صلى الله عليه وسلم : (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) .
IMG 20240712 WA0028
قراءة 733 مرات