الجمعة, 26 تموز/يوليو 2024 13:59

معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام:"أكمل الهدي، هدي نبينا محمد ﷺ، فقد كانت أوقاته خير مثال يُقتدى، وترويحه أزكى دليل يُحتذى، توسطًا واعتدالا، وسموا وكمالا".

قيم الموضوع
(2 أصوات)
أم إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المصلين في يوم الجمعة بالمسجد الحرام واستهل معاليه خطبته قائلًا أيها المسلمون :خير ما يُوصَى به، تقوى الله عَزّ َوجل، فاتَّقوه رحمكم الله؛ فتقواه سبحانه خير الزّاد وأعظم المتاع، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
رَأَيْتُ المجْدَ في التَّقْوَى جَلِيًّا                 وَفِيْهَا العِزُّ في دَارِ النُّشُـورِ
فَنِعْمَ الزَّادُ  تَقْوى اللهِ  زَادًا                   وَنِعْمَ الذُّخْرُ في اليومِ العَسِيرِ
 
ونوّه معاليه: إن في تتابع الفصول والمواسم لَمُدَّكَرَا، وتعاقب الأيام والليالي الحواسم لَمُعْتَبَرَا، وفي هذه الآونة يَتَبَدَّى لنا حَرُور من الصَّيْف النَّافِحْ، وتهب علينا رياحه اللَّوَافِحْ، إذ الآمال إلى استِثماره مُشْرَئِبَّةٌ رَانِيَة، والآماق إلى اهتِبَالِه متطلعة حانية، كيف وقد نشر علينا مطارفَه، ونَسَخَ للظل وارفَهْ، ونَثَر في الدُّنا السَّمُومُ، وبسط بشمسه قيْظه الهَجُوم، مما يحمل على الادكار، ويبعث على الاعتبار، ويُذَكِّر بِحَرِّ النار، في الصحيحين من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال:"اشتكتِ النار إلى ربها، فقالت: يا رَبِّ أكَلَ بعضي بعضا، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٌ في الشتاء، ونَفَسٌ في الصيف، فأشد ما تجدون من الحَرِّ من سَمُومِ جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم"، وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال:"إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شِدَّة الحر من فيح جهنم".
قال الإمام الحسن البصري: "كل بَرْدٍ أهلك شيئًا فهو من نَفَسِ جهنم، وكل حَرٍّ أهلك شيئًا فهو من نَفَسِ جهنم"، وقال الإمام ابن رجب: "وينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرها في الموقف، فإن الشمس تدنو من رؤوس العباد يوم القيامة، ويُزاد في حَرِّها، وينبغي لمن لا يصبر على حرِّ الشمس في الدنيا أن يجتنب من الأعمال ما يستوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها ولا صبر."
نَسِيتَ لَظَى عند ارتكابك  للهوى      وأنت توقَّى حر شمس الهواجرِ
كأنك لم تدفن حميـمًا ولـم تكن         له في سياق الموت يومًا بحاضرِ
رأى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى، ثم قال:
من كان حين  تُصِيبُ  الشمس  جبهته      أو الغبار يخاف الشَّـين والشَّعثا
تجهـزي بجهـازٍ تبلُغـين  بـه              يا نفسُ قبل الرَّدى لم تُخلقي عَبَثَا

وتابع معاليه: وإن مما يُحمد لولاة الأمر في بلادنا حرسها الله، التوجيه الكريم بتقصير الخطبة وتخفيف الصلاة في الحرمين الشريفين؛ فقد جاء مراعيا لمقاصد الشريعة في التيسير ورفع الحرج، وحِرْصًا على صحة وسلامة المُصَلِّين والمعتمرين من حرارة الصيف اللاهب، ولِتُؤكد أن الإنسان أولا،  فجزى الله ولاة أمرنا خير الجزاء وأوفاه على ما قَدَّمُوا للحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزائرين.

وأضاف معاليه: الصيف يحمل في أندائه إجازة صيفية، وهَدْأة نَفْسِيَّة، إثر شواغل الحياة، وكلال المسؤوليات والمهمات، حيث يستريح في مجاليها اللاغبُ والمحرور، ويمتح المكدود من فُسْحَتِها بَرْدَ الهدأة والسرور، ورَوْح الراحة الموفور. فيَا بُشْرَى لِمَن عَمَرَها بالبُرور والطاعات ووشَّاها، ويا سُعْدى لِمَن دَبَّجَها بِخَيْرِ الخَيْرِ وغَشَّاها!!
تَفِيْضُ العُيونُ بِالدُّمُوعِ السَّواكِبِ             ومَا ليَ لا أَبْكِي عَلَى خَيْرِ ذَاهِبِ
عَلَى أَنْفَسِ السَّاعَاتِ لَمَّا أَضَعْتُها             وقَضَّيْتُها  في  غَفْلَةٍ  وَمَعَاطِـبِ
قال الإمام ابن الجوزي :"يَنْبغي للإنسان أن يَعْرِف شَرَفَ زمانه، وقدْر وقته، فلا يُضَيِّع منه لحظة في غَيْرِ قُرْبَةٍ"
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه               وأراه أسهل ما عليه يضيع

وأكدّ معاليه: نَعم -يا عباد الله- إنَّ الفَرَاغ نِعْمةٌ جُلَّى لا يَقْدُر قدْرَها إلا مَنْ سُلِبَها، فَأَنَّى لِعَاقِل يُبَدِّدُ الوقْت الشريف مُتَعطِّلا، ويُمَزِّق الزّمن النَّفيس مُتبطّلا، فَذَاك الذي أَضَاع الفُرَص؛ فَبَاء بالغُصص، واسْتَلْزَم المَقْت والنَّغَصْ، فيا مَن هم في مُنْفَسِح الفَرَاغ، أَلاَ مِنْ ضنين بأوقاتِه وسَاعاته، ألا مِن مُعْتبِرٍ بِفَوَاتِ شهوره وسَنَواته، ألا من مدكر بمرور أيامه ولحظاته!!
ثُمَّ انْقَضت تلك السّنُون وأهْلُهَا      فكأنَّهـا وكأنّهـم أحْـلامُ
يشهد لذلك أكمل الهدي، هَدْي نبينا محمّدٍ r، فقد كانت أوقاته خير مثالٍ يُقْتَدى، وترويحه أزكى دليل يُحتذى، توسُّطًا واعتدالا، وسُموًّا وكمالا، فقد كان –بأبي هو وأمي- r أظهر الناس حزمًا ولُطفًا، وأوفاهم أُنسًا وعطفا.
ألا فاستمسكوا بهديه، واقتفوا سنته r، واعتزوا بإيمانكم وتوحيدكم وهويتكم، تصافوا، وتصالحوا، تراحموا، وتسامحوا، تفوزوا وتغنموا، وتفلحوا وتنعموا.  ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ~ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾، بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول هذا القول من غير حول لي ولا طول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.

واستهل معاليه خطبته الثانية قائلًا: فاتقوا الله عباد الله واغْنَمُوا الأوقات قبل الفوات، وبالخيرات دَوْمًا فَاعْمُروها، واعْتبِروا زوال هذه الدُّنيا بِانقضاءِ الإجازات، أَلاَ فاعْبُرُوها.

وأضاف معاليه: ومع الانْسِرَابِ في صَوَارِف الإجازة الصيفية التي تخلع على المجتمعات مظاهر البهجة والاسترواح، ومطارف الحَبْرة والانشراح خاصة مَنْ عَزَمُوا على إقامة مناسبات الزواج والأفراح؛ فالله الله في رعاية الضوابط والآداب الشرعية في هذه المناسبات، من الاقتصاد والترشيد وحسن الطاعة، والبُعد عن الإسراف والتبذير والبذخ وسائر المعاصي، والجِدُّ في معالجة ظواهر العنوسة، وغلاء المهور، ونحوها ما يتعلق بمناسبات الأفراح.
 
واختتم معاليه خطبة الجمعة بقوله: ومع مرور الأعوام فإن قضية المسلمين الكبرى في فلسطيننا وأقصانا المبارك تظل في وجدان الأمة شاهدا لها على اهتمامها بالقضايا الكبرى، وإيجاد الحلول الناجعة لحلها، والنَّأي عن الصراعات والنزاعات، والعمل على إحلال السلام والاستقرار، والله المسؤول أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ويُحَقِّقْ لنا فيما يُرضيه التطلعات والآمال، وأن يجعل حاضر أيامنا خيرًا من ماضيها، ومستقبلها خيرًا من حاضرها.

AB9I81275843788617141568486

قراءة 640 مرات آخر تعديل في الجمعة, 26 تموز/يوليو 2024 14:29