الجمعة, 30 آب/أغسطس 2024 14:09

فضيلة الشيخ أحمد الحذيفي في خطبة الجمعة من المسجد النبوي: المؤمن على رغم ما يلقى من أوهاق الحياة ومناكد الدنيا تجده ساكن القلب بسام المحيا طَلْقَ الوجه رضي النفس حلو المنطق

قيم الموضوع
(1 تصويت)
خطب وأمَّ المصلين لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

 واستهل خطبته بعد أن حمد الله تعالى بقوله: معاشر المؤمنين والمؤمنات: إن العاقل وهو يقطع طريق رحلته في هذه الدنيا، فتتعرج به مسالكها، وتتشعب به مساربها، ليتوقف برهة من عمر الزمان توقف المعتبر، فينظر إلى آثار خطواته، ويتأمل طريق مسيرته الممتد، فتتنازعه مشاعر الدهشة والحزن والاغتباط، اندهاشاً من سرعة تصرم حبال الأيام، وانطواء بساط الأعوام، وحزناً على سالف العمر وماضي الزمان، وما في طوايا ذلك من تفويت وتفريط، وتسويف وتضييع، واغتباطاً بما أنجح من مقاصده وحقق من مآربه، إنها رحلة طويلة قصيرة، مسعدة مشجية، مفرحة مبكية، طويلة في تفاصيل أحداثها، قصيرة حين يلوح للسائر فيها محط رحاله، فيها انكسارات وانتصارات، ودموع حزن وسرور، وراحةٌ ونصب، واجتماع وافتراق، وصعود وهبوط، إنها سنة الله في هذه الدنيا كما قال جل شأنه: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).

 وما ألطف ذلك التشبيه النبوي لحال المؤمن مع الدنيا وما أرقه، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، قلنا يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها.

 إخوة الإيمان: إن المؤمن وهو يمخر عباب بحر هذه الحياة الهادر فتتقلب به لجَجها، وتتقاذفه أمواجها، يعيش حالة من الاستقرار النفسي والسلام الروحي؛ لأنه معلق القلب بخالق هذا الوجود، ممتلئ الفؤاد بحبه، متضلع الحنايا بتوحيده، فالصراع الدنيوي عنده صراع خارج النفس لا داخلها، يراه بعينه ولا يعيشه في نفسه.

 إن الإيمان الصادق في غمرات هذه الحياة يتخلل حنايا النفوس المنهكة برداً وسلاماً، ورضاً ويقيناً، وسكينة وثباتاً، فهو ربيع القلوب في بيداء الحياة، وظلها الوارف في هجير الشدائد، وسفينة النجاة في غمرات هذه الدنيا، تجد المؤمن على رغم ما يلقى من أوهاق الحياة ومناكد الدنيا ساكن القلب بسام المحيا طَلْقَ الوجه رضي النفس حلو المنطق، ثقلت مغارمه فزاد نواله، كالعود ضاعف طيبه الإحراق.

 الإيمان سلوان القلوب وأنس النفوس وسرور الأفئدة في حومة ذلك الصراع الدنيوي، فلا يعرف حلاوة العيش وطيب الحياة من لم ينغمس في نهره الدفاق فيعب منه حتى تروى روحه، فتصطبغ به ذاته، ويفيض ذلك الري على جوارحه، ويتنضر به محياه، (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، إن الحياة مع الإيمان حياة طيبة كريمة مطمئنة، تتصاغر أمامها جبال المصاعب والشدائد، ويتهاوى ركام اللذائذ والمطامع، فللإيمان حلاوة كما عبر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، طعمها في نفسه وأثرها في قلبه من رسخ الإيمان في قلبه إذعاناً وإقراراً، وتحقق به امتثالاً وخضوعاً واستسلاماً، لا تصف لذتها ولا تحد حقيقتها العبارات والكلمات، بل هي حقائق يعرفها أهل الإيمان، ويدركها الصفوة من عباد الرحمن.

 واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً: إن الإيمان الحق ليس معنى مجرداً من الحقائق أو نظرية لا ترجمان لها في واقع الحياة، إنها عقيدة يمتلئ بها القلب فتفيض على النفس طمأنينة وسكينة ورضاً وسروراً، ثم تغمر الجوارح عملاً وامتثالاً، ثم تتسع دائرتها حتى تفيض على الإنسانية كلها سلاماً وسكينة وحباً وخيراً وعدلاً، فهي تسمو بالمؤمن فوق مطامع الحياة البائدة، وترقى به إلى معارج الكمال الإنساني.

 إن هذا الدين العظيم جاء ليعيد صياغة الإنسان عقلاً ونفساً وروحاً وسلوكاً، فيكون على قدر راسخ من القيم والأخلاق والسمو النفسي والروحي والعقلي في هذا الكون، فالإيمان بمعناه الأرحب ربط للمخلوق بالخالق واتصال لعالم الشهادة بعالم الغيب، كما أنه يحقق التكامل بين النفس والروح والسلوك والأخلاق لذلك المخلوق الكريم على الله تعالى، فيتحقق مراده تعالى من خلقه، بأن يغمر الإيمان ذلك الإنسان بالسلام النفسي والسكينة الروحية، قبل أن يعمر الأرض ويغمرها بإقامة الخير والعدل وإشاعة الحب والسلام والرحمة في العالمين قال تعالى: ( وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين).
831b954a c257 4344 aa8d 498c84f5d98ddb114f52 69f9 413b aa1c edaaf98ef5d24e099b13 6702 4bf6 8f2b eaf4eaa9af7b1dfb0adb 2663 4065 84fb e731cc6194b1
قراءة 288 مرات