الخميس, 19 أيلول/سبتمبر 2024 22:09

معالي وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس في خطبة الجمعة من المسجد الحرام: قد خلق الله عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وزَيَّنَتْ لهم مسالك الانحراف والضلال

قيم الموضوع
(2 أصوات)

خطب وأمّ المصلين في المسجد الحرام معالي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس  ، إمام وخطيب المسجد الحرام.

وبدأ فضيلته خطبته بقوله :  إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله.
لكَ الحمدُ حمداً نستلذُّ به ذِكراً     وإن كنتُ لا أحصي ثناءً ولا شُكرَا
   لكَ الحمدُ حمداً سرمدياً مباركاَ          يقلُّ مِدادُ البحرِ عنْ كنههِ حصرَا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا برُبوبيته وألوهيته وتوحيدَا، وتعظيمًا لجلاله سبحانه وتفريدَا، وأشهد أن نبينا محمدًا عَبْدُ الله ورسوله، أزكى مَن دَعَا للتوحيد اعتقادًا وعملاً فريدَا، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الطيبين البالغين بالحق رُكنًا شديدَا، وعِزًّا مشيدَا، وصحبه الباذلين لكلمة الإخلاص طارفًا وتليدَا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ممن رَجَا وعْدًا واتقى وعيدَا، وسَلِّم ربنا تسليمًا كثيرًا عديدَا، إلى يوم الدِّين سرمدًا مَزيدَا.

أما بعد: فيا عِبَادَ الله، اتقُوا الله رَبَّكُم واعبُدُوه، وأطيعُوهُ تعالى وَوَحِّدُوه، مَالَكُم مِن إلهٍ غيره ، ولا رَبَّ لكم سِوَاه ، ولا معبود بحق إلاّ إيّاه.

وقال فضيلته معاشر المؤمنين: على حِين فترَةٍ من الرُّسل، هَبَّتِ النَّسَائم النَّدِيَّة، للرِّسالة الغرَّاء الإسلامِيَّة، بتشريعَاتها السَّنِيَّة الرَّبانيَّة، فاعْتَنَقتْها فِطَر أمم الأرض السَّوِيَّة، دُون تأبِّ أوِ الْتِياثِ طويَّة، فلقد جاء الإسلام بعقيدة صافية، استقرت في أعماق السُّوَيْدَاء، وانداحت بها الروح في ذوائب العلياء، إنها عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى، ولقد خلق الله عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وزَيَّنَتْ لهم مسالك الانحراف والضلال، ففي الحديث القُدُسِيِّ الصحيح، أن الله جل وعلا قال:" إني خلقتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلَتُ لهم، وأَمَرَتْهُم أن يُشْرِكُوا بِي ما لم أُنْزِل بِهِ سُلْطَانَا" (رواه مسلم)، وقال تعالى:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾

أمة الإيمان : إن توحيد الله سبحانه وتعالى يشمل ؛ توحيد الألوهية والربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات ، ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾، ومع ما للتوحيد من مكانة جلّى، فإن الحفاظ عليه وتحقيق شروطه ومقتضياته لاسيما في مجال التطبيق وميادين العمل وساحات المواقف، يُعدُّ المقصد الأعظم في الحياة كلها، إذ أعظم مقاصد الشريعة الغراء حفظ الدين وُجُودًا وَعَدَمَا، وحراسة العقيدة من كل ضروب المخالفات وأنواع الشرك والبدع والمُحْدَثات.

وأضاف فضيلته أيها المسلمون: ومَعَ ما تَعيشُهُ أمتنا الإسلامية من الواقِعِ المَرِيرِ في أرْجَاءٍ كثيرة انتشر فيها من البدع والمحدثات ما يندى له جبين أهل الإيمان، وما يستحق أن نذرف دمعة أسى عليه، فإنه لا مندوحة للأمة من أن تفيء إلى معاقد شموخها وسطوعها، وعزّتها ولُمُوعِها، إلا بترسم منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود  أن النبي  قال:"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وقال عبد الله بن مسعود :"من كان مُسْتَنًا فَلْيستن بمن قد مات، فإن الحي لا تُؤْمَنُ عليه الفتنة، أولئك أصحاب النبي  أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها عِلمًا، "، وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله:"سَنَّ رسول الله  وولاة الأمر من بعده سُنَنًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله تعالى، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو المهتدي، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولَّاه الله ما تَوَلّى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا"، وهكذا في باب التَّرَضِّي عن جميع الصَّحَابة رضي الله عنهم، وأُمَّهَاتِ المؤمنين رَضِيَ الله عَنْهُن، وفي بابِ الجماعة والإمامة، والسَّمْعِ والطاعة لولاة الأمر بالمعروف؛ تحقيقًا للعقيدة السَّلَفِية الصحيحة، في تَجَافٍ عن المناهج الضالة، والأحزاب المخالفة
فَمَا لِيَ إِلاَّ شِرْعَةُ الحَقِّ شِرْعَةً وَمَا لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ

هذا، وصَلُّوا وسَلِّموا على المصطفى الهادي الأمين، أسوة المؤمنين، المُرسل بالشرع المبين، كما أمركم بذلك رَبُّ العَالمين في الكِتَاب المُسْتبين، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُر الميامين ، وخلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعَلِيّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، ووفق أئمتنا وولاة أمرنا، وأيد بالحق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير والرشاد للعباد والبلاد، وجميع ولاة المسلمين، ووفق رجال أمننا والمرابطين على ثغورنا وحدودنا ، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء. اللهم اجمع كلمة الأمة على الكتاب والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة. اللهم احفظ المسجد الأقصى من كيد الكائدين ، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين، وأنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان يارب العالمين
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. 
IMG 20240920 133222 538
HIM 3973 1

قراءة 248 مرات آخر تعديل في الجمعة, 20 أيلول/سبتمبر 2024 13:55