الجمعة, 18 تشرين1/أكتوير 2024 13:22

فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن طالب في خطبة الجمعة من المسجد النبوي: القلب ملك الجوارح وسلطانها فبصلاحه يصلحون وفسادهم بفساده

قيم الموضوع
(0 أصوات)


خطب وأم المصلين لصلاة الجمعة فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب.

واستهل خطبته بنصح المسلمين بالعناية بالقلب فقال: إن للقلوب زكاة ونماءً كنماء الأبدان، وأغذية وأدواءً، فمن اتقى نواقض الشرك ونواقصه ونقى قلبه من أوساخ البدع والذنوب والمعاصي فقد أفلح وتزكى.

وقد تابع اللّٰه بين سبعة أيمان أقسم بها سبحانه على فلاح من زكى نفسه وخيبة من دنسها قال تعالى: {وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا (1) وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا (2)وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا (3) وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا (4)وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا (5) وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا (6) وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10)}.

وبين فضيلته أقسام الناس يوم القيامة فقال: والناس يوم القيامة اثنان: أهل إجرام وتدسية أو أهل فلاح وتزكية {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ (76)}.

ولا زكاة ولا فلاح إلا بفضل الرحمن الرحيم {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

والعروة الوثقى والوسيلة العظمى توحيدُ محبةٍ وخضوع، وصلاةُ قنوتٍ وخشوع، ولسانٌ رطبٌ من ذكر الله، ومحبةٌ واتباعٌ وتعزيرٌ وتوقيرٌ لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ}.

وإذا امتلأ القلب بشي ضاق عن غيره، قال تعالى: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)، والمزاحمة مدافعة، والغلبة للكثرة، والقلوب آنية اللّٰه في أرضه، فأحبها إلى اللّٰه أرقها وأصفاها، وإنما يكون ذلك بما يُصب فيها.

قال تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.

قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني اللّٰه به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع اللٰه بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني اللّٰه به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى اللّٰه الذي أرسلت به».

وبين فضيلته في ختام خطبته الأولى فضل القرآن في تشبع القلب فقال: ولذلك لم يكن للقلب أن يتسع للشي وضده قال ابن مسعود رضي اللّٰه عنه "إن هذا القرآن مأدبة اللّٰه فمن دخل فيه فهو آمن" وما ذاك إلا لأنه تشبع بطعامها وتضلع بشرابها.

ومن ترك المأمور شُغل بالمحظور، ومن أنقض ظهره بالأوزار ضعف عن الأذكار، ومن أضنى نفسه في الابتداع زهد في الاتباع، قال تعالى: {فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}. قال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}.

ومن علت همته، سلمت من الآفات مهجته، قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وأَتَتْهُ الدُّنْيَا وهِيَ رَاغِمَةٌ، ومَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، ولَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ». ومِن عاجل البشرى لمن أقبل بقلبه إلى ربه، أن تقبل قلوب العباد إليه، وتتوافق على حبه، قال بعض السلف "ما أقبل عبد على اللّٰه بقلبه إلا أقبل اللّٰه عز وجل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه
مودتهم ورحمتهم".

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية أن صلاح القلب يصلح الجسد فقال : واعلموا أن القلب ملك الجوارح وسلطانها فبصلاحه يصلحون وفسادهم بفساده.

قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: «إِنَّ الْخَلَالَ بَيِّنٌ وإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَّى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَاَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكِ حِمَى، ألَا وإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَعَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ».

فهنيئا لمن تعاهد قلبه، وأرضى ربه فهو مقصود الأعمال ومعقود الآمال (لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا ولا دِمَاؤُهَا ولَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ).

وإذا استحلى اللسان ذكر اللّٰه وما والاه، وأسرعت الجوارح إلى طاعة الله، فحينئذ يدخل حب الإيمان في القلب كما يدخل الماء البارد الشديد برده في اليوم الشديد حره للظمآن الشديد عطشه! ويصير الخروج من الإيمان أكره إلى القلوب من الإلقاء في النار، وأمرّ عليها من الصبِر، وما صفى القلب ولا حلى الذكر ولا صلحت الجوارح ولا رُفعت الأعمال بمثل الصلاة والسلام على رسول اللّٰه.

GaKgNgpXAAAZglMGaKgNgpWwAAqh4GGaKgNgpW0AAETRh
قراءة 497 مرات