أمّ وخطب المصلين لصلاة الجمعة من المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد.
واستهل خطبته قائلًا: أيها المسلمون إن الحياة الأسرية من أوثق العلاقات الإنسانية، وأرفعها شأنا، ولها في ديننا مقام كريم، وهي في شرع ربنا ميثاق غليظ، وهي حياة أسرية يعيش فيها الزوجان عيشة كريمة، يتقاسمان هموم الحياة في مَنْشطِها ومَكْرِهها، وحلوِها ومرِّها، ولينِها وقسوتِها، وصحتِها ومرضِها، ويسرِها وعسرِها.
وأوضح معاليه أن العلاقات الإنسانية والعلاقات الأسرية لا تقاس بمواقف اللحظات العابرة، ولا بالأحوال الطارئة، ولكنها تقاس بالتراكمات المتتابعة، والأحداث المتوالية، إنها علاقات ممتدة، لا ينسيها حادث عابر، ولا ينسفها موقف طارئ، وإن الحياة بتقلباتها، وأحوالها تحتاج أن يسودَ فيها روح الفضل، وتذكرَ فيها جوانب الخير والمعروف، فليس من العقل ولا من الحكمة، ولا من المروءة أن تُهدَم سنواتُ مودة في ساعة غضب عابرة.
وأكد الشيخ صالح بن حميد أن الفضل هو أعلى درجات التعامل، فهو مرتبة الإحسان، وفوق مرتبة العدل، وعلى الجميع أن لا ينسوا الفضل بينهم لأن نسيانه يعني التفكك والتجافي والشقاق والتباعد عن الأخلاق الكريمة والشيم النبيلة، وحفظ الفضل هو الذي يحافظ على تماسك الأسرة ويحفظها بإذن الله من المواقف الطارئة واللحظات العصيبة.
معاشر المسلمين: في ثورة الغضب يختلطُ الحابل بالنابل، والحقُّ بالباطل، وكأن الزوجين ما عاشا سنوات من المودة، وحسن العشرة، وكأنهما لا يجمعهما بيت واحد، ولا يظللهما عش واحد، ولا يضمهما فراش واحد، ولا يدفئهما لحاف واحد، كل هذا يصبح بين عشية وضحاها سرابا هباءً، فلا الزوج يذكر الحسنات، ولا الزوجة تذكر المعروف.
وفي ساعات الغضب تنقلب الوجوه إلى وجوه كالحة، يحملها الكيد، ويعلوها الإرهاق، ويملؤها التعب، والأسى، ويكسوها التحايل المكروه، والإيقاع المفسد، ولو ذهبت تبحث عن المسوغات لهالك ما تسمع، مسوغات لا يقبلها عقل فضلا أن يقبلها دين أو خلق كريم.
وحذر معاليه من الدعوات المغرضة التي تحرض الزوجين على التمرد والتنمر، وتنفخ في النقائص والسلبيات التي هي من طبع البشر، والتي لا يسلم منها أحد كائنا من كان، واحذروا لحظات الطيش والغضب، التي يلج منها الشيطان.
وبين الشيخ صالح بن حميد أن الزواج رابطة، وعقد، ومودة، ورحمة، وليس انفلاتاً وضياعاً، وحرية زائفة، بناء العلاقة الزوجية على الفضل والإحسان، وليس على المحاسبة، والمشاحة والتقصي والاستقصاء، يقول يحيى بن معاذ رحمه الله : اصحبوا الناس بالفضل لا بالعدل، فمع العدل يكون الاستقصاء، ومع الفضل يكون الاستبقاء.