خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته قائلًا: يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؛ سنة عامة من سنن الله للبشرية أجمع، وأن أمة الإسلام من ضمن الأمم التي تخضع لهذه السنة الإلهية، وفق توجيهات الوحيين، فهي أمة صلاحها وفلاحها، وعزها وسؤددها مرتبط باعتصامها بدينها، وتمسكها بشريعة خالقها؛ أمة عافيتها وسلامة أمنها ورخاء حياتها، مقيد بطاعتها لربها والعمل بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم؛ فلا بد من تزكية جادة للنفوس وتعديل مدروس، لتنقيح الأفكار والأخلاق بما حمله الإسلام من أوامر تزكي النفوس والعقول، وتجمل الأخلاق والسلوك مع الخالق والمخلوق معًا.
فالإسلام في مصادره وأهدافه وغاياته، حدد الهدف لبني الإنسان ليحقق العبادة الشاملة لخالقه، وليعمر هذه الحياة بكل صالح ونافع، ولهذا أحدث في نفوس الصحابة رضي الله عنهم ما جعلهم أعظم المثل، فانتقلوا من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدارين، ومن سيء الأخلاق والمعتقدات إلى أحسنها وأفضلها وأكملها.
وأضاف: هكذا هي سنة الله سبحانه في كل زمان، قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ من عافيةٍ ونعمةٍ، فيُزِيلُ ذلك عنهم ويُهْلِكُهم، حتى يُغَيِّرُوا ما بأنفسِهم من ذلك، بظلمِ بعضِهم بعضًا، واعتداءِ بعضِهم على بعضٍ، فيُحِلَّ بهم حينئذٍ عقوبتَه وتغييرَه؛ فسنة الله جل وعلا بكمال علمه وعدله وحكمته، أنه لا يغير حال قوم من حال إلى أخرى، إلا بسبب منهم وبما كسبوا بأيديهم، فإذا كانوا في صلاح وخير ورخاء فغيروا، غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد بمختلف أشكالها الحسية والمعنوية، وقد يمهل عباده ويملي لهم لعلهم يرجعون ويتوبون، وقد يؤخر عقابهم في الآخرة ليكون أشد وأعظم؛ وهكذا قد يكونون في شدة وبلاء ومحن، فيحدثون توبة وإنابة، فيغير الله حالهم إلى نعم تترى، ومنن شتى.
وأوضح فضيلته: الواجب على المسلمين وهم في وضع لا يخفى، أن يسعوا جادين للعمل بالأسباب الشرعية التي تصلح بها أحوالهم، وتسلم بها مجتمعاتهم من غوائل الشرور والفتن، ومن ذلك العمل الصادق لوحدة الصف ونبذ التفرق ومجانبة البغضاء، والبعد عن إثارة الفتن، ومجانبة إثارة العداوة بين المسلمين، والحرص على كل ما يقرب ولا يبعد، ويجمع ولا يفرق، ومن حفظ أوامر الله سبحانه والتزم بشرعه، حفظه الله سبحانه، وأسعده ونصره وأعزه وأصلح حاله.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»؛ وإن من أعظم الجرائم في الإسلام الاعتداء على المسلمين في نفس، أو عرض، أو مال، فكيف إذا اجتمعت هذه الجرائم كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)؛ فهل من عودة للصواب، ورجوع لمنطق الشرع والعقل، فاتقوا الله أيها المسلمون وغيّروا من واقعكم لما يدعوكم إليه دينكم تفوزوا وتغنموا بكل خير.