ضمن الدورة العلمية الافتراضية بالمسجد الحرام بعنوان فقه المناسك ومقاصدها في ظل جائحة كورونا ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حمزة بن حسين الفعر محاضرة بعنوان (أحكام الحج في ظل الجائحة).
حيث أوضح فضيلته أن فريضة الحج تأتي في أزمنة فاضلة عُظم شأنها ورفع قدرها تنبيها للمؤمنين حتى يحافظوا على حرمتها وحتي يغتنموا لما فيها من الأجر والثواب الجزيل فالحج يأتي في الأشهر الحرم التي بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللناس حتي يلتزموا لما فيها من التعظيم والتكريم فتتم فريضة الحج بأمن وأمان وسعى إلى رضوان الله وبعد عن التظالم والعدوان قال تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} وهذه الأشهر الحرم ثلاث منها متواليات وهي شهر ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب الذي يأتي بعد عدة أشهر ومن حكمة هذه الأشهر أن الناس كانوا في الجاهلية قبل الاسلام في حروب ونزاعات وسلب ونهب لا يتمكنوا معه قاصدي البيت الحرام من الوصول إليه بسبب ذلك فجعل الله هذه الأشهر ليتمكن من أراد الوصول إلى البيت من مقصده في أمن وأمان فيؤدي نسكه ويرجع إلى أهله سالماً حيث كان أهل الجاهلية يعظمون هذه الأشهر فيلتزمون فيها بترك القتال والاعتداء وهو أمر استمر فيهم من بقايا سيدنا ابراهيم عليه السلام وإن كانوا قد حرفوا فيه بسبب النسئ.
وهو تأخير بعض الأشهر الحرم عن ميقاتها ليروا عطشهم إلى الاعتداء والظلم وهذا ما عابه الله وأنكره عليهم في قوله تعالى { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
ثم بين فضيلة أن من تعظيمهم لهذه الأشهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية الى بطن نخله تترصد له اخبار قريش فمرت قافلة لقريش في المكان الذي فيه السرية فقاتلهم المسلمون وقتلوا منهم واحد وأسروا منهم اثنين وأخذوا القافلة والأسرى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فاتخذوا المشركون في مكة من ذلك ذريعة للتشنيع على المسلمين لأن هذا الحادث وقع في شهر رجب كما قال وهو من الأشهر الحرم التي يقر ويعترف الجميع بحرمة هذه الأفعال فيها المشركون يعيرون المسلمين أتقتلون في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى { يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُواْ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ}
فابطل الله حجتهم ورد عليهم لان القتال في الأشهر الحرم دفاع عن النفس وردع عن الظلم لاحرج فيه
وبين أن الاحرام في الحج ينعقد فيما عرف بأشهر الحج وهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجه
{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }
فمن كتب الله له الحج في هذا العام بأن ممن وقع عليهم الاختيار لان يكونوا ضمن العدد المحدد المتاح فهذا فضل عظيم تيسر له وعلى من حصل له ذلك أن يلتزم بالشروط والضوابط التي تحددها الجهات المسؤولة والتي تهدف إلى المصلحة العامة
والى المحافظة على صحة الناس
والحد من انتشار الوباء وهو كغيره من المسلمين الذي يندب لهم الحرص على اسكثار الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجه لأنها افضل واحب الى الله من الأعمال الصالحة في غيرها وعليه أن يحرص على تمام نسكه وان يحافظ على محظورات الاحرام فلا يقع فيها وأما من لم يتمكن له ذلك وهو حال غالب الناس فإنه بنية الصالحة وعزمه على أداء النسك الذي لم يستطع أدائه في هذا العام رغبته فيه وتعلق قلبه به مما يكتب له به الأجر عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في الحديث الصحيح فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَة))
واختتم فضيلته الدرس – بالتضرع إلى الله _ عز وجل _ أن يتم للحجيج حجهم والذي تقيمه الدولة – رعاها لله – في ظروف استثنائية حرصاً على إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام سائلاً المولى أن يديم على هذه البلاد المباركة أمنها ورخاءها وعقيدتها أنه اولي ذلك والقادر عليه.
ويمكن الاستماع الى هذه المحاضرة عبر رابط منصة منارة الحرمين