الجمعة, 18 حزيران/يونيو 2021 14:24

فضيلة الشيخ الثبيتي في خطبة الجمعة: تجاوز الحدود الفاصلة بين زينة الرجال والنساء يمقته الدين، ويهدم بنيان الأخلاق، ويهز قيم الفضائل، ويضعف سمو الأمة وطهر المجتمع

قيم الموضوع
(0 أصوات)


أمّ المسلمين اليوم الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي، وألقى الخطبة على جموع المصلين في رحاب المسجد النبوي قائلاً: "زین الله ببديع صنعه الكون والكائنات، وأودع فيها معاني الحسن وصفات الجمال؛
قال تعالى: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ)، وزین الله السماء وجعل زينتها الشمس والقمر والنجوم؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)، وزين الأرض بالجبال والأشجار والأنهار والأزهار؛ وقال في وصفها: ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وجعل في الأنعام جمالا وزينة؛ قال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وأجمل الكائنات الإنسان الذي زينه الله بجمال خلقته وحسن صورته واعتدال هیئته؛ فزينته في ذاته، وجماله في صفاته، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }".
وأضاف: "لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل للاعتدال في التزين، كان أنظف الناس وأطيب الناس، ومن هديه صلى الله عليه وسلم كثرة الطيب، ولا يرد الطيب، ويستمتع بالرائحة العطرة ويقول: {من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المخملي طيب الريح) رواه مسلم. كما كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جمیلا يحب الجمال؛ تجمل من غير تكلف، وتزين بلا إسراف، وتزويق لباس من غير شهرة، يمشط لحيته الكثيفة، ويعتني بمظهرها، وإذا وفد عليه وفد لبس أحسن ثيابه؛ عن البراء بن عازب رضي (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ له شَعرٌ يبلغُ شحمةَ أُذنَيهِ ، ورأيتُه في حُلَّةٍ حمراءَ ، لم أر شيئًا قطُّ أحسنَ منهُ)، ويصفه ابن عباس رضي الله عنهما، فيقول: {لقد رأيتُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ أحسنَ ما يكونُ منَ الحُلَلِ). والمسلم يتزين لكل مقام بما يناسبه، ولكل موطن بما يلائمه، ولا يخالج مسلماً شك أن أولى البقاع بالتزين لها بيوت الله التي هي أجمل المواطن وأحبها عند الله؛ قال تعالى: :{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، وكان الحسن بن علي رضي الله عنه أنه إذا قام للمسجد لبس أحسن ثيابه وأجودها، فسئل عن ذلك فقال: إن الله جميل يجب الجمال، وإني أتجمل لربي وهو يقول: (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، كما وأرشدنا منبع الجمال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن التزين يشمل الظاهر مع إكرام الجسد والأعضاء؛ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا شعثا رأسه قد تفرق شعره فقال: {أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟ ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه، وقال عليه الصلاة والسلام (من كان له شعر فليكرمه)".
وقال فضيلة الشيخ الثبيتي: عن جابر بن عبدالله رضي الله، عنهما: (أُتِيَ بأَبِي قُحَافَةَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هذا بشيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ) كما أن التزين في الأسرة له نصيب وافر وحق ظاهر؛ لأثره البالغ في توثيق عرى الحياة الزوجية، وتقوية أواصر العشرة بين الزوجين، قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: "إني لأتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي".
وبينت النصوص الشرعية أن تجاوز الحدود الفاصلة بين زينة الرجال والنساء يمقته الدين، ويهدم بنيان الأخلاق، ويهز قيم الفضائل، ويضعف سمو الأمة وطهر المجتمع،
وله تبعاته المهلكة ونتائجه المدمرة؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ، ولا من تشبه بالنساء من الرجال، فلكل من الرجال والنساء خلقته وهيئته التي مره الله تعالى بها، كما بنى الإسلام للمسلم شخصية لها رونقها الخاص، ورسم له هوية في سياج من القيم والمثل؛ حتى لا تذوب في تشبه يخالف الشرع، أو تنساق في تقليد ينقض الفضيلة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنمہما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبة بقوم فهو منهم) كما حذر الإسلام من الغلو في الزينة الذي يفضي إلى تغيير خلق الله تغييراً ثابتاً؛ قال تعالى حكاية عن إبليس: (وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ).
قراءة 2264 مرات