الجمعة, 19 تشرين2/نوفمبر 2021 14:39

فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة : عليكم بالأعمال التي ترتقي بسلوك المجتمع وتنميته، وتخفف الفقر، وتشيع الأمن، وتنقي المجتمع من الضغائن والأحقاد ولوثات النفوس

قيم الموضوع
(4 أصوات)

أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي وأستهل فضيلته خطبته الأولى عن جمال الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عن عبدالله بن سلام، قال: لم قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس قبله، وقيل قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قدم رسول الله، قد قدم رسول الله ثلاثاً، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيئ سمعته " تكلم به، أن قال : (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح.

حديث عظيم؛ جمع جلال الدين وجمال الإسلام؛ ليؤسس منظومة المجتمع المتأخي الراقي المتكاتف؛ مجتمع العطاء والرحمة والسخاء؛ الذي يتسم بمكارم الأخلاق، ونبل المعاملة، وهو حديث عميق في معناه، قوي في مبناه، عظيم في مغزاه، يبقى أثره في نفس من سمعه ورواه، فيه أعمال تقوي الوشائج، وترتقي بسلوك المجتمع وتنميته، وتخفف الفقر، وتشيع الأمن، وتنقي المجتمع من الضغائن والأحقاد ولوثات النفوس.

هذا الحديث من أوائل أقواله صلى الله عليه وسلم أول مقدمه المدينة؛ ليؤكد أهمية التكافل في
المجتمع، وتقوية لحمته، ورص صفوفه قلبا وقالبا، وأن يحمل الغني الفقير، والميسور المعسر، وأن  يبذل المستطيع ما يستطيع من كلمة طيبة وسلوك ندي وصلة موصلة إلى الدرجات العلى.

ثم تحدث فضيلته عن معنى تحية الإسلام فقال: السلام عليكم؛ جملة قصيرة المبنى، عظيمة المعنى ؛ تحمل في مضامينها رسالة محبة، وعنوان مودة، يحلو بها اللسان، يرسل قائلها إلى كل من سمعها أنه يحمل في نفسه لهم الأمن والأمان على الأنفس والأعراض والأموال ،فيشيع السلم والسلام في المجتمع، والسلام غاية الإسلام؛ روى مسلم من حديث آبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم).

والسلام تحية من عند الله، وعبادة وثواب، وسمة المسلم التي يعلو بها على من سواه؛ وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال قيل : يا رسول الله، الرجلان يلتقيان. أيهما يبدأ بالسلام ؟، فقال : أولاهما بالله رواه الترمذي وصححه الألباني، أي : أقرب المتلاقين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام.

والسلام من موجبات المغفرة والرحمة؛ فعن هانئ بن يزيد - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال: (إن من موجبات المغفرة بذل السلام ، وحسن الكلام ) رواه الطبراني ، وصححه الألباني.

أفشوا السلام؛ إحسان بالقول، وأطعموا الطعام إحسان بالفعل وترسيخ لقيمة البذل والتألف،
واستدعاء لمعاني الأخوة وحسن الجوار؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أن رجلاً سأل
النبي صلى الله عليه وسلم: أئ الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام. وتقرأ السلام على عرفت ومن
لم تعرف) رواه البخاري ومسلم.

ثم تحدث فضيلته عن فضل الصدقة وإطعام الطعام فقال: وإطعام الطعام يشمل الصدقة والهدية والضيافة واطعام الفقراء ابتغاء وجه الله تعال، وتزداد الحاجة إليها في أوقات المجاعة وغلاء الأسعار.

ومن صور الإطعام الإهداء إلى الجيران، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك) رواه مسلم.

وإطعام الطعام يشمل سائر المخلوقات؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم اجراً؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر».

لا يستقل المرء في إطعام الطعام أي مقدار ولو كن شق تمرة؛ فإنها تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من إستطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل ) رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه ، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

تلك قيم نبيلة يربي عليها الإسلام، وصفات جليلة تغرس في بنية المجتمع المسلم التقوى، وتبرز قيم الإسلام السمحة للعالم أجمع.

وتحدث فضيلته عن صلة الأرحام وفضله فقال : وصلوا الأرحام ): الأرحام هم كل من تربطك بهم رحم أو قرابة من جهة الأب والأم: وحقهم في البذل والعطاء مقدم على اليتامى والفقراء، قال سبحانه {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } والسخاء عليهم ثوابٌ مضاعف ، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) رواه النسائي وصححه الألباني.

صلة الرحم بالقول الطيب، والوجه النير. وتعاهدهم بالزيارة والنصح، ومساندة المكروب، وعيادة
المريض، والصفح عن عثراتهم. واجتناب الإضرار بهم! سواء بالقول أو الفعل.

وأختتم فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن فضل قيام الليل فقال: وصلوا بالليل والناس نيام)؛ وردت هذه العبادة العظيمة بعد الدعوة إلى إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام للدلالة على أثرها في التعاملات والمعاملات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق قال (إنه سينهاه ما تقول) رواه أحمد بإسناد صحيح .

صاحب قيام الليل يصبح طيب النفس نشيطا يعان على عمله سائر يومه.

وقت عظيم؛ تخلو فيه النفس وتناجي خالقها ، زمن إجابة الدعاء، ونزول الرب؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخر ، يقول: من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )رواه البخاري.

تتدخلوا الجنة بسلام؛ وصف بليغ طيب، ناطق بالحفاوة التي هي عطاء الله الخالص لخواصه؛ قال الله تعالى: {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَٰلِدِينَ } ودخول الجنة بسلام: ظاهره أنه بلا عقاب ولا عذاب. لأن من عذب لم يسلم.

إن دخول الجنة بسلام، هو فضل الله على من صبر على المشقة وصابر على جفاء الناس في كل تعاملاته؛ قال سبحانه، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } فصبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنان الغالية.

وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن حديث إفشاء السلام الى آخر الحديث فقال: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام. تدخلوا الجنة بسلام: حديث عظيم حمل أطيب الكلمات وأجمل المعاني وأعظم الأجور؛ فعن علي: رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من بطونها وبطونها من ظهورها». فقام أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله ؟ قال : «من أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام» رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وقد أشار العلماء إلى أن العطف بالواو في هذا الحديث يقتضي اشتراط اجتماع الأمور المذكورة.

3a53c4fe ed56 43c4 8f57 47992d68a49c3a114fa1 6948 448b a225 15aee83edfa945a75a0a 5905 49fb 8f9a da7df2b7c5f97665bc84 da78 4194 9189 67bfcf5f715c3c018720 8172 4b54 b76d 7dd802924eff7a39eb2c 7ea6 42e2 abeb 6bab303311e68157ac5d 6990 4802 9652 a18feeb220bd
قراءة 1670 مرات