ضمن إطار سلسلة برنامج صناعة الأصولي قدّم فضيلة وكيل الرئيس العام لشؤون المكتبات والبحث العلمي الدكتور أحمد بن فهد الشويعر، لقاءً بعنوان :(تاريخ علم أصول الفقه). وأكّدت محاور اللقاء بأن علم الأصول وُجِد مع نشأة الفِقه نفسِه، ولكنَّ تخصيصه بالتَّدوين والكتابة وتحرير المسائل لم يكتمل إلا مع نهاية القرن الثاني الهجري، عندما كتب الشافعي رسالته الأصوليَّة التي كانت الأساس الأول لهذا العِلم المبارك. كما تناول اللقاء تاريخ عِلم أصول الفقه من خلال أربعة مطالب أساسية واجب معرفتها وهي: نشأة عِلم أصول الفقه، وتدوين عِلم أصول الفقه، وطُرق التأليف في عِلم أصول الفقه، وأهمُّ الكتب والمؤلَّفات الأصوليَّة. وأبرز ما جاء في هذه المطالب المهمة أن نشأة عِلم أصول الفقه قديمٌ قِدَم الفقه نفسه، فلا يُعقل أن يُوجدَ فقهٌ دون أصول علميَّة تنظِّم استنباط هذا الفقه مِن مصادره، ولكنَّ تاريخ التشريع الإسلامي مرَّ بمراحل يحسُن بِنا أنْ نراجعها سريعًا؛ لنتعرَّف كيف نشأ عِلم الأصول منذ فجر التشريع. وجاء أيضاً أن تدوين أصول الفقه، بدأ على شكْل قواعدَ مُتناثرة في ثنايا كلام الفقهاء، وبيانهم للأحكام؛ فقد كان الفقيه يَذكر الحكم ودليلَه ووجه الاستدلال به، كما أنَّ الخلاف الفقهي بين الفقهاء كان يُعضدُ - مثلما أوردنا في المطلب السابق - بقواعدَ أُصوليَّة يَعتمد عليها كلُّ فقيهٍ؛ لتقوية وجهة نظره، وتعزيز مذهبه، وبيان مأخذه في الاجتهاد. وأبان اللقاء طُرق التأليف والبحث في أصول الفقه، ولقد استمرَّ التدوين والبحث في أصول الشافعي، ذلك أنَّ أربابَ المذاهب الفقهيَّة اتَّفقوا مع الشافعي في أغلب ما قرَّره في الرسالة، ومنهم مَن اختلفَ معه في بعضها، فالحنفيَّة مثلاً خالَفوه في الأخْذِ بالاستحسان الذي كَتَب فيه الشافعي في الرسالة كتابَ إبطال الاستحسان، والمالكية خالفوه في الأخْذِ بعملِ أهل المدينة كمصدر مِن مصادر فقهِهم، كما خالفوه في الأخْذ بالذرائع، والمصالح المرسَلة. واستطرد اللقاء بأهم الكتب والمؤلَّفات الأصولية الذي أوضح فيها للحضور أن هناك اتجاهين أساسيين في البحث والتأليف في أصول الفقه، هما اتجاه الشافعيَّة أو الجمهور أو المتكلِّمين كما أُطْلِق عليه، والاتجاه الثاني الذي عُرِف بطريقة الحنفية، ثم كانت طريقة المتأخِّرين التي جمعَت بين الطريقتين، وأخيرًا تناول بإيجاز طريقة "الشاطبي" الذي نَحا مَنحًى جديدًا في البحث في عِلم الأصول، وهذه الاتجاهات قد وَضَعَ الباحثون في كلٍّ منها كُتُبًا على طريقته في البحث والتأليف عَبْر مراحل تاريخ أصول الفقه، ونُورد هنا أَشهَر الكُتب التي وُضِعتْ في كلِّ اتِّجاه. وذكر اللقاء بعضاً من الكتب الحديثة حول هذا العلم فمع النهضة الحديثة التي دَبَّت في العالَم الإسلامي بعد عصور الجمود والتقليد، ومع بزوغ النهضة الفقهيَّة مِن جديد، ظهر عددٌ مِن المؤلَّفات الحديثة في أصول الفقه تُقَرِّب مسائله، وتُيَسِّر على الطلَّاب دَرْسَه، وهذه الكتب الحديثة تمتاز بالوضوح المنهجي، وسهولة العبارة، وقُرْب المأخذ، ومراعاة قضايا العصر، ومشكلاته وروحه. وعدد اللقاء أشهر هذه المؤلَّفات وهي:
1- "أصول الفقه"؛ للشيخ محمد الخضري، المتوفى (1345هـ). 2- "علم أصول الفقه"؛ للشيخ عبد الوهاب خلاف، المتوفى (1955م). 3- "أصول الفقه"؛ للأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة، المتوفى (1974م). و غيرها الكثير من الكتب المعاصرة في هذا العِلم المبارك.