أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني فتحدث في خطبته الأولى عن القرآن الكريم ومنهاجه فقال: أنزل الله القرآن الكريم لمقاصد سامية وحكم جليلة فهو منهاج الخالق لإصلاح الخلق، وكان من أهم مقاصد نزوله أن يكون تهذيبًا للنفوس وإصلاحاً للقلوب ، وتقويماً للطباع ، ودلالةً للناس إلى الصراط المستقيم ، وأن يكون الحجة الدامغة والبرهان الواضح والدليل الملموس على صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا فيما بلغه عن ربه على تعاقب الليالي والأيام ، والمتأمل في القران الكريم يجده قد حوى جميع متطلبات الحياة وحوائج الناس وما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم ، فما من سبيل من سبل الخير إلا بينه لهم ، ودلهم عليه ولا طريق من طرق الشر إلا نهاهم عن سلوكه وحذرهم منه ، وإنه قد اشتمل على ما يصلح عقائدهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وكل شؤونهم، فالقرآن الكريم أنزل لتكوين أمة مؤمنة بربها ، تصمد أمام الأحداث ، تهدي إلى الحق وتجادل من أجل الحق ، وتدافع عن الحقوق ، وقد كون القرآن بإذن الله أُمةً متعاطفة متراحمة فيما بينها ، قوية شديدة على عدوها ، قال تعالى :( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) لقد كانت تلك الأمة العظيمة آية من آيات القدرة الإلهية.
أنشأت في الأرض -بإذن الله- ما شاء أن تنشئ، وسارت في الأرض ماشاءالله أن تسير ، قررت للإنسانية عقيدة طاهرة نقية، وتصورًا سليما، وقيمًا وموازين، حققت العدالة والأمن والاستقرار ، وهو قادر الآن أعني القرآن الكريم -وبإذن الله- أن يخرج لنا أيضا أمة على غرار تلك الأمة العظيمة ، ولكن لابد من شباب هذه الأمة السير على ماكان عليه السلف الصالح من الإيمان الراسخ بالله ، والتوكل على الله ، والاعتصام بالله وحده ، والإيمان بقدر الله ، والتصديق بوعد الله ووعيده ، فتلكم هي المعاني التي كانت، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والقرون والمفضلة، وتلكم الصورة -يارعاكم الله- لو استقرت في قلب إنسان مؤمنٍ لصمد أمام جميع الأحداث ، وأمام جميع الخصوم .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا لابن عباس رضي الله عنهما احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فأسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف . أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي وقال حديث حسن صحيح .
واختتم فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن اهتمام المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم والعناية به فقال: إن من أعظم ما يعتز به المسلمون في ماضيهم وفي حاضرهم وفي مستقبلهم وأحق ما ينبغي أن يقيموا عليه منهج حياتهم هو كتاب الله تعالى ، وإن السبل لحيازة الشرف بخدمة كتاب الله , مفتوحة ممهدة تهتف بمن يريد أن يسلكها بقلب مفعم بالصدق والإخلاص ورجاء المثوبة , وطلب المزيد من خيري الدنيا والآخرة، وقد تكفل الله عزوجل بحفظ هذا القرآن العظيم ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، ويسر على عباده حفظه في الصدور وفي القلوب وفي السطور والحمدلله رب العالمين ، ومنذ أن تأسست المملكة العربية السعودية على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه - ومن بعده أبناؤه البررة رحمهم الله بفيض رحمته وأسكنهم عريض جناته ، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين نصره الله كان من عظيم عملهم الاعتناء والاهتمام بكتاب الله تعالى حفظاً وتلاوة ًوتدبراً وبسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وقد تعددت سبل العناية بالقرآن الكريم ، منها تنظيم الجوائز والمسابقات ، كجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره للبنين والبنات والتي بدأت دورتها الثالثة والعشرين لهذا العام بتنظيم موفق من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وهذه الجهود الجبارة من الأسباب التي تحفز الشباب إلى حفظ كتاب الله تعالى في عصر ضعفت فيه الههم وكثرت فيه الصوارف . وهذا ما يعتز به المسلم ويفتخر به في هذه البلاد المنعمة بالأمن والاستقرار والرخاء تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فجزى الله خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده خيرا وجعل كل ما يقدمونه للإسلام والمسلمين في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأسأل الله التوفيق والسداد للمشاركين ، إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرًا ).
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن علامات الساعة فقال: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما : لا تقومُ الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ وتكون السنةُ كالشهرِ ، والشهرُ كالجمعةِ ، وتكون الجمعةُ كاليوم ، ويكونُ اليومُ كالساعةِ ، وتكونُ الساعةُ كالضِّرمةِ بالنارِ .رواه الترمذي بإسناد جيد.
بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا في الحديث بعضا من علامات الساعة وأن منها قلة بركة الزمان وقلة فائدته، واشتغال أكثر الناس بزخارف الدنيا وملذاتها، وتضييع الوقت في ما لا ينفع، فلا يستفيدون من الزمن لا في أمور الدين ولا في أمور الدنيا، ولعل من الأسباب توفر الراحة وتكاثر النعم وتيسر الخيرات والواجب على المسلم التوازن في حياته ، ومعرفة الهدف الذي خلق له ، قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فالإنسان له هدف ورسالة ، فلم يخلق للأكل والشرب والمتاع واللعب فحسب وإنما هي قوة له للاستعانة بها على طاعة الله .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : إذا قيل: ما هو السبيل الذي يجعل أوقاتنا مباركة ؟ قلنا : ذكر الله ، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)ومعنى "أمره ": أي: شأنه كله،يَكن فرطًا: ليس فيه بَركة، فالإنسان إذا أَعرض عن ذِكر الله واتبع هواه نزع الله البَركة من عُمره وهذا هو حال كثير من الناس اليوم ـ مع الأسف ـ أنّ الله أغفل قلوبهم عن ذِكْرِه واتبعوا أهواءهم وكانت أمورهم فرطًا، تمضي عليهم الساعات بل الأيام وهم لم ينتجوا شيئًا. انتهى كلامه رحمه الله .
واختتم فضيلته خطبته الثانية عن رفع الأعمال في شعبان فقال : فاتقوا الله أيها المسلمون : واشكروا نعمة الله عليكم بما من َّ به عليكم من شهر شعبان كله مكان لرفع الأعمال إلى الله فاجتهدوا في طاعة ربكم، وخذوا من صحتكم لمرضكم ، ومن غناكم لفقركم ، ومن شبابكم لهرمكم ومن حياتكم لموتكم.