ألقى عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن ناصر الشثري درسه العلمي في شرح كتاب العلم من مختصر صحيح البخاري -رحمه الله-، وذلك ضمن الدورة العلمية العامة المقامة بالمسجد الحرام.
وبين معاليه أن المؤلف أورد في أول الكتاب، باب فضل العلم واستدل عليه بقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، فإن رفع درجة العلماء لوجود صفة العلم عندهم؛ دليل على فضل هذا العلم والرفع يكون بإعلاء درجاتهم في الآخرة أو رفع درجاتهم بالنسبة إلى الدين أو جعلهم أكرم من غيرهم، كما قال تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وأوضح فضيلته: هكذا يرفع درجاتهم وأعمالهم وثوابهم، فإن أهل العلم يتمكنون من إحسان النية وقصد الله في أعمالهم واستدل عليه بقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، فإنه أرشد أن يطلب من الله زيادة العلم وهذا دليل على فضل العلم، ودرجة العلماء تأتي بعد درجة الأنبياء، لذا ورد في الخبر العلماء ورثة الأنبياء
وجاء في النصوص تفضيل العلم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان فضل العلماء (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) وكذلك (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فإن تعلم القرآن كما يشمل ألفاظه يشمل أحكامه وورد في السنن قوله: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم((.
وكذلك (فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ)، ثم أورد المؤلف -رحمه الله- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ.
وهنا النبي صلى الله عليه وسلم أخر جواب السائل إلى أن قضى حديثه؛ وهذا فيه دلالة على أن من تحدث بحديث لا ينبغي مقاطعته بالسؤال وإنما ينتظر حتى يكمل حديثه ومن ثمّ يسأل، ولا يقطع كلامه وقوله في هذا الخبر إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله؛ بمعنى إذا وكل بالولايات سواء كانت عامة أو خاصة من ليس مؤهلا لذلك العمل وتلك الأمانة فإنه حينئذ تضيع الأمانات وبالتالي تقوم الساعة، وهذا يدل على أن الجهل سيكون غالبا وأن أهل الحق على ضعف في أمورهم، وفي هذا استحباب أن لا يسأل المتعلم العالم مادام منشغل بحديث أو غيره، وكذلك الرفق بالمتعلم وإن كان قد بدر منه خطأ في سؤاله أو كان عنده جهل؛ ولذا لم يوبخ النبي صلى الله عليه وسلم هذا السائل على سؤاله كذلك في هذا تعليم السائل والمتعلم، أن يحسن مراجعة العلماء عند عدم فهم المسائل .
واختتم معالي الشيخ الدكتور سعد الشثري درسه بدعاء المولى العلي القدير أن يديم على هذه البلاد أمنها وأمانها ورخاءها واستقرارها، وأن يديم العز علينا بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين –حفظهما الله-، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تجدر الإشارة إلى أن إمكانية إعادة الاستماع إلى هذه المحاضرة عبر رابط منصة منارة الحرمين أدناه.
http://manaratalharamain.gov.sa/