أمَّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم وقال: من أدرك رمضان وأمكنه الله منّة صيامه وقيامه فقد وهب فرصة فاتت كثيراً من الخلق، فإذا فسح له في أجله حتى بلغ العشر الأواخر منه فقد خص بما يتحسر على فقده، ويحزن على فواته؛ لإعطائه مهلة يزداد فيها من الخير، ويستغفر فيها من ذنوبه، ويستدرك ما فاته، ويصلح ما فرط به، ويعمل من الصالحات ما ترتفع به مرتبته في الجنة.
والعشر الأواخر من رمضان هي تاج الشهر وخلاصته وواسطة عقده، العبادة فيها خير من العبادة في كل ليالي العام سواها، فيها ليلة القدر التي أنزل الله فيها القرآن الكريم كاملاً إلى السماء الدنيا، إنها ذات الشأن العظيم، والمنزلة الرفيعة، ليلة مباركة خيرها كثير، ليلة العمل والثواب فيها خير من عبادة ألف شهر، ليلة يقضي الله فيها بين خلقه، ويحكم بينهم، ويكتب أقدار عام كامل من أعمارهم، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، ليلة يكثر فيها بأمر الله الملائكة تنزل من السماء لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن العظيم ويحيطون بحلق الذكر، ويحيطون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً ورضا بما يصنع؛ وقيام ليلة القدر مع التصديق بثوابها واحتساب أجرها: جزاؤه مغفرة الذنوب كلها، وقيامها يكون بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار.
واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلا: ومن رغب أن يحيي سنة الاعتكاف فعليه أن يتأدب بما يجب عليه من الآداب في هذا المقام؛ من حفظ اللسان، وغض البصر، وكف الأذى، واغتنام الوقت، وتفريغ القلب، والإقبال على الطاعة والذكر والدعاء والاستغفار ، واجتناب الكلام إلا فيما ينفع، فمقصود الاعتكاف: عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، وخلوته به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه، ليصادف العبد ليلة القدر وقد شغل ساعاتها بأنواع الطاعات، مع دوام الإخبات وحضور القلب.
فالاعتكاف النافع ما تحقق به المقصود منه، بعمارته بطاعة الله ولم تخالطه معصية، لا مجرد المكث في المسجد مع التقصير في الواجبات والمستحبات، أو مفارقة المحرمات والمكروهات.