أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان فتحدث في خطبته الأولى عن قلب الإنسان فقال : القلب وعاء الخير والشر في الإنسان، وهو مصدر الكفر والإيمان، وهو سيد الجوارح المسؤول عن توجيهها، وآلة العقل التي يتم الإدراك بها، بصلاحه تصلح الأجساد والأبدان، وبفساده تفسد الجوارح والأركان، فعن النعمان بن
بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله ألا وهي القلب». متفق عليه.
ثم تحدث فضيلته عن النية التي تكمن في القلب فقال: القلوب مكمن الإرادة والاختيار، وهي مناط التكليف والاحتبار، وعليها مدار قبول الأعمال والحساب، ومضاعفة الثواب والعقاب، عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه.
فالنية وسيلة لمضاعفة الأجر، وقد أثاب الله على النية في الخير ولم يؤاخذ بما في الشر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها، كتبت له عشراً إلى
مائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب، وإن عملها كتبت» رواه مسلم.
والنية شرط في قبول الأعمال، وشرط في المؤاخذة عليها، قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بنصح الناس برعاية القلب فقال : إن القلوب بجاجة إلى الرعاية والمراقبة، والتهذيب والتزكية والمتابعة.
فاحرصوا على إصلاح القلوب وتزكية النفوس، فمن أصلح باطنه أصلح الله ظاهره، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» رواه مسلم.
فانظروا رحمكم الله إلى ظواهركم فأصلحوها، وإلى بواطنكم فطهروها واصدقوا مع الله يصدقكم الله، وتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة.
وحذر فضيلته في خطبته الثانية من الغفلة فقال : أعظم مصيبة تميت القلوب، وتحجب عنها كل خير ومرغوب، وتمنعها من كل مطلوب، القسوة والغفلة، فبسببها يطبع على القلب بالران، ويحجب عن الخير والإيمان، فيميل إلى الفسق والعصيان قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }.
وقال : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
إن القلوب لتمرض وتموت وتصلب تقسوا قسوة، فتصير مثل الحجارة الصم أو أشد قسوة قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ}.
وإذا جفت القلوب وقست فإن طريق التأثير والموعظة إليها مسدود، ولن تستجيب للعلاج، ولن تقبل الهدى، ولن تذعن للحق ، فأحيوا القلوب بذكرالله، عباد الله، واحذروا من الغفلة والقسوة، واتقوا محارم الله.
فالكيس من دان نفسه وحاسبها، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر على الله، يومئذ
تعرضون لا تخفى منكم خافية.