الثلاثاء, 31 أيار 2022 11:22

برئاسة الشيخ الدكتور الشثري.. تنطلق ثاني جلسات ندوة (الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما)  

قيم الموضوع
(0 أصوات)
انطلقت الجلسة الثانية من جلسات ندوة (الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما) ،  بالتعاون الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء  بعنوان:(مراعاة الخلاف في الفتوى في الحرمين الشريفين)، وترأسها المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الدائمة للفتوى معالي الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، ومقررها مساعد الرئيس العام لشؤون المسجد النبوي الدكتور محمد بن أحمد الخضيري والتي سيتحدث فيها كل من:
- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سامي بن محمد الصقير عضو هيئة كبار العلماء، عن تغير الفتوى، حقيقته وأسبابه، قال فيها: أما بعد: فهذه ورقة عمل في (تغير الفتوى حقيقته وأسبابه).
المراد بـ(تغيُّر الفتوى): انتقال المفتي أو رجوعه من حكم إلى حكم شرعي آخر لمقتضى شرعي.
أنواع الفتوى من جهة تغيُّرها:
الفتوى أو الحكم الشرعي من جهة التغيُّر على نوعين:
النوع الأول: الفتاوى والأحكام الثابتة:
وهي الفتاوى والأحكام التي لا تتغير، وهي ما جاء مقررًا في الشريعة بأصول ثابتة محكمة، ومصالح مستقرة، فهذه لا تتبدل ولا تتغير بتبدل الأزمان أو الأحوال أو الأماكن أو غيرها؛ كالتوحيد وأصول الإيمان، وأصول العبادات، ومكارم الأخلاق، ونحو ذلك، وكتحريم ما كان قبيحًا ومفسدة في كل زمان ومكان وحال؛ كالكفر والشرك، ومساوئ الأخلاق ونحو ذلك؛ لأن الشريعة جاءت بمصالح العباد ورفع المفاسد عنهم.
النوع الثاني: الفتاوى المتغيرة:
وهي التي تتغير بحسب المصلحة زمانًا ومكانًا وحالًا؛ كمقادير التعازير وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع يُنوِّع فيها بحسب المصلحة.
قال ابن القيم رحمه الله: «الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حال واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع له.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها؛ فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة».
وأوضح فضيلته أسباب تغيُّر الفتوى على النحو التالي:
1- تغيُّر الفتوى بسبب تغيُّر تحقيق مَناطها العام أو الخاص، بأن تكون العلة موجودة في الحكم في زمان أو مكان أو حال، ثم تنتفي، وحينئذٍ يتغير الحكم أو الفتوى لزوال العلة أو تغيرها.
وقد يكون سبب ذلك مراعاة الفروق بين الوقائع، فقد تحدث واقعة خاصة تستدعي حكمًا لا يطبق على نظائرها لوجود وصف مؤثِّر -يتعلق بالواقعة أو الشخص- يستدعي اختلاف الحكم، كإقامة حد الجلد على المريض الذي لا يطيق الجلد.
فعن سعيد بن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: «كان في أبياتنا رويجل ضعيف، فخبث بأَمَةٍ من إمائهم، فذَكر ذلك سعد لرسول الله ﷺ فقال: «اضربوه حدَّه». فقالوا: يا رسول الله، إنه أضعف من ذلك.
 فقال: «خذوا عثكالًا فيه مائة شمراخ، ثم اضربوه به ضربة واحدة». ففعلوا.
ومن أمثلة ذلك: قول النبي ﷺ لأبي ذر: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرن على اثنين، ولا تَولَّين مال يتيم».
ومن هذا الباب: أن يسلك المفتي مسلك التيسير عند قيام المقتضى ووجود السبب، كحال من أصيب بوساوس في عبادته؛ فإنه ييسر له ما لا ييسر لغيره.
2- مراعاة العُرف: وهو ما اعتاده الناس من قول أو فعل أو ترك أو تصرف.
فقد يتغير العرف في زمن أو حال، فيتغير الحكم، سواء كان ذلك في الألفاظ أم في العقود أم في غيرها، كألفاظ العقود، وما يعتبر عيبًا في البيع وما لا يعتبر، وصيغ ألفاظ الصرائح والكنايات.
قال ابن القيم رحمه الله: «من أفتى الناس بمجرد المنقول من الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم؛ فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية من طَبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس وأبدانهم» .
3- مراعاة المصلحة المرسلة المتغيرة.
والمصلحة المرسلة هي التي لم يأتِ الشرع بحكم معين لها، وتفتقر إلى دليل شرعي ينص على إلغائها أو إبقائها.
فالعمل بها رعاية للضروريات من الدِّين والنفس والمال والعِرض والعقل.
فمن الأحكام الشرعية ما تكون علته ومناطه المصلحة المؤقتة، فإذا وجدت وجد الحكم، وإذا انتفت انتفى الحكم.
ومن أمثلة ذلك: جمع الصحابة رضي الله عنهم للمصحف بعد وقعة اليمامة، وإجبار الولي على إرضاع الصغير وتربيته والقيام بشؤونه، ومقادير العقوبات التعزيرية وأجناسها وصفاتها؛ فإنها تختلف وتتنوع بحسب المصلحة.
4- مراعاة الخبرات والتقدم العلمي.
فقد يثبت الحكم في زمن من الأزمان، ثم يتغير بسبب تغير الحقائق العلمية وتغير مناط الحكم عليها.
ومن أمثلة ذلك: الباسور. كان يعد سابقًا عند الفقهاء من العيوب الموجبة لفسخ النكاح بين الزوجين، بل وحرم بعض الفقهاء قطع البواسير؛ لأن قطعها قد يكون سببًا للهلاك.
أما في زمننا ومع تقدم الطب، فإن الباسور لا يعد عيبًا موجبًا للفسخ، ولا يحرم قطعه؛ لأن إزالته وعلاجه أمر ممكن بكل يسر وسهولة -ولله الحمد- بسبب تقدم الطب.
ومما يؤيد هذا المعنى: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع أُناسًا من نصيب المؤلفة قلوبهم، كان قد فرض لهم رسول الله ﷺ وتألفهم على الإسلام، وكان الإسلام يومئذٍ في ضعف، فلما أعز الله تعالى الإسلام وأهله ترك عمر رضي الله عنه إعطاءهم.
5- مراعاة الضرورات والحاجات.
من أسباب تغير الفتوى والحكم حدوث ضرورة أو حاجة تستدعي تغير الحكم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام:119].
ومن أمثلة ذلك: الحكم بصحة تصرفات الغاصب إذا كثرت وحصل من الحكم ببطلانها ضرر على غيره.
ومنها: جواز المسح على الخفين من غير توقيت إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك.
ومنها: جواز طواف الحائض إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
6- مراعاة مقاصد الشرع، والمقاصد: هي المعاني التي راعاها الشرع عند تشريع الحكم، والتي تحقق مصالح العباد في الدارين.
قال ابن القيم رحمه الله: «الشريعة مبناها وأساسها على مراعاة الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد».
ومن أمثلة ذلك: تصحيح العقود والشروط متى أمكن إذا كان يترتب على إبطالها ضرر.
ومنها: صحة تصرف الولي والوكيل إذا تصرفوا بغير إذن، وترتب على إبطال تصرفهم ضرر لا يمكن دفعه إلا بتصحيح العقد.
7- السياسة الشرعية والنظر في المآلات والعواقب.
فإذا كان يترتب على الحكم أو الفتوى ضرر، أو كان يخشى من المفسدة، أو كان سببًا للتحايل على الأحكام الشرعية، فإن الحكم يتغير، كما في نكاح التحليل والحيل على الربا.
والأصل في هذا قول النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين، بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر؛ فإن قريشًا اقتصرتها حين بنت الكعبة».
8- تغير الفتوى بتغير حال المفتي.
قد تتغير الفتوى أو الحكم بسبب وقوف المفتي على دليل في المسألة لم يكن يعرفه من قبل، أو لتغير اجتهاده وإعادة نظره في المسألة، قال عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «لا يمنعنك قضاء قضيتَه راجعتَ فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك؛ أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل» .  
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
- فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام، عن الفتوى والتقنية التكامل والترابط: قال فيها: فلقد خلق اللهُ سبحانه الإنسانَ بعد العَدَم؛ كما قال سبحانه: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾  [الإنسان: ١ – ٣]، وجعل الجهلَ وَصفًا لصيقًا به من القِدَم؛ قال تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ ،  وأمدَّه بوسائلِ إدراكِ العلمِ والمعرفة؛ قال سبحانه في تتمة الآية: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨  ]، فكانت حاجةُ الإنسانِ إلى الفتوى، والتي طريقها السؤالُ ضرورةً مُلِحَّة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣].
إنَّ الله لـمَّا أنعمَ على أبناءِ هذا الزمانِ بوسائل التقنيةِ الحديثة، سمعيةً وبصريةً وغيرَ ذلك، وكانت سِمتُها التطوُّرُ والتَّرقي، وما أثْمرَتْه هذه الوسائلُ من تَيَسُّرِ الحياة، وتذليلِ شؤونِ الناسِ وتسهيلِها؛ فإن من الواجب على أهلِ الإسلامِ عُمومًا، وعلى أهلِ العلمِ وطَلَبتِه خُصوصًا: الإفادةَ منها، ومواكبةَ تطوُّراتِها، وبيانَ ما يتعلقُ بها من أحكامِ الشرعِ المطهَّر وآدابِه وتعاليمِه.
التعريف بمفردات الورقة:
موضوعُ ورقتنا هذه: "الفتوى والتَّقْنِيَة: التكامُلُ والترابُط"، وهذا الموضوعُ قائمٌ على شِقَّين أساسييَّن:
الأول: الفتوى، وهي: بيانُ المفتي لحُكمِ الشرعِ في مسألةٍ لا على سبيلِ الإلزام، وهي مأخوذةٌ من الإفتاء الذي هو البيانُ والإيضاح، وقولُنا: لا على سبيل الإلزام؛ للتفريق بين فتوى المفتي وحُكمِ القاضي.
والثاني: التقنية، وهي مشتقةٌ من كلمة (تكنولوجيا) وهي كلمةٌ يونانيةُ الأصل، مكوَّنةٌ من شِقَّين (تكنو) ومعناها: الحرفةُ أو الفنُّ أو المهارة، و(لوجيا) ومعناها: العلمُ أو الدراسة، فكأنَّ القافَ منقلبةٌ عن الكاف لقُربِ مخرجهما، وهناك من يرى أنَّ أصلَ اشتقاقها من الإتقان، والأمرُ في ذلك سهل.
وأيًّا كان أصلُ اشتقاقِ هذا أو ذاك، فالجميعُ متفقٌ على أن المقصودَ بها ما أضافه الإنسانُ بما وَهَبه اللهُ - جل وعلا- من إمكاناتٍ وقُدُراتٍ ذهنيةٍ وماديةٍ من أدواتٍ وآلات، وطُرُقٍ وأساليبَ وابتكارات، حَسَّنَت من جودة الخدمات، وارتَقَت بمستوى الحياة إلى أفضل المقامات، بدءًا بالسياراتِ والطياراتِ والباخرات، والآلاتِ الصناعية، والمعدّاتِ الطبيةِ في غيرها، إلى ما نراه الآنَ من وسائلِ التواصلِ وفضاءاتِ الشبكةِ العنكبوتية، والأجهزةِ الذكية، مما لا يدخل تحت الحصر.
وبالنظر والتأمل إلى مُحَصَّلِ ما بين التعريفِ الاصطلاحيِ للفتوى والتقنية، يتبيَّنُ لنا أن الفتوى من باب المقاصدِ والغايات، والتقنيةَ من باب الوسائلِ والآلات، فهي بمقام القلم من التَّعَلُّم؛ كما قال جل وعلا: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ [العلق: ١ – ٥].
الصِّلةُ بين الفتوى والتَّقنية تُفيدنا في معرفةِ ما يُمكنُ أن تضيفَه هذه الأخيرةُ إلى الفتوى من أدواتٍ ووسائلَ تُحَسِّنُ الأداء، وتجوِّدُ النتائجَ والمُخْرَجات.
ولا يخفى عليكم -أيها الأكارمُ- ما للفتوى من المنزلة الكبرى في دين الإسلام؛ فهي من مَقاماتِ إعلائِه وإظهارِه، وهي توقيعٌ عن الله سبحانه، وإخبارٌ عن حكمه، والمفتي قائمٌ في الأمة مَقامَ النبيِّ ﷺ؛ كما يقول الشاطبيُّ رحمه الله في "الموافقات، وهي أيضًا مَزِلَّةُ قدم؛ ولذلك كان سلفُنا الصالحُ رحمهم اللهُ تعالى ورضي عنهم يتحامَونها ويتدافعونها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ قال البراءُ بنُ عازِبٍ : (لقد رأيتُ ثلاثَ مئةٍ من أصحابِ بدر، ما فيهم مِن أحدٍ إلا وهو يحبُّ أن يَكفيه صاحبُه الفتوى).
فهي -أي الفتوى- منزلةٌ لا تنبغي إلا لعالمٍ راسخٍ في العلم، أو مجتهدٍ متمكِّن، أو طالبِ عِلمٍ حَصَّل عُلومَ الآلة، وتكوَّنَت لديه الملكةُ الفقهيةُ التي تُخَوِّلُ له البحثَ والفتوى.
ولما كان الأمرُ كما أسلفنا، ورأينا أنَّ وسائلَ التقنية ليست قَصرًا على أحد من الناس، وربما اتخذها للفتوى وإبانةِ أحكامِ الشرعِ مَن ليس كُفؤًا لها ولا أهلا، فإنَّ من الضروريِّ الالتفاتَ إلى هذا الجانب، وذلك ببذل جهودٍ وسُلُوكِ سُبُلٍ لتكون التَّقْنِيةُ من أعظمِ وسائلِ إيصالِ الفتوى الصحيحة، التي تجمعُ بين الأمانِ والمصداقيةِ والسُّرعة.
فمما يُمكنُ أن يُسهِمَ في تعزيز الترابُطِ والتكامُلِ بين الفتوى والتقنية، مع استحضارنا ما سبقت الإشارةُ إليه من كونِ الفتوى غاية، والتقنيةِ وسيلةً أنْ نقول:
أولًا: إنَّ ضبطَ الفتوى من صلاحياتِ وليِّ الأمر، فهو ومَن خوَّلهم مِن أهل العلم والفضل لهم ترشيحُ مَن تحقَّقت أَهْلِيَّتُه لذلك، قال الحافظُ الخطيبُ البغداديُّ رحمه اللهُ تعالى في كتابه "الفقيهِ والمتفقه": " ينبغي ‌لإمام ‌المسلمين أن يتصفحَ أحوالَ المُفتين، فمَن كان يصلُحُ للفتوى أقَرَّه عليها، ومن لم يكُن من أهلها منعه منها".
ثانيًا: أنه لم يَعُدْ من الممكنِ الاقتصارُ على الفتاوى المباشرةِ عبر الاتصالِ الهاتفيِّ والبرامجِ التلفازيةِ فحسْب، بل صار من الضروريِّ فتحُ قنواتٍ ومواقعَ وتطبيقاتٍ تُسهِمُ في سهولةِ وُصولِ الفتوى إلى المستفتينَ وسرعتِه.
ثالثًا: أنَّ من المهمِّ استحداثَ وسائلَ تواصلٍ جديدةٍ عن طريقِ أجهزةٍ ذكية في الأماكن التي هي من مظان الحاجة إلى الفتوى، كالحرمينِ الشريفين، والمواقيتِ والمطاراتِ وغيرِها.
رابعًا: أنَّ من المهمِّ استحداث تطبيقٍ خاصٍّ بالفتاوى على مدار الساعة، وبخاصة في الحرمين الشريفين؛ للإجابة عن أسئلةِ المستفتينَ بالصوت والصورة، يَنبري له ثُلَّةٌ من أهل العلم والفضل من طلبة العلم المتمكنين، وتَصِلُ الفتوى المستفتيَ باتصال مباشر وهو في مكانه؛ درءًا للازدحام الذي قد ينشأ بسبب التوارُدِ على المواضعِ المخصَّصة لذلك، من المكاتب والأجهزةِ الآليةِ المتحركة، وبخاصة أيامَ المواسم.
خامسًا: أنَّ من المُستحسَنِ إنشاءَ خدمةِ رسائلَ هاتفيةٍ نصية؛ للإجابة عن أسئلة المستفتين، تَتسِمُ بالسرعة والمصداقية، وتكونُ في نطاقٍ محدودٍ من الأسئلة، بعيدةٍ عما لا حاجة للمستفتي به من نوادرِ المسائلِ ومُشكِلِها.
سادسًا: أن من المقترحات إنشاءَ تطبيقٍ يعمل على توجيه المستفتينَ إلى أقربِ مكاتبِ الإفتاء، عن طريقِ الخرائط، ليَسهُل الوصولُ إلى المفتين، وبخاصةٍّ في المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النبوي.
سابعًا: أنه لابد من دعم الترجمةِ الآليةِ أو السريعةِ للأسئلة الواردةِ والأجوبةِ عليها، وذلك بتفريغ ثُلَّةٍ من طلبةِ العلمِ الوافدينَ الثقاتِ من أهل الجنسيات الأكثرِ شُيُوعا، وبخاصةٍ في المواسم، لاستيعابِ أكبرِ عددٍ ممكنٍ من السائلين، ولا يكون الأمرُ مقصورًا على من يتحدث اللغةَ العربيةَ فقط.
ثامنًا: أنَّ من المهمِّ نشرَ الجهاتِ المختصةِ فتاوى كبارِ العلماءِ وبثَّها عبرَ وسائلِ التواصل، وفي مواقعها الشبكية، ونوافذها الالكترونية؛ ليعُم النفعُ بها؛ سيَّما واللهُ تعالى قد جعل هذه البلادَ المباركةَ مأرِزَ الإسلام، ومهوى أفئدةِ العالمين، والمؤمنون في أرجاء المعمورةِ قد وضعوها موضعَ الثقةَ في الفتوى؛ لما يعلمونه من منزلةِ علمائها وفضلِهِم دينًا وأمانةً وتقوى؛ وصُدورهم وورُودهم عن الكتاب والسنة، وأقوالِ سلفِ الأمةِ الصالحِ رحمهم اللهُ تعالى، نحسبُهم واللهُ حسيبُهم ولا نزكي على الله أحدا.
تاسعًا: أنَّ من الضروري تعزيزَ الأمنِ المعلوماتيِّ الذي يحمي هذه المواقعَ والتطبيقاتِ المختصةِ بالفتاوى الشرعيةِ من الاختراقِ والتعطيل؛ بغرض إفسادِها أو تزويرِها وتزييفِها، وغير ذلك من الأغراض الدنيئة.
وكذلك من الجانب الآخر حجبُ المواقعِ والتطبيقاتِ المشبوهةِ والمضلِّلة، التي تنشُرُ الفتاوى الشاذةِ المخالفةِ للدين والأخلاق.
تلكُم مَناراتٍ في هذا الموضوع المهم، ولا يزال الميدانُ رَحْبا خِصْبًا لابتكار الأفكارِ المُثمِرةِ التي يمكن أن تخدِمَ فيه التَّقْنِيَةُ الحديثةُ ميدانَ الفتوى.
أسألُ اللهَ أن يأخذَ بأيدينا إلى ما يحب ويرضى، وأن يمُن علينا جميعًا بالهدى والسداد، وأن يُديمَ سبحانه على هذه البلادِ المباركةِ الأمنَ والأمانَ والرخاءَ والاستقرار، ويوفِّقَ وُلاةَ أمرهَا لكل خير وبِرٍّ وفلاح؛ إنه جواد كريم.
فيما تحدث معالي الشيخ الأستاذ الدكتور غالب بن محمد الحامظي عضو هيئة كبار العلماء، عن الفتوى في العصر الرقمي، وأثر التقنية في تعزيزها، قال فيها: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71] أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
لدى المختصين من أهل العلم والفتوى عناية بالتطور الرقمي والتقنية المتنامية في هذا العصر؛ ورعاية التطور الحادث فيه لاستخدامه في باب الفتوى.
 فالعزوف عن هذه التقنية الرقمية تجاف فاضح، والعناية به يعين في رعاية المصالح واستغلال للوقت.. ومسايرة هذه التقنية فيه رقي.. وفيه رشاد في نشر العلم والفتوى بأسلوب تعايشه الأمة في واقعها. فلا غرابة في إقامة الندوات لدراسة هذه المهمة العصرية بل هي دليل اهتمام ومزيد اعتناء.
 فالاهتمام بهذا الأمر يُذهب حالة الجمود أو الضمور تبعا للبعد عن استخدام التقنية هذه؛ فلا ينبغي التفريق بين باب الفتوى وغيرها من الاحتياجات البشرية في العصر الرقمي.
فالأمل يحدونا أن تعزز الدراسات -في هذا الباب- الحرص على استخدام التقنية المنضبطة لا سيما وأن التقنية توفر متابعة كل جديد من البحوث من مصادرها بأكبر كمّ من المعلومات في أقصر وقت؛ حتى جعل العالمَ كله في غرفة واحدة، يعيش فيها المتابع مع عالمه بضغطة زر.. ولولاة أمرنا في هذه البلاد المباركة الذين يسوسون أحوال الناس ودنياهم بالدين والشرع القويم اهتمام بالغ بالتقنية الخادمة للفتوى-وغيرها- مما يُسهّل على المفتي أداء مهمته التي وكلت إليه من الشارع الحكيم.
والانضباط في العصر الرقمي في استخدام الوسائل التقنية يحقق الأثر الإيجابي دون معاناة في مفاسد محققة!  فعلى كون العصر الرقمي يزيل حواجز المكان والمسافة وقيود الزمان بين مستخدميه؛ إلا أنه تعوزه الضوابط التي تراعي الفتوى المستخدمة للتقنية قائمة بصورة مهنية أمينة.
 ومع معرفة العوائق والضوابط المهنية سيأتي تعزيز الفتوى في العصر الرقمي.
وبالوقوف على المشاكل والتحديات يمكن أن تُعرف الحلول والسبل الكفيلة لتجاوز تلك العوائق والمشاكل والتحديات؛ ومن هنا يمكن ضمان الفتوى في العصر الرقمي وتعزيزها بالتقنية المعاصرة.
فالفُتيا مَقامُها عظيمٌ، وخطرُها جسيمٌ، لذا اعتنى أئمَّة السلف وعلماؤهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا، حيث وضعوا لها القواعدَ، وبيَّنوا الشروط التي يلزم تحقُّقُها في المفتي والمستفتي. قال الإمام النووي رحمه اللَّـه تعالى في كتابه آداب الفتوى:" قال العلماء: فإن المفتي موقع عن اللَّـه". وقال الإمام ابن القيم رحمه اللَّـه في كتابه إعلام الموقعين: "والمفتي هو المبلغ عن اللَّـه تعالى، والواسطة بين اللَّـه وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه، ومقامه عظيم، خصوصًا فيما يتعلَّق بالصدع بالحق، وبيان الحلال والحرام في المسائل التي تحتاجها الأمة ويكثر فيها الالتباس والخفاء، أو تكثر فيها الأهواء والباطل".
التعريف بمفردات الموضوع: الفتوى والمصطلح الرقمي والتقنية:
.  تعريف الفتوى لغة: اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع: الفتاوى والفتاوي، يقال: أفتيته فَتْوى وفُتْيا: إذا أجبته عن مسألته. والفتيا: تبيين المشكل من الأحكام، وتفاتَوْا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفُتيا.
تعريف الفتوى:
في الاصطلاح: أما تعريفُ الفتوى في الاصطلاح، فقد عرَّفها العلماء بتعريفات عديدة منها:
قال القَرافي: "الفتوى إخبارٌ عن حكم الله تعالى في إلزام أو إباحة". • وقال الجرجاني: "الإفتاء: بيان حكم المسألة".
 وقال ابن الصلاح: "قيل في الفتيا: إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى".
 وعرفها ابن حمدان الحراني الحنبلي بقوله: "تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه". ومن خلال التعريفات السابقة وغيرها يمكن تعريف الفتوى بأنها: بيان الحكم الشرعي لمن سأل عنه على غير وجه الإلزام.
المقصود بالمصطلح الرقمي : يستخدم هذا المصطلح للدلالة على عدد من التطبيقات التي تبنى على جهاز الحاسوب، وقد تستخدم هذه التقنية في عملية الاتصال، أو استرجاع المعلومات كعدد من النشاطات، ومن أمثلتها البريد الإلكتروني، والشبكة العنكبوتية وغرف التواصل والدردشة، وأجهزة الحاسوب المحمولة والمنزلية، وآلات المسح الرقمية ووسائل التصوير المختلفة.
المقصود بالتقنية: تعد التقنية مهمة لكونها تُستخدم بجميع مجالات الحياة خاصة العملية، فعندما نتأمل روتين حياتنا اليومية ونحاول أن نحصي أدوات التقنية وأثرها البالغ في حياتنا حينها ندرك أهمية التقنية في حياتنا، مثل: استخدامنا للسيارات، والحاسوب، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والهاتف النقال (التلفون)، والتلفاز، والآلات الكهربائية وغيرها الكثير.
فيمكن تعريف التقنية على أنها كل ما يقوم به الإنسان من تغييرات أو تعديلات أضافها إلى الأشياء المتواجدة في الطبيعة، بالإضافة للأدوات بمختلف أنواعها والتي قام بصناعتها لتسهيل الأعمال التي يقوم بها، حيث إنّ التقنية تشمل مناحيَ كثيرة في الحياة مثل: الغذاء، والدواء، والسكن، واللباس، والاتصالات، والمواصلات، والرياضة، والعلم وغيرها الكثير.
استعمالات التقنية: تستخدم التقنية في مجالات حياتنا بشكل كبير، ومن تلك الاستخدامات تقنية الاتصالات: تتضمن هذه التقنية تسهيل التخاطب والتواصل الإنساني مثل: الاتصالات المرئية، والهواتف الخلوية، وأجهزة النداء الآلي.
ومنها أيضا: تقنية المعلومات: وتتضمن هذه التقنية جميع التطبيقات التي تعتمد على الحاسوب، مثل: البريد الإلكتروني، والإنترنت، والحواسيب المنزلية والمحمولّة، وآلات المسح الرقمي، وأدوات التصوير. ومن تطبيقاتها: إيجاد إجابات فورية لكل شيء: حيث يمكن البحث عن أي شيء عن طريق استخدام محركات البحث الموجودة على الإنترنت.
وعن أهمية الفتوى:
الفتـوى وظيفـة عظيمـة الشأن، شديدة الخطورة، فالمفتي موقع عـن الله تعالى ، وعن النبي ﷺ، وحاجة الناس إلى المفتـي أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ؛ إذ أنه في كل زمان ومكان يكون في الناس العالم والجاهل ، والجاهل لا يعـرف كل تفاصيل الفقـه وفروعه لذا وجب عليه أن يسأل العالم ليدله ويرشده لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء : 7 ].
ووجب على العالم أن يتحمل الأمانة ويؤديها باقتدار ومسؤولية: لقوله جل شأنه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ۱۸۷].
وقال ﷺ: ((من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وللحاجـة الشديدة للفتيا جعلها الفقهاء من فروض الكفاية في الناس، وجعلوا تحصيل المجتهد في الأمة من فروض الكفاية، فلا بد مـن وجود المفتي في كل جماعة يبين لهم أحكام الدين، ويفتيهم فيما ينزل بهم من نوازل.
يقـول ابن تيميـة عن منصب الفتوى: ((وهذا العمل مـن المصالح العامة التي يكون القيام بها فرضاً إما على الأعيان وإما على الكفاية)).
طرق التواصل مع المفتي قديما وحديثا:
لقد ظهرت الفتوى منذ ظهور الإسلام، وكان أول من مارس هذا المنصب هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعـد موته اشتهر كثير من الصحابة بالإفتاء ،وكـان منهم المقل والمتوسط والمكثر ، وتفرقوا في البلدان المختلفة لتعليم الناس ، وكذلك التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا هذا.
ومن طرق نشر الفتوى قديما :
مقابلة المفتي ومشافهته؛ وذلك بأن يأتي المستفتي للمفتي ويسأله عن مشكلته فيبين له حكمها.
-ومنها: إرسـال الثقة ليسأل ويستفتـي وذلك إما لوجود عذر عند صاحـب المسألة، كأن يستحي أن يسأل بنفسه، وإما لكون المسافة بعيدة بينه وبين المفتي أو لأي عذر آخر.
-ويدل على جواز الاستنابة في الاستفتاء إذا استحيا المستفتي أن يسال بنفسه حديث على -رضي الله عنه- المتفق على صحته: قال: كنت رجلاً مذَّاء فاستحييت أن أسأل النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمكان ابنته, فأمرت المقداد فسأله؟ فقال: يغسل ذكره ويتوضأ. الحديث.
ومما يدل على الاستنابة في الاستفتاء - أيضاً - حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية فأمرتني أن أستفتي لها رسـول الله - ﷺ - فاستفتيتـه فقال: لتمش ولتركـب"، متفق عليه أيضا. ووجه الدلالة ظاهرة من الحديثين، والأمثلة على ذلك كثيرة.
-ومنها مكاتبـة المفتي وذلك أن يكتب المستفتي سؤاله في ورقة ويرد عليه المفتي في ورقته نفسها.
-وسائل نشر الفتوى كثيرة منها:
- نقل التلاميذ للفتوى فكل عالم له طلابه وتلاميذه يكتبون عنه فتاواه وعلمه.
-الرحلة سواء من المفتي أو المستفتي.
-المسجد فهو وسيلة مهمة من وسائل نشر الفتوى.
-المواسم التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلدان كموسم الحج والعمرة.
طرق نشر الفتوى في العصر الحاضر: مع الانفتاح الهائل في شتى مجالات الحياة ظهرت وسائل جديدة ومختلفة للتواصل بين الناس، ومع التقدم الملحوظ في تكنولوجيا الاتصـال ظهرت أشكال جديدة للتواصل بين المفتي والمستفتي، وظهرت طرق جديدة لنقل الفتيا تبعا لعالمنا الرقمي الحديث وما يستجد فيه من تطور هائل وتحديث فاعل، ومن أبرز هذه الوسائل:
1- : القنـوات الفضائيـة والإذاعات التي تهتم بتقديم البرامـج الدينية، وتختلف البرامج التي تقدمها هذه القنوات فمنها ما يتم تسجيله مسبقا ثم يبث في وقت لاحق، ومنها ما يتم بثه على الهواء مباشرة. وتختلف البرامـج في هذه القنوات من ناحية موضوع الفتـوى، فمنها البرامج التي تخصص للاستفتاء في موضوع معين، ومنها ما يجيب فيه المفتي عن كل الأسئلة التي
تقدم إليه في كل المجالات.
ويتم التواصل مع المفتي إما عن طريق الهاتف والجوال أو الفاكس والبريد الإلكتروني الخاص بالبرنامج.
٢-الهاتف والجوال: وهذه الطريقة ظهرت مع ظهور الاتصالات السلكية ثم تطورت مع وجود شركات الاتصالات اللاسلكية، ويتم الاستفتاء فيها عن طريق الاتصال المباشر بالمفتي، فبعض العلماء يخصص وقتا للرد عن أسئلة المستفتين عبر الهاتف، إلا أن هذا الوقت في الغالب لا يكون كافياً للرد عن كل الأسئلة.
3-وفي الآونة الأخيرة ظهرت خدمة الفتوى عبر الرسائل النصية ، حيث يتم استقبال رسالة من المستفتي ويرد عليها ،إلا أن هذه الطريقة لا تعرف فيها شخصية المفتي -أحياناً- ،وبعض شركات الاتصال تفرض رسوما إضافية على الرسائل الخاصة بالاستفتاء.
4- قرارات مجامع البحوث والمجامع الفقهية ، وبيانات دور الإفتاء ومجالسه التـي تنعقد بشكل دوري أو استثنائي، ويصدر في نهاية كل لقاء بيان ختامي أو قرارات تتضمن الرد عن بعض الأسئلة أو بيان الأحكام الفقهية المتعلقة ببعض القضايا.
ويتـم نشـر فتـاوى هذه الهيئات في مواقعها الإلكترونية وفي مجـلات دورية تابعة لها.
5- الفتـوى عـن طريق شبكة الإنترنت: فمع التطور الحاصل في وسائل الاتصال أصبحـت الشبكة العنكبوتية أحد أهم وسائل نقل الفتوى في عالمنا المفتوح، ويتم من خلال هذه الشبكة التواصل بين المستفتين والمفتين مع اختلاف بلدانهم، وبعد أماكنهم.
ونشر الفتوى في هذه الشبكة له عدة صور، منها:
أ- المدونات الإلكترونية الدينية.
ب- مواقع بث تسجيلات الفيديو، كاليوتيوب.
ج- مواقع الشبكة الاجتماعية والتواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك والواتس وغيرها.
د- منتديات المحادثة الإلكترونية.
ه - المواقع المتخصصة في تقديم الفتاوى: سواء كانت هذه الفتاوى قديمة أو معاصرة، والإقبال على هذه المواقع كبير جدا؛ لسهولة البحث فيها، إما بالموضوع أو باسم الشيخ، ويتم الحصول مباشرة على الفتوى الخاصة بأي قضية من القضايا.
ميزات الفتوى عبر وسائل التقنية الحديثة وعيوبها:
الميزات للفتوى عبر وسائل التقنية الحديثة، ميزات كثيرة نذكر منها:
1. الإسهام في إقامة الحجة على الناس في كثير من المسائل التي يحتاجونها، وسد حاجـة الناس للإفتاء، والعمل على نشر الثقافة الدينية في صفوف المسلمين مـن تفقيههم بدينهم،وتبيين الحكم الشرعي في الواقعات والنوازل التي تواجه الناس ، وإشاعـة الأحكام الفقهية الشرعية بين الناس ، فيمكن لأي إنسان أن يستمع إلى الفتوى في التلفاز أو يبحث عنها في أي موقع إلكتروني من غير تعب ولا نصب .
۲. تبصير الناس وتعريفهم بعلم الخلاف ومقارنة المذاهـب، وذلك أن كثيراً من الناس بحكم عدم اتصالهم بمذاهب وتيارات مخالفة لما ألفوه تنقصهم معرفة المذاهـب الأخرى المنتشرة في بقـاع العالم الإسلامي فمـن خلال نشر فتاوی العلماء المعتدلين مـن الجانبين تذوب الفجوة بين أتباع هـذه المذاهب، ويتضح أن الخلاف الفقهي في الفروع سائغ ومقبول لا ينبغي أن يؤدي إلى التخاصم والاختلاف.
 3. تعريف الناس بالعلماء وطلاب العلم من كل المعمـورة، وذلك عن طريق ظهورهم في القنوات الفضائية، أو نشر فتاواهم ومقالاتهم في المدونات أو المواقع المختصة بالقضايا الدينية.
4- قلـة التكاليف، وسهولة التواصل مع المفتين، فيمكن للمستفتي أن يتصل في أي وقـت كمـا يستطيع إرسال أي قدر من الأسئلة، واستقبـال ما يشاء من الإجابات عبر أي موقع بتكلفة قليلة.
5. توفير مجموعة من العلماء المتخصصين في معظم فروع الشريعة وكل فروع الفقه، وتشمل هذه الشبكة رقعة كبيرة من العالم العربي والإسلامي وشتى المذاهب الفقهية المعتبرة ، وبإمكان السائل أن يختار المفتي الذي يريد أن يتوجه إليه بالسؤال ، كما يستطيع أن يتعرف على أكثر من رأي في الفتوى الواحدة.
6- في القنوات الفضائية والبرامج الإذاعية يتم استضافة أكابر العلماء المشهورين، ويمكن لأي شخص سؤالهم بيسر شديد وسهولة بالغة.
 عيوب ومخاطر الفتوى عبر وسائل التقنية الحديثة:
1- جهالة المفتي والمستفتي: فأحياناً يكون المفتي غير معروف عند السائل، وبمجرد اطلاعه على موقع متخصص في الفتوى أو مشاهدته لبرنامج تلفزيوني أو حلقة إذاعية يقـوم بعرض سؤاله مع غير معرفته المسبقة بالمفتي، ولا يعلم أنه لا يصح أن يستفتى إلا مـن كان أهلا للفتـوى، وفي بعض المواقع يرسل المستفتي سؤالـه ويتلقى جوابا ولا يعرف من الذي أفتاه.
ومن ناحية أخرى فإن المفتي لا يعرف المستفتي فربما يقع في خطأ عظيم، وذلك أن حال المستفتي معتبرة في الفتوى، فربما تغيرت الفتوى من شخص لآخر ويدل على ذلك
القصـة المشهورة عـن ابن عباس -رضي الله عنهما - أنه سئـل عن توبة القاتل فقال: ((لا توبـة له))، وسألـه آخر فقال: ((له توبة))، ثم قال: ((أمـا الأول فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكيناً قد قتل فلم أقنطه)).
٢- كثرة المتصدريـن للفتـوى، وتسابـق المفتين علـى القنـوات الفضائيـة والمواقع الإلكترونيـة، وبعض هؤلاء بضاعته قليلة في الشريعة، وهو غير مستجمع لشروط المفتي، ونشر فتاواهم يؤدي إلى فوضى عارمة، مما ينتج عنه كثرة الخطأ في الفتيا ، وحصول الاضطراب الشديد والتباين الكبير بين الفتاوى، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج سلبية على المستفتي ، وعلى المفتي نفسه، ولربما كانت الفتاوى في أمر يتعلق بالنوازل وأمر العامة وأنظمة الدول فيكون الضرر أعظم والفتنة أطمّ!!
3- بعض المستفتين يرسل الفتوى لأكثر من مفت، أو يتصل بأكثر من قناة ويحصل على فتاوى متعددة، وربما تكون مختلفة، وهذا الأمر يورث عدة مفاسد منها:
أ-قـد يستخدمها المستفتي لاتباع الرخص واختيار الأسهل مع ما يتناسب مع هواه، ويتماشى مع رغبته من غير ضابط، وأصبح الناس ينظرون إلى الفتوى نظر استهتار ولسان حال البعض إذا لم تعجبك فتوى فلان فهناك غيره.
ب- كثرة الفتاوى والاضطراب فيما بينها يوقع السائل في حيرة من أمره واضطراب، وتورث عنده الشك والريب في صحة الفتوى أو أهلية المفتي.
ج- الاضطراب الحاصل في الفتاوى والاختلاف بينها أدى إلى استهتار بعض الناس بالمفتين والطعن في العلماء ولمزهم ولربما تعدى ذلك إلى غمز الدين الحنيف.
4- تعميـم الفتـوى، فليست كل فتوى تصلح أن تقال-فضلاً على أن تنشر في وسائل الإعـلام-
فقـد يطلـع السائل على فتوى في وسيلة إعلامية، أو يبحث عنهـا فيما يسمى بنك الفتـوى في مواقع الإفتاء، وتكون عنده حالـة شبيهة للواقعة التي صدرت فيها الفتوى، فيقيس الواقعتين – مع وجود الفارق بينهما- من غير اعتبـار لعرفه أو ظرفه. وهذا لا يستقيم لأن حال الشخص وعرفه معتبرة في إصدار الأحكام.
ضوابط وآداب خاصة بالمفتي :
الفتوى ركـن عظيم في الشريعة لا ينكره منكر ، وعليه عول الصحابة بعد أن استأثر الله برسوله ، وتابعهم عليه التابعون إلى زماننا هذا ، ولا يستقل به كل أحد ، فالأصل في الفتاوى أن توضح مشكلاً، وتفتح مقفلاً، والبركة التي لدولتنا الرشيدة ولولاة أمرها في النصيب الوافر في ضبط الفتوى وأهلية القائمين بها، حتى صارت لفتاوى كبار علمائها انتشارا واسعا في أرجاء المعمورة وتؤخذ أخذ الثقة بأهلها لما فيها من انضباط وتحرير... ومع التسارع الرقمي انتشرت كثير من الفتاوى تأتي عليها العيوب في الحال والمخاطر في المآل؛ وقد تقدم أبرز ما يمكن رصده على تلك الفتاوى:
فلا بد من أوصاف وشرائط يتصف بها من يتصدى لإفتاء الناس ومنها:
من الضوابط التي لابد من توفرها في المفتي:
1- ألا يتصدر للفتوى إلا إذا كان من أهلها، وأن يكون قد زكاه أهل العلم المعروفين.
2- أن يكون حسن الهيئة، والمظهر وأن يبتعد عن الألفاظ النابية والعبارات الجارحة، وأن يجعل لمجلس الإفتاء قدرا وهيبة عند المشاهد والمستمع.
3- عـدم التعصـب لمذهب ولا لرأي ولا لشخص، وتحـري العدل والإنصاف في كل أقواله، وليعلم أن كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم ﷺ ، أما غيره فلا بد أن تعرض أقوالهم على الكتاب والسنة فما وافقهـا أخذناه ، وما خالفها تركناه ، ولذا ينبغـي لـه أن لا يشنع على مـن خالفه بقول أو رأي مادام في إطار المشروع ، وهذا شأن الراسخين في العلم.
4- عدم التسرع في الفتوى حتى تأخذ حقها من التفكير العميق والتأني لأنه؛ قد يخطئ ويسمعه ملايين الناس وقد تكتب فتاواه فتنشر وتطير في الآفاق ويرجع بإثمها.
من الضوابط التي لا بد من توافرها في المستفتي:
1-التأكد من المفتي ومعرفته قبل الاستفتاء فلا يستفتي إلا من كان أهلا للفتوى فليس كل من ظهر على قناة فضائية أو أنشأ مدونة إلكترونية أو حسابًا شخصيًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي صح سؤاله واستفتاؤه.
فلا يصح لأي مستفتي أن يتصل بأي قناة إلا إذا عرف أن المفتي فيها من أهل العلم وأنه أهل للفتوى بشهادة أهل العلم له.
2- عدم اتخاذ الفتوى لاتباع الرخص واختيار الأسهل حسب الهوى يقول ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا.
إن الأمور المحفوفة بمفاسد الفتاوى تعيق الوصول للمفتي الأهل، وتحرم الفتوى الحق من أحقية نشرها.
ومواجهة مثل هذا يأتي بتضافر الجهود على إزالة هذه المفاسد أو تقليلها ما أمكن.. والتوازر والتضافر قد جاء مؤتلفا في دولتنا المباركة بين ولاتها - حفظهم الله- ومؤسساتها، ومن أبرزها رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، حيث اتجهت بمواكبةٍ من غير تقصير في مزامنة التطور التقني في عدة وسائل رفيعة: عامة النفع.
 جسيمة العوائد.. للحاضر والباد، والخاص والعام على السواء.. فمن تلك التوجهات إنشاء:
١-الروبوت التوجيهي.
٢-المنصة الرقمية التوجيهية.
٣-منصة منارة الحرمين الإلكترونية.
٤-الكتيبات الرقمية.
٥-نقل الدروس العلمية عبر المنصات الرقمية وحسابات التواصل: يوتيوب- تويتر- تليجرام.

-5812449043941538988_121.jpg
-5812449043941538979_121.jpg-5812449043941538992_121_1.jpg

قراءة 1240 مرات