تناول كتاب "المحصل في تفسير سور المفصل (سور ق، الذاريات، الطور)"، والذي قام بتأليفه معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، عددٍ من الفوائد للآيات القرآنية التي ذكرت في سورة ق، والذاريات، والطور، ومن بين هذه الفوائد أن هذا القرآن جاء بالإعجاز في حروفه ومعانيه، ومن أوجه إعجازه: الحروف المُقَطَّعَة، وهي مِمَّا استأثر اللهُ -تعالى- بعلمه، وفضلُ القرآن الكريم وعِظَم منزلته؛ فالقَسَم دليل على شَرَف وعظمة المُقسم به، وأن القرآن الكريم واسع العطاء والنَّماء والخيرات والبركات والهدايات؛ فلا خير إلا ودَلَّ عليه، ولا شَرَّ إلا وحَذَّر منه، وأهمية مجادلة الكافرين وإثبات الحقائق لهم بالعلم والوحي والعقل والأثر والنظر والاستدلال، وكلُّ ذلك بالحكمة والبصيرة، وإثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه من العرب ومن قريش، ودأبُ الكافرين -في كل زمان ومكان- التعجبُ من الحق وإنكاره، وعدم قبوله، بل رَدُّه ومعاندته، وإثبات الموت والبعث والنشور، وأنه داخل في قدرة الله تعالى، وأن من أساليب الصادِّ عن الحق: الإتيان بمسوغات ليُلَبِّس الحق على بعض من قلَّ علمه، بمعنى: إذا أصبح الإنسان شتاتًا رفاتًا في الأرض؛ فكيف يكون رجوعه؟!، وإثبات علم الله ¸، وأن علمه يشمل كل شيء؛ ما يتصوره الإنسان وما يَعجز عن تصوره، وإثبات اللوح المحفوظ، وأنه مُسَجَّل فيه كل ما جرى ويجري، ففيه محفوظ شقاء العباد وسعادتهم، وإثبات أن القرآن الكريم حَقٌّ لا يعتريه الباطل بوجه من الوجوه، وأنه محفوظ بحفظ الله تعالى، وأهمية استثمار العبد عقله وفهمه فيما يُقَرِّبه إلى الله تعالى، وفي إثبات الحق والنبوة والبعث والنشور.
كما تناول الكتاب الفوائد التي جاءت من الآية (6 – 11)، الحث على النظر في ملكوت الله وفي خلقه وكونه؛ للتفكر والتأمل في بديع خلق الله تعالى، والإنكار والتوبيخ لمن صرف نظره عن الاستدلال بالشواهد والآيات الساطعة على عظيم قدرة الله -تعالى- استكبارًا وجحودًا، وإثبات عُلو الله على خلقه، وأهمية النجوم، وأنها من آيات الله الدالة على قدرته تعالى، وزُيِّنت بها السماءُ، وسَمْكُ السماء وزينتها وبديع صنعتها، والأرض وما فيها من الرواسي والنبات وأنها شواهد على عظم قدرة الله واستحقاقه للألوهية، وإثبات صفة الرزق لله، وأنه هو الرازق وحده دون سواه، وإثبات البعث بعد الموت، وقدرة الله -تعالى- على الإعادة، وهي أهون عليه، وقد خلقهم أول مرة، وأن من المخلوقات ما هو أعظم من خلق الإنسان؛ فمن قَدر على خلق تلك المخلوقات يسهل عليه البعث والنشور.
وجاءت من فوائد الآيات (12 – 14)، في سورة ق تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار الرسل السابقين، والدعوة إلى الاعتبار؛ ففي قصص السابقين عبرة للمكذبين الَّذِين كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألَا تخشون أن يَحِلَّ بكم ما حَلَّ بمن كذَّب رسل الله قبل محمد: نوحًا، وعادًا، وثمود، وفرعون، ولوطًا، وسائرَ الأنبياء؟!، والوعيد الشديد لمن كذَّب رسولًا، وأن من كذَّب رسولًا كذَّب المرسلين جميعًا، وإثبات وعدِ الله¸ للمؤمنين ووعيدِه على الكافرين.
فوائد الآيات من (15-18) إثبات البعث بعد الموت، وأن إعادة الخَلق أهون من بدايته؛ وإثبات خَلق الله للإنسان، وعِلمه المحيط بكل شيء حتى الوساوس وحديث النفس، والحث على مراقبته، لا سيما فيما يلفظ العبد من الأقوال؛ فيحذر من الكلام في الأعراض: في أعراض الصالحين، أعراض الأخيار، أعراض ولاة الأمر، أعراض العلماء، أعراض الدُّعاة إلى الله وأهل الخير، أعراض أهل الحِسبة، بل أعراض المسلمين جميعًا كلها، وأن كل ما يعمله الإنسان مكتوب مسجل، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وأن الله كما خلق الإنسان خلق عمله، ووجوب توقير الله، وأن على العبد -وهو يفعل الحسنات والسيئات- أن يستشعر مخافة الله؛ فإذا فعل السيئة -أو تَذَكَّر قبل أن يهُمَّ بها- فعليه أن يتوب إلى الله ويستشعر رقابته سبحانه، وإثبات وجود الملائكة، وأنهم يقومون بأعمال عظيمة؛ منها: حِفظ الناس، وتدوين أعمالهم، وأن فيهم الرقيب والعتيد، ورحمة الله بعباده: أن هيأ لهم الملائكة، وفتح لهم أبواب التوبة، حتى تُمحى هذه السيئات، وتوقير الجلساء، واستشعار معية هؤلاء الملائكة للإنسان؛ فيستحي منهم ويتأدَّب معهم، ويُكثِر من الحسنات ويتجنَّب السيئات.
أما باقي الآيات فجاءت فوائدها إثبات الموت، وأنه حقٌّ يقينيٌّ لا مِراء فيه، وأن الغافل والمعرِض في منأى وحَيْدَةٍ عن طريق الحق، وإثبات البعث، وإثبات الملائكة، وحِفْظُ الله الأعمال العباد، وكتابة وإحصاء ذلك، وفيه إثبات أن الكفار والغافلين يرون هذه الحقيقة والبعث بكل قوةٍ وحِدَّة بصر، ولا يمكن أن يحيدوا أو يغفلوا عنها، وأن الإنسان لا يبقى له إلا عمله الصالح، وإلا فشيطانه سيتبرَّأ منه، فعلى الإنسان أن يتبرَّأ من الشيطان قبل أن يتبرَّأ الشيطان منه، وإثبات ما تُدوِّنه الملائكة، وإثبات وجود النار، واستحقاق الكفار للنار -والعياذ بالله-، ومن صفات أهل النار: (الكفر، والعناد، ومنع الخير، والاعتداء، والرِّيبة، والشرك بالله)، وأهل النار يختصمون فيها، وأن ذلك حقٌّ، وعدل الله؛ فما كان ليُهلك القرى إلا وأهلها ظالمون، والدعوة إلى الاعتبار بمآل مَن سلف ممن انهمكوا في الضلالة والطغيان، وأنه مهما بلغ الإنسان من القوة الجسدية، والنبوغ الفكري، والذكاء الألمعي، والثراء المادي؛ فلا محيص له من قضاء الله ï وقَدَره إذا نزل وحَلَّ، وأن توحيد الله والإيمان برسله سببُ أمنِ العبد في الدنيا ونجاته في الآخرة، وأنه لاينتفع بالمواعظ إلا مَن استمع إليها فوعاها، وتعَقَّلها بعقله، وتفهمها بلُبِّه، وتقرير المعاد والبعث والنشور؛ لأنَّ مَن قَدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن- قادرٌ على أن يحيي الموتى بطريق الأَوْلَى، وتنزيه الله عن صفات النقص، ومما لا يليق به، وجوب الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، فبالصبر تُنال الإمامة في الدين، وأن مما يعين العبد على الصبر وتحمل المشاق ومكابدة الصعاب: الصلاة وكثرة ذكر الله، ومشروعية الذكر والدعاء بعد الصلاة فُرادى، وتقرير البعث والنشور، وتفصيل مبادئه، وإثبات الجزاء والحساب، وبيان عظيم قدرة الله؛ فلا يعجزه شيء، تسلية للدعاة إلى الله فيما يلاقونه من الأذى والصد في سبيل الدعوة، وأن مهمة الداعي تبليغ الدعوة إلى الله برفق ولين، دون تجبر وتكبر، وأمر هداية المدعوين إلى الله ، وحسابهم عليه، أن أعظم ما يوعظ به العباد، ويوقَظ به القلب، ويخوف به ويذكَّر، ويدل على الله، ويقرب منه: هو القرآن الكريم، ولا يستفيد من القرآن الكريم وبشاراته ونذاراته إلا مَن اتبعه وعمل بمقتضى أوامره ونواهيه، وتناسق بداية السورة مع خاتمتها؛ فافتتحت بالقَسَم بالقرآن الكريم، واختتمت بالتذكير بالقرآن الكريم؛ ليتناسق البدء مع الختام.
أما الفوائد التي جاءت في سورة الذاريات عظمة الله، وأنه -سبحانه- خلق هذه المخلوقات التي ذكرها في بداية هذه السورة، وذكر الرياح وفوائدها -كذلك السُّحب وما فيها من المطر- دلالة على عظمته، وامتنان على العباد بها، وإثبات الملائكة، وأنهم مؤتمرون بأمر الله؛ يسبحون بحمده، ويقومون بما أمرهم الله للخلائق من الوظائف، وبيان عظمة المخلوقات والآيات الكونية التي أقسم بها الله سبحانه، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم إلا بالله، وينبغي على العباد أن يتنبهوا لهذا؛ لأنه قد يجري على بعض ألسنة الناس القسم بغير الله، وهذا مخالف لصحيح الاعتقاد، وفي الآيات السابقة لفت لأنظار المكلفين أن يتأملوا في آيات الله الكونية، وإثبات البعث والنشور والآخرة، وإثبات الجزاء والحساب والثواب والعقاب في الآخرة، وإثبات عظمة خلق السماء؛ وتزيينها بالنجوم وهذا الخلق العجيب، وبيان كذيب المكذبين، واختلافهم في ذلك؛ حينما نزل عليهم القرآن وبُعث فيهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكذا حالهم إلى يومنا هذا؛ وبيان مصير المكذبين، وهو اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله، وإثبات عذاب النار واستحقاق الكافرين لدخول النار، والعياذ بالله؛ وبيان أنَّ من تحققت فيه الصفات المذكورة في الآيات، وبيانٌ بأن الله إنما خلق الخلق في هذه الحياة للعبادة وللقيام بتقواه، ثم أعد الجنان للمؤمنين، والعذاب للكافرين، والعياذ بالله، ودعوة للمسلمين جميعًا إلى الحرص على صلاة الليل، فلقد كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، وحَثٌّ على تَحَرِّي وقت السحر، والإكثار من الدعاء والاستغفار والتوبة في هذه الأوقات العظيمة؛ فيدعو المسلم لنفسه وللمسلمين بصلاح أحوالهم وحقن دمائهم واستتباب أمنهم واستقرارهم، والجمع بين العبادات البدنية والعبادات المالية، وبين الفرائض والنوافل، وأن التفكر بابٌ عظيم من أبواب الإيمان، وقد رَتَّبَ الله عليه الجزاء العظيم، ودعوة للتأمل في عجيب خلق الله -تبارك وتعالى- للإنسان، ودعوةٌ للسعي في طلب الرزق -وتعاطي الأسباب والبذل في تحصيل الرزق- بفعل الأسباب المشروعة، وأن البعث والجزاء والنبوة والقرآن حقٌّ لا يُمكن أن يُشك فيه، وبيان مكانة وفضل إبراهيم الخليل، حيث ابتدأ الله قصته بما يدل على الاهتمام بشأنها والاعتناء بها؛ فحين تَرِد القصص تجد قصة إبراهيم أول القصص، وهذا دليل على مكانته بين الأنبياء؛ فهو أبو الأنبياء وإمام الحنفاء، ومشروعية الضيافة، فقد ورد عن بعض أهل العلم؛ كالإمام أحمد القول بوجوب ذلك، بل بعضهم ذهب إلى أن الَّذِي ينزل ضيفًا ولا يستضاف له أن يخاصم عند القضاء، ويُلزم القاضي الخصم بإكرامه مدة ثلاثة أيام؛ وصف الله -سبحانه- الملائكة بكونهم ضيوفًا، ولم يكونوا كذلك، إكرامًا لإبراهيم في حسابه وظَنِّه، فلم يُكذبه الله تعالى في ذلك، وبيان أدب إبراهيم وحُسن لطفه في الحديث؛ وبيان كرم وسخاء نبي الله إبراهيم ؛ حيث بادر إلى إكرامهم، لما اشتهر عنه من الكرم، ولأن الضيافة من آداب الدِّينِ، وكان في إعداده الطعام لهم في غاية الأدب والتكريم والسمو؛ حيث انطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه؛ لئلا يَظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام، واختار الأجود، فقدَّم إليهم الطعام الدسم، وهو عجل سمين مشوي على الحجارة المحماة، وعرض عليهم الأكل بتلطف وعَرْض حَسَن دون أمر، وأهمية الدعوة إلى توحيد الله؛ لأن رسل الله ومنهم موسى، أرسله الله بالتوحيد والإيمان؛ فدعا فرعونَ إلى توحيد الله وربوبيته وألوهيته، فما كان من فرعون إلا أن اعترض؛ لأنه يدعي أنه الرب وأنه الإله، وهو في الحقيقة العبد الضعيف بين يدي الله تبارك وتعالى، ونصر الله لرسله ومَن سار على دربهم في كل زمان ومكان، وانتقام الله مِمَّن كذبوا دعوة الرسل، وأن نهايتهم العذاب في الدنيا والنار في الآخرة، وأهمية الرفق في الدعوة، فإذا كان مَن ادعى الربوبية وادعى الألوهية -وهو من أهل الظلم والجبروت والطغيان- يُدعى باللِّين؛ فكيف بغيره؟! كيف بالجاهلين أو الغافلين أو عصاة المؤمنين أو غيرهم؛ ممن ينبغي التلطف بهم في الدعوة لأجل أن يدخلوا في دين الله أو يسلكوا الصراط المستقيم، فليس شأن الداعية الغِلظة ولا العنف ولا حمل السلاح، وإنما هو رحمة ورِفق ولِين بالمدعوين، وكذلك لا بد من الصبر والتضحية وعدم الاستعجال للنتائج، وفي قصة عادٍ ونبيِّ الله هود آية وعِبرة، وهي عبرة لكل الناس حتى آخر الزمان، وعبرة لأمة محمد ؛ فلا يأمن أحدٌ كَذَّب الحق وخالف دعوة الرسل، فالذي أهلك عادًا بالريح، وأهلك ثمود بالصيحة، وأهلك فرعون بالغرق، وقوم نوح بالغرق- قادر على أن يهلك كل من خالف دعوة الحق في كل زمان ومكان، وعظة وعبرة للمكذبين الَّذِين يَغترون بجبروتهم وقوتهم حال صحتهم وقوتهم؛ فيحملهم ذلك على الاستكبار عن قبول الحق، وفي قصة ثمود وقصة نبي الله صالح أهمية الامتثال لأمر الله وأمر رسوله ، ومكانة الرسل ووجوب طاعتهم؛ فإنما أَمروا بأمر الله تبارك وتعالى، وبيان طغيان قوم ثمود مع ما أعطاهم الله من القوة والجبروت ونحت الجبال، وتكذيبهم بالآية التي أرسلها الله لهم، وما يحصل من نتيجة تكذيب دعوة الرسل: هو أن النصر للمؤمنين والعاقبةَ للمتقين، والعذابَ والنكالَ للمخالفين والمعرضين عن دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنه حينما يأتي العذاب لا يستطيع الإنسان دفعه، وإذا كانت هذه قوة الله؛ أليس جديرًا بالعباد الإيمان به وعبادته، والانطراح بين يديه وسؤاله تفريج الكروب ودفع المضار وجلب المنافع، في قصة نوح آيات وعِبر؛ منها: الصبر في الدعوة إلى توحيد الله، والتضحية في سبيل ذلك؛ فكم لبث نوح في قومه؟ تسعمائة وخمسين سنة؛ وهذه المدة الطويلة من دعوة نوح: تسلية للدعاة والعلماء في الثبات على ما هم عليه.
أما الفوائد التي وردت في سورة الطور فمنها إقسام الله تعالى بأشياء خمسة: هي (الطور، والكتب المنزلة، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور)؛ تشريفًا لها وتكريمًا، والقسم بالشيء يدل على شرف المُقسَم به، والقَسَم المذكور في مطلع السورة فيه دلالة على وحدانية الله وعلى وجوب الإيمان به، وعلى وجوب إفراده -سبحانه- بالعبادة، وإثبات الألوهية له سبحانه، والحكمة والعلم عند الله في اختيار المواضع الثلاثة: (الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور) كونها مواضع ثلاثة أنبياء، انفردوا فيها للخلوة بربهم، والخلاص من الخَلْق، ومناجاة الله وخِطابه؛ لما خُتمت سورة الذاريات بتحقيق الوعيد افتُتحت سورة الطور بإثبات العذاب الَّذِي هو رُوح الوعيد؛ وبيان بعض صفات المكذبين، كما في مطلع هذه الآيات؛ وفي الآيات بيان لما يلاقيه المكذبون؛ حيث يُدفع أهل النار إليها يوم القيامة دفعًا عنيفًا شديدًا، فيقال: إن خزنة النار يَغلون أيديَهم إلى أعناقهم، ويَجمعون نواصيَهم إلى أقدامهم، ويَدفعونهم إلى النار دفعًا على وجوههم وزَجًّا في أقفيتهم، وفي الآيات تقريع وتهكم بالمكذبين، فإذا دنوا من النار قالت لهم الخزنة للتوبيخ والتقريع والتهكم، وفضل التقوى، وما أعده الله لأهل التقوى في الجنات من النعيم المقيم، فلقد ذكر الله مما يكون في نعيم الجنة وبيان فضيلة الإيمان، وأهمية تربية الآباء للأبناء؛ وذلك لأن في الدنيا لا يُدرك الصغير التابع مساواة المتبوع، وإنما يكون هو تابعًا والأب أصلٌ؛ لفضل الساعي على غير الساعي، وأما في الآخرة فإذا ألحق اللهُ -بفضلِه- ولدَه به جعل له من الدرجة مثل ما لأبيه، ويُلحق الله الذرية الصغار والكبار بالآباء، والآباء بالذرية في المنزلة والدرجة في الجنة تكريمًا من الله وتفضلًا وإحسًانا؛ لتقر أعين الآباء بهم، ولا ينقص الأبناء من ثواب أعمالهم لِقِصَر أعمارهم، ولا ينقص الآباء من ثواب أعمالهم شيئًا بإلحاق الذريات بهم، وذلك بشرط الإيمان من الأصول والفروع، وزيادة كرمٍ من الله وفضل يُمد المؤمنين بأنواع الفاكهة واللحوم المختلفة -حسبما يشتهون- غير الَّذِي كان لهم، ويتناول بعضهم من بعض كأسًا، وهو إناء الخمر، وكل إناء مملوء من شراب وغيره، وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة، وبُنِيت دعوة الرسول على الإخلاص، وهكذا دعوات الأنبياء والمرسلين جميعًا، وفي الآيات تسلية للنبي ؛ كأن الله -سبحانه- يقول له: يا محمد، قد قمت بالدعوة إلى دين الله ، ولم تُرد من هؤلاء أجرًا؛ فاستمر على القيام بالدعوة إلى الله، وبيان شأن الكفار وأنَّ ديدنهم العناد ومكابرة المحسوسات؛ حتى إنهم لو رأوا بأعينهم أمارات العذاب النازل عليهم من السماء- كالشهب والصواعق- لما أيقنوا وظلوا على كفرهم، وللكفار عذابان: عذاب جهنم في الآخرة، وهو الأدهى والأمَرُّ؛ لأنه عذاب خالد دائم، وعذاب في الدنيا قبل موتهم، وهو أخف من عذاب الآخرة بالتعرض لمصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام وأنواع البلايا المتنوعة، والصبر مفتاح الفرج؛ لذا أمر الله نبيَّه وكلَّ مؤمن بالصبر على قضاء ربه فيما حمَّله من رسالته.