أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير فتحدث في خطبته الأولى عن السعي إلى سمو المعالي فقال: السعي إلى المعالي سمة كل مثابر نهاض شمير بعيد المنرعة، له همة تناطح النجوم، وغاية تشامخ الغيوم، يركب المراقي الصعاب، ويناضل لبلوغ الفضائل والمكارم والآراب، لا تثنيه الصوارف عن مرامه، ولا تمنعه العوائق عن غايته.
لا يبلغ العلياء غير متيم.. ببلوغها، يعصي لها، ويطيع
وإدراك المعالي مطلب شاق، لا ينال بالدعة والتمني، ولا يكتسب بالكسل والخمول، ولا يتحصل بالعجز والانقطاع والإحجام .
وقد قالت العرب: المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده.
ومن سعى إلى المجد بهمة شماء وصريمة محكمة؛ أدرك ما حازه الكمل من ذوي النباهة والنزاهة.
وتحدث فضيلته عن التكاسل عن السعي خلف مطالب الدنيا والأخرة فقال: وكم راغب في علم وما درس، وكم طامح في زرع وما غرس، وكم عازم
على تحبيس أصل وما حبس، وعلة ذلك: التثاقل والتلكو والتقاعس وضعف الهمم وضعف الإصرار والإرادة، وذلك ديدن كل مفرط بطيء النهضة واهن العزيمة حبيس التردد، وتتفاوت المراتب والمنازل بتفاوت الهمم والغايات؛ فهمة رفيعة لا تلحق جيادها ولا تقتفى آثارها، وهمة وضيعة تسامر الأمان وتنادم التواني، والرجال قوالب الأحوال إذا صغروا صغرت وإذا كبروا كبرت، وقيمة كل امرئ ما يطلبه، وذو المراتب العلية والمنازل السنية لم ينالوا ما انعقدت عليه نياتهم ويستوفوا ما امتدت إليه غاياتهم إلا بعد أن احتسوا مرارة المعاناة وتحملوا المكاره واستطابوا الصعاب وركبوا الشدائد؛ ففلفروا بعد لأي وسموا بعد عسر، ودون نيل المعالي هول الليالي، فهل يستوي من وصل بهمته الفراقد، وذوو الهمم الهوامد والنفوس الخوامد والقلوب الجوامد والعقول الشوارد؟ وهل يستوي من تنقل في المراتب تنفل البدر في سعوده ، وارتقى ذروة العلياء ارتقاء الكوكب في منازل صعوده، ، ومن أضاع زمانه في لهوه وسهوه وخموله ورقوده؟.
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن تعزيز الثقة في نفوس الناشئة فقال: وفي عصر الإبداع والاختراع الذي جازت به دوله مناكب الجوزاء؛ نحث كل يلمعي ذكي من ذوي النبوغ والتميز والإبداع والموهبة في البلاد الإسلامية على حذق العلوم التي لا يستغى عنها في قوام نظام العالم ومعايش الناس ورقي الدول وتطورها، كعلوم النبات والصناعات والطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيات والحساب والفلك وعلوم الأرض وأنظمة الأمن والطيران والصناعات الحربية والتكنولوجيا والتقنية والرقمنة والإدارة الإلكترونية التي أصبحت حتما يفرضه المحيط التنافسي الدولي وتوجبه رعاية الضرورات وتسهيل المعاملات وتذليل الصعوبات على سائر العباد، وغير ذلك من العلوم التي لو خلا بلد عمن يقوم بما حرج أهله وضاعت مصالحه وتعطلت منافعه وتأخر نموه ورقيه .
نشيد بطليعة العلماء والباحثين والمخترعين السعوديين الذين كان لآبائهم وأسلافهم في المجد سجل سجيل، وهاهم يصلون بلادهم مجدا بمجد
وعزا بعز وقد سموا للعلى وبلغو ذروته ووصلوا قمته ونافسوا ذوي النبوغ من سائر البلدان والأوطان.
وإلى مزيد من تعزيز الثقة في نفوس ناشئتنا وتنمية مهاراتهم ورعاية مواهبهم وتحفيزهم؛ حتى يكونوا الرأس المقدم والصدر المعظم، وكيف لا يتحقق ذلك وبلادهم معدن الذكاء والفطنة وينبوع الفهم والحكمة ومهد الرسالة وأقدس الـبلاد ولبها وأجلها، فـلا يعدل شرفها شرف وإن عظم، ولايوازي مجدها مجد وإن قدم.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن أسوأ الناس ونصح الناس الى التحليق نحو العلا فقال: وأسوأ الناس من سقطت همته وضعفت إرادته وفتر عزمه وكل حده، يمد إلى الأمور يدا جذماء، وينظر إليها بعين عمشاء، ويخالط الخملة والسفلة والسقاط المشائيم، ويرضى بالدون، ولا يقنع بالدون إلا من كان دونا.
لا ترض بالذل والدون، ولا تغض الجفون على الهون، ولا تركن عند الأذى والقذى إلى السكون، وحلق نحو العلا وصعد، وأدرس العلم وقيد، واصدح في ميدان العز وغرد، ولا تكسلنك المكاسل، ولا تيأسن ولا تقنطن؛ فهذه تباشير الصباح فاستفق، وهذه تعاشيب الربيع فاستبق، وهذه الغبوقة دونك فاغتبق، وابسط إلى معاهد الشرف كفا وذراعا، ومد إلى ذرى الفضائل باعا، وزن من مكايل المكارم صاعا
وصاعا.