الثلاثاء, 28 حزيران/يونيو 2022 21:39

الرئيس العام يلقي درسه الدوري بالمسجد الحرام في تفسير آيات الحج وتبيان أحكامه

قيم الموضوع
(4 أصوات)
ألقى معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس درسه في رحاب المسجد الحرام بعنوان: (التعليق على آيات الحج من تفسير السعدي شرح حديث جابر -رضي الله عنه- من عمدة الأحكام التعليق على زاد المعاد لابن القيم "الحج").

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: "أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ , وَقَدِمَ عَلِيُّ رضي الله عنه مِنْ الْيَمَنِ. فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ: أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً, فَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا, إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى «مِنىً» وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ. فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا, غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ, وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ: أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ".

وشرح معاليه أن حكم الحج في الأيام واجب مرة واحدة في العمر، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، ودليله من الكتاب قوله تعالى :{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }[آل عمران:97]، ومن السنة قَوله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" وذكر منها "وَحَجِّ الْبَيْتِ" [أخرجه الشيخان]، قال ابن المنذر: "أجمعت الأمة على وجوب الحج في العمر مرة واحدة".

مواقيت الحج:

تعريف الحج: الحج لغة: القصد.

وشرعا: قصد بيت الله الحرام لأعمال مخصوصة في زمن مخصوص.

تعريف المواقيت: جمع ميقات وهو في اللغة، كما جاء في الصحاح: الوقت المضروب للفعل والموضع، وقد استعير الوقت للمكان، ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام.

وشرعا: " مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة"، وتنقسم إلى قسمين:

الأول: الميقات الزماني للإحرام بالحج:

ذهب أبو حنيفة والشافعي، وأحمد إلى أن وقت الإحرام بالحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

وذهب مالك إلى أن وقت الحج: شوال، وذو القعدة، وشهر ذي الحجة إلى آخره.

وبين معاليه بأن من ما يستفاد منه من الحديث:
مشروعية الأنساك الثلاثة: التمتع، والقِران، والإفراد، إذ أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها كلها.

الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنا، فهو أفضل وأكمل، لمن ساق معه الهدي.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يفسخوا حجهم إلى عمرة، وهو الأفضل في حق من لم يسق الهدي.

جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير، فإن عليا رضي الله عنه علَّق إحرامه بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم.

جواز فعل المناسك للحائض، ماعدا الطواف بالبيت لاشتراط الطهارة في الطواف.

جواز الإتيان بالعمرة بعد الحج، ولا تسنُّ، لأنه لم يقع من الصحابة إلا من عائشة مرة واحدة، ولم ينقل عنها أنها فعلتها بعد ذلك.

أن الإحرام بالعمرة لمن كان بالحرم يكون من أدنى الحل، لأن العمرة جميع أعمالها في الحرم، فيخرج للحل للجمع فيها بين الحل والحرم.

وأوصى معاليه حجاج بيت الله الحرام قائلاً:إخوتي حجاج بيت الله الحرام: يامن تَجَشَّمْتُم الصِّعاب ، واسْتَسْهلتم الشدائد الصِّلاب، وجئتم من كُلِّ قُطْر سحيق، وسَلَكْتم كُلَّ فجٍّ وطريق ، إليكم هذه الوصايا:
الوصية الأولى : توحيد الله - سبحانه ، وإفراده بالعبادة ، دون سواه ، كما قال تعالى : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً}[الحج:26] ، فأَعْظَمُ مقاصد الحج ومنافعه: تحقيق التوحيد ، وتخليصه من التنديد ، فالتوحيد أولاً وآخراً ، والعقيدة ابتداءً وانتهاءً ، يقول جلَّ في علاه :{ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] .


الوصية الثانية : تحقيق الإخلاص لله - تعالى - فعليكم ـ يارعاكم الله ـ بالإخلاص ، فهو القاعدة والأساس ، وليس إلاَّ به الفلاح والنجاح والخلاص ، قال تعالى : { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي }[الزمر:14]: وقال سبحانه : { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3] ، وقال  : (( إنما الأعمال بالنِّيات )) [خرّجاه في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه].

الوصيـة الثالثـة : تحقيق المتابعة للحبيب المصطفى  كمـا وصَّى الله - سبحانه وتعالى - بقوله جَلَّ من قائل :{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، وفي قوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
الوصية الرابعة : الاستمساك بالتقوى ، فَبِالتَّقْوى كل أمرٍ يَزْكُو ويَقْوى ، ويبلِّغكم بإذن الله جنَّة المأوى . وهي : امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، بفعل كل مأمورٍ به ، وترك كل مَنْهِيٍّ عنه ، حسب الطاقة .

الوصية الخامسة : استشعار عظمة هذه الفريضة الجليلة ، وإنزالها المكان الأرفع من شعائر الإسلام، فهي الركن الخامس من أركان الإسلام ، وهو تمامه وكماله ، وختامه لكل مسلم . ومن أدَّاه مُوافقاً لهدي المصطفى  خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه.

الوصية السادسة : وجوب تعظيم مكانة البيت العتيق ، واستشعار قداسة هذه البقاع ، وأنَّها أشرف وأطهر ، وآمن بقعة على وجه البسيطة ، وأنَّ لها خصائص وفضائل جُلَّى ، جاء بها الشرع الحنيف ؛ فلا يُسْفَك فيها دم ، ولا يُعْضَدُ شجرها ، ولا ينفَّر صَيْدها ، ولا تُلْتَقَطُ لقطتها إلاَّ لمن عرَّفها ، فالشجر والإنسان والنَّبات والحيوان في مأمن تامٍّ من الخوف والأذى ، فكيف بالمسلم ؟! ، قال - جلَّ في عليائه - : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [آل عمران:97] ، فلا يجوز أبداً أن يُحَوَّل هذا المكان الحرام ، إلى ما يُنافي مقاصد الشريعة ومآلاتها، فلا يُرفع في أرجائه شعارٌ إلاَّ شعار التوحيد الخالص لله، ولا يَحِلُّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يروِّع الآمنين ، أو يُعَكِّر صَفْوَ الخاشعين ، أو يصرف هذا الركن العظيم عن غايته وحقيقته ، إلى مآرب مشبوهة، تخالف شرعة الإسلام، وهدي خير الأنام.

الوصيَّة السابعة : الاستعداد لهذا الركن بالعلم النافع والفقه في أحكامه ، والتبصُّر في أدائه ، يقول - سبحانه - في شرف العلماء وقَدْرِهم :{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، ويقول  : (( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) [خرّجه الشيخان من حديث معاوية  ] ، ويقول  : (( من يُرِدِ الله به خيراً يُفَقِّهه في الدِّين )) [خرّجه الشيخان من حديث معاوية رضي الله عنه ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب برقم67].
الوصية الثامنة : الاستقامة في السلوك، وطهارة الجوارح من الآثام والمعاصي، فإنهما سبب الخسران والمآسي ، يقول الباري سبحانه : {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ }[البقرة:197] ، والرّفث: كُلّ ما يُسْتَحْيَى من ذِكْرِه من أمور الجماع ومُقَدِّماته ، وأَمَّا الفُسُوق فهو : الوقوع في الذنوب والمعاصي ، قليلة كانت أو كثيرة .

الوصية التاسعة : السعي الحثيث لتحقيق بِرِّ الحج ؛ والحج المبرور - كما قال أهل العلم - هو: الذي لا يُخالطه شيء من المآثم.
الوصية العاشرة : التحلِّي بالآداب الشرعية الرفيعة السامية ، والأخلاق العالية ، والتخلِّي عن كُلِّ ما يخالف الخُلُق والأدب مع الله سبحانه ، أو مع عباده ، يقول  : (( إنَّ المؤمن لَيُدْرِك بِحُسْن خُلُقِه درجة الصائم القائم )) [رواه الإمام ابن حبان برقم1927] ، ويقول  : (( أَكْمَلُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً )) [الإمام أحمد برقم 7402].

أخي الحاج الكريم: ومما أسترعي إلَيْه جلّ اهتمامك ، وجوب الحذر من إيذاء إخوانك المسلمين ومضايقتهم ، سواء باليد أو اللسان ، بالقول أو الفعل ، كالمزاحمة والإيذاء في الحرم وفي الطرقات وعند الأبواب، وعند الرمي ، وفي كل المشاعر ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] ، فالحَجُّ مدرسة لتعليم الأخلاق الكريمة والسجايا السمحة ، والشمائل النبيلة : مِن الصبر والتَّحَمُّل والتعاون والإيثار ، بعيداً عن العنف والغلظة ، وطوبى لمن عَقَلَ لسانه وكَفَّه ، وأطلَق في هذه الأيام المباركات بالخير بَنَانه وكَفَّه!! ويجمع هذه الطائفة من الأخلاق الشَّفِيفَة.

قراءة 918 مرات