الجمعة, 08 تموز/يوليو 2022 15:14

فضيلة الدكتور ماهر المعيقلي بخطبة الجمعة: أيامكم هذه، عظم الله شأنها، وشرف قدرها، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن العمل الصالح فيها، أحب إليه سبحانه من غيرها

قيم الموضوع
(1 تصويت)


أمّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي المصلين بالمسجد الحرام واستهل خطبته قائلاً: أمة الإسلام: أيها المسلمون في كل مكان: أيامكم هذه، عظم الله شأنها، وشرف قدرها، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن العمل الصالح فيها، أحب إليه سبحانه من غيرها، ففي مسند الإمام أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ))، فمن كان في هذه الأيام محسنا فليزدد، ومن كان فيها مقصرا فليتدارك، فقد بقي منها أفضل أيامها، يوم عرفة، ويوم النحر والقر، فيوم عرفة من أجل أيام الدنيا، وأعظمها بركة وفضلا، وفيه ركن الحج الأعظم، فالحج عرفة، وفيه أكمل الله تعالى الملة، وأتم النعمة؛ فعلى أرض عرفة، وفي يوم الجمعة، نزل جبريل عليه السلام، بقول الرب جل وعلا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾.

إخوة الإيمان: لقد اجتمع لنا اليوم عيدان، عيد الجمعة وعيد عرفة، ففي يوم الجمعة، يجتمع الناس للخطبة وصلاة الجمعة، وهو يوم الذكر والدعاء ؛ وفي عصر الجمعة ساعة استجابة، لا يوافقها داع إلا استجيب له، وأهل عرفة كذلك يجتمعون بعرفة، للذكر والدعاء، وقد مكث صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفات، مستقبلا القبلة، رافعا يديه بالدعاء، إلى أن غربت الشمس، وفي عشية عرفة، يدنو الرب جل جلاله من عباده، ويجيب سؤلهم، ويمحو خطاياهم، ويعتق رقابهم، ويباهي بهم ملائكته، ففي صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟))، أي: أي شيء أراد هؤلاء، حيث تركوا أهلهم وأوطانهم، وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم، فما أرادوه من المغفرة والرضاء، والقرب واللقاء، هو حاصل لهم، فأخلصوا - يا عباد الله - لله أعمالكم، وابتهلوا وتضرعوا إلى ربكم، وأكثروا من ذكره، وتعرضوا لرحمته، تفوزوا برضوانه وجنته.
أيها المؤمنون في كل مكان: لا يختص فضل يوم عرفة بأهل الموقف، بل فضله لكل مؤمن ومؤمنة في أرجاء الدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم، حث على صيامه لغير الحاج، وقال: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))، رواه مسلم، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "ويوم عرفة، هو يوم العتق من النار، فيعتق الله من النار، من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها، من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه، عيدا لجميع المسلمين، في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم، ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾.
واستهل فضيلته خطبته الثانية قائلاً:
أما بعد معاشر المؤمنين: أخرج الإمام مسلم في صحيحه، من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب الناس وهو في عرفة، فكانت خطبة عظيمة، في يوم عظيم، من خاتم الأنبياء والمرسلين، بين فيها قواعد الإسلام وأصوله، وهدم فيها أساس الشرك وفروعه، وأكد حرمة الدماء والأعراض والأموال، التي اتفقت على تحريمها الملل، وحرص صلى الله عليه وسلم في حجته، على تحقيق الأخوة والسماحة والسلام، فقال: ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ))، ونبذ صلى الله عليه وسلم النزاعات والنعرات، فالناس كلهم لآدم، وآدم من تراب، لقد تضمنت خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قواعد جليلة، وآدابا كريمة، فهي رسالة حضارية، إلى كل البشرية، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، فجمع صلى الله عليه وسلم في خطبه، توجيهات عقدية، وإرشادات اجتماعية، فأوصى الرجال بالإحسان إلى النساء، وبين مالهن وما عليهن، وأوجب على النساء طاعة الأزواج، ففي سنن الترمذي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ، أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ))، قال الإمام الذهبي رحمه الله: "وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها، وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها، واللطف بها، والصبر على ما يبدو منها، من سوء خلق وغيره، وإيصالها حقها من النفقة والكسوة، والعشرة الجميلة، لقول الله تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾"، ثم أوصى صلى الله عليه وسلم، في ختام خطبته بعرفة، بالاعتصام بالكتاب والسنة، فقال: ((وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ))، فالقرآن كتاب هداية، فمن اتبعه فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عنه شقي في الأولى والأخرى، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، - أيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ، ((اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ))، رواه مسلم، ونحن نشهد بأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلوات ربي وسلامه عليه.
أمة الإسلام: غدا يفرح المسلمون بعيدهم، ويتقربون إلى ربهم بذبح ضحاياهم، وهي سنة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، اتباعا لسنة الخليلين عليهما الصلاة والسلام، فالأضحية شعيرة عظيمة، وعبادة جليلة، فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله وفضله، والزموا ذكره ودعاءه، واشكروه على ما أولاكم، وكبروه على ما هداكم، ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾.
IMG 20220708 151256 409IMG 20220708 151304 543
قراءة 1168 مرات