الجمعة, 09 أيلول/سبتمبر 2022 15:28

فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة: لن يُعدم الصاحب من صاحبه التَّقيِّ خيراً ، يُحصّلُ منه علماً ، يذكره إن نسي، ويعينه إن تذكر، يثبت بثباته، ويصبر معه على مكارهِ الطريق، ويتواصى معه بالحق

قيم الموضوع
(1 تصويت)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: الصداقة تملأ حياة الإنسان بالمودة والأنس وتغمره بالسعادة والسرور وهي ضرب من الأخوة الإيمانية في أبهى صورها ، ومبدأ الأخوة الإيمانية مطلب شرعي وغاية نبيلة ومصلحة عليا ، اعتنى الإسلام بها ، وفي الحديث ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) ، وخلّد القرآن الكريم أجلّ صحبة ، مع أعظم رسول في موقفٍ سطّرهُ التاريخ ؛ قال تعالى ﴿إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا ﴾
نالَ الصدّيق أبو بكر -رضي الله عنه هذه المنقَبة الظاهرة، والصحبة الغالية بالبذل والتضحية والحبّ الصادق حتى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ، فَما أُوذِيَ بَعْدَهَا).
والمسلم بحاجة إلى الصديق في كل حال من شدة أو رخاء ، فعند الشدة تلتمس منه المعونة وعند الرخاء تكتسب منه المؤانسة ، والمؤمن قوي بإخوانه ، كثير بهم ، قليل بنفسه ، فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق ، ثم إن المصباح الواحد مهما كان قوي الإضاءة فقد تضعف إنارته في أي لحظة ، فلا يسلم المرء من الغفلة فيحتاج إلى من ينبهه ومن النقص فيحتاج إلى من يكمله .
والعاقل ينتقي الصاحب الوافر العقل، المتشبّع بالحكمة ، فما كلً صاحب يُشدّ بهِ الظّهر.

ثم أشار فضيلتهُ إلى أنّ ‏الصداقه الجوفاء المبنية على المصالح الشخصية ‏والمنافع الذاتية ‏التي يظهر زفها فتنهار دعائمها عند أول طارئٍ يطرأ، لأنها لم تُبن على أساس راسخ ، ومحبةٍ صادقة.
ولِذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذُ من صاحب السوء فيقول: (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من يومِ السوءِ ، و من ليلةِ السُّوءِ ، و من ساعةِ السُّوءِ ، و من صاحبِ السُّوءِ).

وبيّن فضيلته: أنّ الإنسان قد يعيش في أوضاعٍ صعبة، ووحشةٍ من حاله، فيَجِدُ سلوتهُ في صديقهِ المنصفِ في صداقته، صادقِ الوعدِ في معاملته.
ويشعُرُ الصديق مع صديقهِ بشعور العزّة، فالنظير يَهَشُّ لنظيرهِ ويعتضد به، فإذا ذهبَ النّظير بقيَ فرداً في عزلةٍ ووحشة وغربة.
وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمهُ الله- "إذا مات أصدقاء الرجل ذل" ، ولعمري إنّ لقاء الأصدقاء مسلاةٌ للهم ومذهبة للأحزان.
كما أنّ الصديق هوَ من يتوجع لأجلك، وهو من يواسيك ويقف بجانبك عند شدّتك.

وأوضح فضيلته بأنّ نعمة الألفة بين القلوب لا تقدر بثمن فمن وجد له أخاً مرضي الخصال فليتمسك به ، فإن أعجز الناس من فرط في طلب الأصدقاء الأوفياء ، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم ، ولن يعدم الصاحب من صاحبه التَّقيِّ خيراً ،يُحصّلُ منه علماً ، يذكره إن نسي، ويعينه إن تذكر، يثبت بثباته، ويصبر معه على مكارهِ الطريق، ويتواصى معه بالحق ، قال تعالى ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ).
وإنْ أردتّ النفع ‏في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، ‏فعليك بإخوة الصدق : ﴿الأَخِلّاءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقينَ﴾ ، أمّا الآخرُ فيقول: ﴿يا وَيلَتى لَيتَني لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَليلًا [٢٨] لَقَد أَضَلَّني عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذ جاءَني﴾.
و‏إذا عاشرت صحبةً فأبقِ لهم المودة والاحترام، ‏وتغاضَ عن هفواتهم، واصبر عليهم صبراً جميلاً، فحتّى صُحبةُ الصالحين بحاجة إلى الصبر ﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم ﴾.

وأشار فضيلته إلى أن ثمة نوع من الصداقات أفرزته التقنية الحديثة والحضارة المعاصرة ، صداقات افتراضية عبر قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا مجال يتوافر فيه الخداع والاستغلال والوقوع في السلوكيات الخاطئة والتوجيهات الخطيرة، التي تؤثر على الأمن الفكري والنسيج الاجتماعي، ويزداد الأمر خطورة إن تكونت صداقات بين ذكر وأنثى، إذ هو من قبيل اتخاذ الأخدان المنهي عنه في القرآن .

ونوّهّ فضيلته في ختام خطبتهِ إلى أنّ المحبة والصداقة إما أن تكون للمنفعة ، وإما أن تكونَ للذّة، وإمّا أن تكونَ للفضيلة.
فأمّا ما كان منها للمنفعة أو اللذة فليسَ بمعدودٍ من خصالِ الشرف، وكما قيل "مَنْ ودَّك لأمرٍ ولّى عند انقضائِه"، وأما ما كان للفضيلة فهو الصداقة الحقّة.
‏وهذه الصداقة تشبه سائر الفضائل ‏في رسوخها في النفس، وإيتائها ثمراً طيباً في كل حين، ‏وهي التي توجِد من الجبان الشجاعة؛ ومن البخسلِ سخاءً؛ فالجبان قد تدفعه قوّة الصداقة إلى أن يخوض في خطرٍ؛ ليحمي صديقهُ من نكبة، والبخيلُ قد تدفعهُ قوّة الصداقة إلى أن يبذل جانباً من ماله لإنقاذ صديقهِ من شدّة؛ فالصداقة المتينة لا تحلّ في نفسٍ إلا هذّبت أخلاقها الذميمة.
قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾
قراءة 1119 مرات