السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2022 10:04

فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي في خطبة الجمعة : من السنن الإلهية المطردة أن الإنسان لا يحصُد إلا ما زرع ولا يجني إلا ثمرة غرسه ونِتاج عمله

قيم الموضوع
(1 تصويت)


أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل فضيلته خطبته الأولى قائلاً: إن لله عز وجل سننا ثابتة أقام عليها الكون وأحكم بها شؤون العباد، ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾
   ومن السنن الإلهية المطردة التي لا تتخلف أن الإنسان لا يحصُد إلا ما زرع ولا يجني إلا ثمرة غرسه ونِتاج عمله. وهذه حقيقة قد تضافرت عليها الأدلة من الكتاب والسنة قال جلّ وعلا: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وَقال جل ثناؤه: ﴿مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰٓ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ وفي الحديث القدسي: (.. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)
حصادك ما زرعت فكن حصيفاً 
      لتظفر بالمنى يوم الحصاد 

وأحْسِنْ ما زرعت تجده ظلّاً 
          ظليلاً في الحياة وفي المعاد 

وإلا فانتظره من عقــــاب 
          ومـن لـوم أشـدَّ من القتـادِ

عباد الله: نحن في هذه الدنيا الفانية منا من ينقذ نفسه فيربح ومنا من يهلك نفسه فيخسر قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَهُ فمعتقُها أو موبِقُها) فتذكر على الدوام قول الملك العلام ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ فأيَّ طريق تريد أن تسلك؟ وأيَّ هَدي تروم أن تتبع؟ فإن من يعمل في الدنيا بِطاعة اللَّه وطاعة رسوله فلن يزيغ عن طريق الحق، ولن يشقى في الآخرة كما قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولايشقى﴾. ومن يُعرض عن طاعة الله، ويَحيد عن منهجه ويأبى الخضوع له؛ فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. إن هؤلاء ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ تركوا ذكره بِالعِبادة والثناء عليه، فتركهم من توفيقه وهدايته وكرامته، وتركهم يوم القيامة فِي عذابه.

 عباد الله: من أراد أن يكون حصاد زرعه حسنا وعاقبة أمره حميدة فليتمسك بدينه وليثبت عليه قال تعالى ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ فحَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيم قد أجرى عَادته بِكرمه أَنَّهُ مَنْ عَاش على شيء مات عليه، وَمن مَات على شيء بُعث عليه. ومن أراد السعادة فليطلبها من مظانها ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

وأضاف فضيلته قائلاً: هناك من يزرع الخير في هذه الدنيا ويقدم لنفسه فيربح ربحا وفيرا ومغنما كبيرا ويرحل تاركا وراءه ثمارا يانعةً وظلالا وارفة ينعم بها من يأتي بعده ويخلفه. ولنتأمل -رعاكم الله - قول الله تبارك وتعالى ﴿وكان أبوهما صالحا﴾ قال ابن كثير رحمه الله: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة" وحري بك عبد الله أن تدعو الله أن يجعل لك ذكرا جميلا وثناء حسنا بعدك تذكر به، ويقتدى بك في الخير كما دعا إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿واجعل لي لسان صدق في الآخرين﴾ وانظر ما تبقيه بعدك من أعمال البر أو الإساءة قال تعالى: ﴿ونكتب ما قدموا وآثارهم﴾ ﴿ما قدموا﴾ من خير أو شر فعلوه في حياتهم ﴿وآثارهم﴾ ما سنوا من سنةِ خير أو شر فاقتُدي بهم فيها بعد موتهم.
والمرء مؤاخذ بجريرة عمله، وما نزرعه اليوم نحصده غدا فحذار من اتباع الهوى وملازمة العصيان؛ فكم من مستهين بحرمات الله حلت به عقوبة الله وخزيه ونكاله. وكم من معافى مستترٍ بالمعاصي جاهَرَ وبارز الله بالخطايا؛ ففضحه الله وهتك ستره وأظهر عواره. وكم من مظلوم دعا على ظالمه فأهلكه الله وانتقم منه وأرداه، وهكذا فكل امرئ ينال جزاءَ فعله. وإنه من يزرع الشر يحصد في عواقبه ندامة. ولا يغب عنا قول ربنا: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ "

وفي الخطبة الثانية بيّن فضيلة الدكتور فيصل غزاوي على أن الفرق كبير والبون شاسع بين من يعمل خيرا فيطيب سعيه ومن يعمل سوء فيخيب سعيه؛ فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة القراء السبعين ليعلموهم عرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، وأتى رجل حَرَام بنَ مِلحان، خالَ أنسِ بن مالك من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام:(فزت ورب الكعبة) وأنزَلَ اللهُ تعالَى في شأْنِ هؤلاء العظماء الذين قُتلوا قُرآنًا يُتْلى: (إنَّا قَد لَقِينا ربَّنا فرَضِيَ عنَّا وأرْضانا)، ثمَّ نُسِخَت تِلاوتُه.... فانظروا حرص الصحابي الجليل حَرامِ بنِ مِلْحانَ رضي الله عنه على الشهادة وفرحَه لنيلها وقد حصد بفضل الله ثمرة غرسه وفاز ببغيته وهؤلاء القراء الذين عاشوا على هدى أفلحوا ولما لقوا ربهم أكرمهم وأحسن وفادتهم ووفاهم أجورهم ورضي عنهم وأرضاهم. ولما تمادى عتيبة بن أبي لهب في سب النبي صلى الله عليه وسلم وأذيته ووقوعه في عرضه وتهكمه به كان عاقبة أمره خسرا فقد اشتهر في مرويات السيرة أنه خَرَجَ نفر مِنْ قريش حتى نزلوا فِي مكان من الشام، فجمعوا أحمالَهم فَفَرَشُوا لعُتَيْبَة عَلَيْهَا وَنَامُوا حَوْلَهُ، فَأَطَافَ بِهِمُ الأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، فعدى عَلَيْهِ الأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فشقه فَمَاتَ مَكَانَهُ ".فانظروا كيف نالته نقمة الله وحصد سوء فعله وجوزي شر الجزاء على ما كان يقابل به رسول صلى الله عليه وسلم من الاستهزاء والتنقص وكذا طالت العقوبة أباه أبا لهب الذي جاهر بعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكتف بمعارضته بل عمل على الكيد له وأذيته وصدِّ الناس عنه، وكذا زوجته؛ فقد كانت عونا له على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وتسلطت عليه بلسانها وحملت عليه حملةَ إيذاء وسخرية واستهزاء، كان شعارها " مُذمَّمًا قَلَيْنا، ودِينَه أبَيْنا، وأمرَه عَصَيْنا " وكانت تضع الشوك في طريقه فماذا كان الجزاء؟ ولمن كانت الغلبة؟ الجواب والبيان في سورة المسد التي بينت كيف حصد الخاسران المذممان، أبو لهب وامرأته حمالةُ الحطب، الدمارَ والعطب، بسبب سوء فعلهما وقبيح جرمهما، وما كان الله ليخذل نبيه صلى الله عليه وسلم بل يكرمه ويعزه وينصره قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من خصه الله بالفضائل فقد أراد به خيرا كما قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي وخاف على نفسه كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتَكسِب المعدوم وتَقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فاستدلت بعقلها على أن من جعل الله فيه هذه المحاسن والمكارم التي جعلها من أعظم أسباب السعادة لم تكن من سنة الله وحكمته وعدله أن يخزيه بل يكرمه ويعظمه فإنه قد عرف من سنة الله في عباده وإكرامه لأهل الخير وإهانته لأهل الشر ما فيه عبرة لأولي الأبصار).
IMG 20221203 100617 558IMG 20221203 100642 194IMG 20221203 100642 282
قراءة 1373 مرات