خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: يقلب الإنسان ناظريه في هذا الكون الفسيح فيقف مشدوهاً وهو يرى الجلال والجمال والكمال والنظام والانسجام في كون لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي أسراره، والقرآن يحث على التدبر والتفكر في ملكوت السماوات والأرض؛ قال الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ)؛ ترى في كل يوم إعجازاً وإتقاناً؛ ليل يجيء ونهار يذهب ونهار يجيء وليل يذهب في حركة دائبة وجري لا يقر، ولم تقل البشرية يوماً منذ بدء الخليقة تأخر الليل عن المجيء في وقته أو طلوع الشمس قبل موعدها؛ فمن يدبر الأمر، ومن ينظم الحركة في تعاقب لا يختل وتبادل مواقع لا يتوقف.
وأضاف: ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يأتوا بالليل في موضع النهار أو بالنهار في موضع الليل ما استطاعوا، يقول سبحانه: (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ* قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ)
الليل يسدل أستاره بضياء القمر اللطيف الهادئ ليحقق السكون والهدوء، والشمس تضيء الدنيا كلها
بسراج وهاج ، تبث في الكون الحياة وفي النفوس النشاط للمعاش والأعمال، ولتزهر الحياة، ويسعد الأحياء؛ وفي معرض الإعجاز والإبداع؛ يقول تعالى: (والشمسُ تَجْري لِمُستقرٍ لَهَا)، حركة الشمس جري هادئ غير مضطرب وغير محسوس، ويقول سبحانه: (والقمَرَ قدَّرناهُ مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيم).
قدّر للقمر منازل وأزماناً يمر بها حتى يصير هلالاً دقيقاً، حتى أنه لا يكاد يرى من فرط دقته، وانحنائه بانتظام بالغ؛ فمن خلقهما ومن أودع فيهما النور والضياء؟! ومن حفظ سيرهما ومسارهما؟! ومن يدبر أمرهما صباح مساء؟! سبحانه ما أعظمه؛ (صُنع الله الذي أتقن كل شيء).
وأكمل فضيلته: وفي صفحة أخرى من صفحات هذا الكون الذي يبهر العقل ويثير الدهشة؛ يقول سبحانه: (وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)، خلق الله البحر على هذه الصفة العظيمة وجعله ميسراً للانتفاع؛ قابلاً لحمل المراكب، وألهم الإنسان صنع المراكب على كيفية حفظها من الغرق في عباب البحر وعصمهم من توالي الرياح والموج في أسفارهم؛ إنه تقدير قادر ونظام خالق.
وأضاف: ولا تخطئ العين ذلك المنظر البهيج، البساط الأخضر الذي يغطي اليابسة، نجد النبات وقد وشح الأرض بأجمل الألوان وكساها بأبهى الأغصان، ونرى ثماراً مختلفة تسقى بماء واحد
يفضل الله بعضها على بعض في الأكل، وتقف البشرية مذهولة أمام كون غاية في الإبداع والإعجاز والإتقان؛ وما يزال الحق سبحانه يكشف للناس شيئاً من أسرار الكون وآياته وباهر صنعته في كل أمة ومكان وفي كل عصر وزمان لتقوم الحجة وتظهر المحجة إلى قيام الساعة.
أما الأرض فيرى كل من مشى عليها عظمة خلقها؛ سهوها ومهادها ومدها واستقرارها أنهارها وعيونها
وجبالها الشامخة الراسية وهوائها النقى الذي به تنتعش الأنفاس ولو تعطل لحظات لعطبت الحياة وفنى الخلق لكنها رحمة الله التي تحفنا وحفظنا في يقظتنا ونومنا؛ ذلك ظاهر ما نرى؛ فكيف بباطن ما لا نراه، وهو أكثر إبداعاً وإعجازً؟!.

ولكي ندرك رحمة الله بحفظ الأرض واستقرارها انظر إلى أثر الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تحدث للحظات ثم تأمل ثبات الأرض على مدار الحياة كلها وعبر العصور وتعاقب الأجيال؛ من الذي أرساها لكيلا تميد، وثبتها حتى لا تضطرب؛ فهذه الزلازل والأعاصير والفيضانات جارية في نظام سنن الله في الكون لحكمة لا نعلم كنهها؛ وهي رحمة من رب العالمين، وإسقاط هذه الأحداث على قوم بعينهم في زمن بعينه على أنها عقوبة؛ رجم بالغيب، وافتئات على الشرع؛ فقد يكون البلاء تنقية أو تطهيراً أو اصطفاء وتكريماً، وقد تجتمع كلها.
وبيّن: والبلاء له صنوف وأحوال، فقد يبتلى أقوام بأشد مما ذكر؛ من فقد الأمن، وعلو صوت الرصاص بالحروب، وتفشى الظلم، واشتداد القتل والأوبئة والأمراض.
فإن واجب الوقت الذي لا محيد عنه ولا يتقدمه غيره في مثل هذه الأحوال؛ النصرة والدعم والمؤازرة والإغاثة، وتقديم كل ما يمكن من مواساة بالقليل والكثير، الواجب استيعاب آلام الذين يئنون، وتهدئة روع النفوس المثقلة بالجراح، ورفع الهمم، وشحذ المعنويات، والكلمة الطيبة التي تكون بلسماً يضمد الجراح ويمسح الأحزان؛ النابعة من قيم التراحم والتضامن، والتكافل الذي ربانا عليه الإسلام.
وأوضح: وكانت قيادة هذه البلاد المملكة العربية السعودية النموذج المحتذى في النصرة والدعم؛ بفتح القنوات الرسمية وتسيير قوافل الإغاثة براً وبحراً وجواً، يعزز ذلك شعب معطاء، يبذل بسخاء؛ ولا يغيب عن الأذهان النصوص الشرعية التي تؤكد حفظ الله للمنفقين، وتفريج كربة من فرج كرب المكروبين وقضى حوائج الناس.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج - وهو القتل القتل - حتى يكثر فيكم المال فيفيض).
0EC6E054 C198 4215 95A2 D26EA6D1A5533B096E4C 8556 49F6 BB5C 8BE802183E794390DFE2 A351 45C3 BD23 D66DBC4B0CFE


أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل معاليه خطبته الأولى قائلاً: خير ما يُوصَى به، تقوى الله عَزّ َوجل، فاتَّقوه رحمكم الله ؛ فتقواه سبحانه خير الزّاد في المعاش والمعاد، وأعظم المطالب وأسنى المراتب، وأعلى المناقب، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

معاشر المؤمنين: القِيَمُ المُزْهِرَة، والشِّيَم الأخَّاذةِ المُبْهِرَة، هي التي أعْتَقَتِ الإنْسَان مِنْ طَيْشِهِ وغُروره، إلى مَدَارَاتِ الحَقِّ ونُورِه، ومِن أَوْهَاقِ جَهْلِهِ وشروره، إلى عَلْيَاءِ زكَائِهِ وحُبُورِه، وقيمنا الإسلامية خاصة هي التي انتشلت الإنسانيّة جمعاء من أَوْهَاق البَغْضَاءِ والشَّحْناء، إلى مَرَاسِي التّوَافُق والصَّفاء والسِّلم والوفاء. قال تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾.

القيم الدينية:
هي البَلْسَمُ الشَّافِـي لِكُلِّ عويصَةٍ
أعْيَتْ مَخَاطِرُها عُقُولَ أباتها
الله قدْ فَطر النُّفوس على الهُدَى
وأنَار بالإِسـلام دَرْبَ هُدَاتِها
﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.

وأعلى هذه القيم؛ الإيمان الخالص، والتوحيد الصافي ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾. ثم الاتباع الكافي ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

وأضاف معاليه: لقد اقتضت حكمة المولى جل جلاله أن يكون صاحب الرسالة الإسلامية الخاتمة ، إمام الأنبياء، وسيد الحنفاء، محمد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، وأحبته إن لم يصحبوا نَفْسَهُ أنفاسه صَحِبُوا؛ حُبٌ متين، واتباع مكين لا ابتداع قمين.

هَاتِ الحديثَ مِزاجُه أشواقُ
وَصِفِ الحبيبَ فَكُلُّـنا تـوَّاقُ
عَنْ قلبه عن حُبِّه عن لُطـفِه
عن كلِّ ما قد جادت الأخلاقُ
طوبى لمن عن نهجه لم يَغفُلوا
يوما وذاقـوا في حبه ما ذاقُوا

ثم بيّن معالي الشيخ السديس شمائل النبي ﷺ فقد حملت شمائلُهُ الخيرَ كُلَّه، والبِرَّ دِقَّه وجِلَّه، والهُدَى أجْمَعُهُ، والعَدْلَ أكْتَعُه.
فكان ﷺ جميلَ الخَلْقِ والخُلُق، وسطا في الأمور كلها ورحمة : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
وكان ﷺ كثير التَّبَسُّم لأصحابه وجُلَسَائِه، فعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله ﷺ ".

يـا راغِبًا في حَصْـرِ فضل محمـدٍ
خَفِّض عليك ففضله لا يُحْصَرُ
إن قلتَ: مثل الرَّمِْلِ أو مثل الحصى
أو مثل قَطْر الغيث قلنا : أكثرُ

كان ﷺ يُدْخِل البِشْرَ والسُّرُور، ويزرع الأُلْفَةَ والحُبُور، يُراعِي المشاعر ، ويَجْبُر الخواطر، لِمَا في الجَبر بعد الصبر من عظيم الأجر، ومَنْ جَبَرَ الخواطر وقاه الله شر المخاطر.
أحبة المصطفى ﷺ : لقد كان للنبي ﷺ المكانة السامقة عند أصحابه رضي الله عنهم حتى كانوا يَفْدُونَه بأنفسهم وأموالهم ولا يُقَدِّمُون عليه أحدًا أبدًا، حُبًا ووفاءً، وكان النبيّ ﷺ يبادلهم هذا الحب والوفاء؛ فهذا زيد بن حارثة لما نزل قول الله تعالى ﴿وَما جَعَلَ أدعِياءَكُمْ أبْناءَكُمْ ﴾. خَيَّره النبي ﷺ بينه وبين أبيه وقومه فاختار النبي ﷺ وقال: "والله لا أختار أحدا غيرك"، ويوم بدر لما شاور النبي ﷺ أصحابه: فقال سعد بن عُبادة سيد الأنصار: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبِحَارَ لَأَخَضْنَاهَا وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك ونَدَبَ النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا وانتصروا.

بعد ذلك تحدث معالي الدكتور عبدالرحمن السديس عن وفاءِ النبيّ ﷺ موضحاً أنّهُ إذا ذُكِرَ الوَفَاء فلا وفاءَ أعْلَى وأسْمَى من وفائه ﷺ بزوجته خديجة رضي الله عنها في حياتها وبعد وفاتها، روى الإمام أحمد في مسنده، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، وقال:" قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ" ، لم يَنْسَ وفاءَهَا حين وَاسَتْهُ وآزرته أول ما نزل عليه الوحي وقالت له:" وَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "( متفق عليه)

إخوة الإسلام: ألم يَئِنِ الأوان أن نُعلي قيمنا الدينية وشمائلنا النبوية لتكون رسالتنا العالمية الحضارية ، لتحقيق السلام الإنسانِي والأمن العالمي، المُجرَّدِ عَنِ المَطامِعِ والدَّوافع، والأغرَاض المَدْخولَة والمَنَافع، فَلَنْ يَرْسُوَ العالم في مَرَافئ القيم والأخلاق الفاضلة، إلاَّ بِدَحْرِ الانحطاط الخلقي، والتصدي للسقوط القِيَمِيّ، لاسيما في زمن التحولات والمتغيرات، والأزمات والتحديات، خاصة عبر المواقع والقنوات والشبكات، فقد كثرت المحتويات المخالفة للقيم الدينية، والأعراف السوية، والفِطر النقية، ولا بد أن يكون الانتصار للقيم طَيّ الأفكار والأرواح، لا الأدراج ومَهَبِّ الرياح.

وبنظرة فاحصة إلى واقع الأمة حيال هذه القِيَم أمام جيوش الماديات، وسيول المُغْرَيات، تتجلى الحاجة إلى الثبات عليها، والاعتزاز بها على ضوء الكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة، فقد استبدل بعض الناس بنور الوحيين سواهما، واكْتَفَوْا مِن حُبِّ هذه القيم والشمائل بالمظاهر على حساب الحقائق، فبدل أن تعيش هذه الشمائل في حياتهم كلها اكتفوا من البحر اجتزاءً بالوَشَلْ، فعاشوا بين الغُلُو والجفَاء ، وآخرون ضحايا أزماتهم النفسية ولَوْثَاتهم الخلقية جحودًا وكُنُودًا ونكرانًا للجميل، ممن راشُوا قبل أن يَبْروا، وظنوا أنهم الغرباء، مأفونين مأزومين، ذوي لؤم ودناءة، وقلة مروءة وفساد طوية؛ بغية مكاسب موهومة ولعاعات مزعومة يتلونون تلوب الحرباء ويروغون روغان الثعالب، ويقتاتون على موائد الأحداث والأزمات، وفي المواقف تبين المعادن.. لا كثر الله سوادهم.

ولهذا كان لزامًا على الأمَّةِ أن تَسْتَجمِعَ قُوَاها، وتُعِيدَ بناء كِيَانها، وتواجه تحديات أعدائها: بالعناية بمقوماتها الأصيلة، لا بالسَّيفِ والعنفِ والإرهاب؛ بل بالوعي الديني الوسطي، فَتَدْحَرَ بقذائف الحق شبهات المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، ولتعيش وَسَطًا بين المتنطعين والملحدين والمنحلين.

وفي ختام الخطبة الأولى تحدث خطيب المسجد الحرام عمّا أصاب أجزاء من عالمنا الإسلامي من الحوادث والكوارث، والزلازل والفيضانات، حيث شدّدَ على الوقوف مع المنكوبين والمرزوئين، ولاسيما في المغرب وليبيا.

ولقد امتدت سحائب العطاء، وجسور الإغاثة والوفاء من بلادنا المحروسة لإغاثة الملهوفين، ومواساة المنكوبين، ولله الحمد والمنة. وهذه آياتٌ وتذكير، ولا يقال: غضب الطبيعة ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾.

فالانتصار للقيم الدينية سَنَنُ العَوَدَةِ الظّافرة بالأمّة، لِنَقود العالم بشغف الهِمَّة لبلوغ القمة، ونكونُ فيه كما أراد اللهُ لنا: الهُدَاة الأئمة، ونسوقه إلى أفياء السلام والعدل بالخُطُمِ والأَزِمّة.

هَلْ وحدة في الله تُوقِظُ عَزْمَنَا
فننير ما حَاك الضَّلالُ وزَوَّرا
هل نصرة لِلَّـه تجْمَـعُ شَمْلَنَا
لِـنَقُـود هذا العَالَم المُتحَيِّرَا

ثم دعى معاليهِ لأهل درنة المنكوبة بأن يكون الله في عونهم، ويلطف بهم، ويرحم موتاهم، ويعَافَي جَرْحَاهم، ويشفي مرضاهم، ويرْحَم ضَعفهم، ويجْبُر كَسْرَهم.


وفي الخطبة الثانية أكّد معالي الشيخ السديس على الدعوة للقيم الدينية وكونوا خَير دُعَاتِها، وأبِينُوا للعالم دُرَّ صَدَفاتِها، وأنْوَار هِدَاياتِها، تنالوا العز والنّصْرَ فِي جنباتها.

معاشر المؤمنين: وإن من المفاخر والمآثر التي شهدت بها الدنيا وأطبق عليها الأنام ما منَّ الله به على هذه البلاد المباركة من إعزاز القيم الدينية، والأخلاق الإسلامية منذ توحيدها إلى يومنا هذا.

فكانت وستظل مهدًا للإسلام ورائدة السلام وراعية الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحُجَّاج والعُمَّار والزُّوَّار، فله الشكر على جزيل إحسانه وعظيم امتنانه.

واختتم معاليهِ خطبته عمّا تشهدهُ المملكة من تغيرات كُبرى ، ومن ضمنها الحرمان الشريفان في هذه الآونة من فائق العناية وبالغ الرعاية، وأسطعُ البراهينِ الناطقة والأدلةِ العابقة إنشاء جهاز مستقل يرتبط بولي الأمر حفظه الله لتعزيز وتفعيل الرسالة الدينية في الحرمين الشريفين، تسامحا وتعايشا ووسطية واعتدالا لتحقيق قوله سبحانه: ﴿ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾. فهو مفخرة لكل مسلم، وإشراقة ساطعة في جبين التاريخ خدمة للبيت الحرام ومسجد النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، سعيا لراحة ضيوف الرحمن، وتمكينهم من عباداتهم، وطاعاتهم ومناسكهم، عبر أجواء تعبدية إيمانية روحية مُفعمة باليسر والطمأنينة، والسهولة والسكينة؛ لإثراء تجربة القاصدين الدينية.
فجزى الله خادم الحرمين وولي عهده خيرًا على تلك الجهود المُسَدَّدة ، وعلى ما قَدَّمَا ويُقدِّمَان للإسلام والمسلمين، وجعلها في موازين أعمالهم الصالحة. أدام الله على بلادنا نعمة التوحيد والوحدة ، والأمن والاستقرار، والرخاء والازدهار.

ثم دعى خطيب المسجد الحرام بأن يحفظ الله بلاد الحرمين الشريفين وسائر بلاد المسلمين.
D8C1AEDB AB9F 4650 A701 B5D825E54A30CB2D9C68 279D 47E0 B4F0 29C0405BF55B4BCFC2E8 0281 4728 8A1B 46E49BCF4E16857B1179 22EB 4EFB 8776 36B8CD9C5A3FFE8ECF18 F906 4574 939E 4CB94BA09B3C3E2B623E 0EE0 40C7 AF63 C891FF48877AD1ED9755 CB22 45D0 9D2A 9B427E2848E4

شاركت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في معرض"قبلة وطن"التابع للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ومعرض الحرس الملكي بالمنطقة الغربية والمقام في رئاسة الحرس الملكي بجدة، ومعرض وزارة الحج والعمرة ضمن فعاليات اليوم الوطني (93) تحت شعار "نحلم ونحقق"، وذلك لاستعراض جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.

وأفاد سعادة وكيل المعارض والمتاحف الأستاذ سطام المطرفي أن المشاركات الثلاث استعرضت مراحل عمارة وخدمة الحرمين الشريفين منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ومن بعده أبناؤه البررة -رحمهم الله- وصولاً لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، كما تم استعراض مجسمات عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي، والصور التاريخية لهما.

وقد شاهد الزوار الأفلام الوثائقية التي توثق جهود الهيئة في تقديم الخدمات للزوار والقاصدين، والتعريف بأبرز المهام والأعمال التي تقدم بالحرمين الشريفين، كما اطلعوا على بعض الأدوات والأواني المستخدمة أثناء غسل الكعبة المشرفة، وجزء من المواد التي تستخدم للتطييب كالبخور ودهن العود وماء الورد.

بالإضافة إلى تنظيم فعاليات تفاعلية مثل المشاركة في حياكة كسوة الكعبة المشرفة، وعرض بعض المقتنيات المتعلقة بالكعبة المشرفة، وكذلك عرض بعض القطع الأثرية والتاريخية من كسوة الكعبة المشرفة.

واشتملت المعارض على تجربة استعراض العالم الافتراضي للزوار وذلك باستخدام تقنية (VR) الواقع الافتراضي؛ والتي تمكن مستخدموها من محاكاة زيارة الكعبة المشرفة، وتهدف إلى إثراء تجربتهم الدينية.

كما خُصص ركن للطفل يحتوي على قصاصات ورسومات تشكيلية ومسابقات وفعاليات للطفل، وسط أجواء وطنية تعبر عن حبهم وولائهم للوطن المعطاء، كما تم توزيع العديد من الهدايا على الزوار عبارة عن مصاحف ومطبوعات ثقافية قيمة.

وحظيت المعارض بإقبال من الزوار، حيث قدم لهم معلومات قيمة وتاريخية عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.

msg 1001468035115 50124msg 1001468035115 50125msg 1001468035115 50126msg 1001468035115 50127photo1695405680photo1695405681photo1695405696photo1695577621 (1)photo1695577621 (2)photo1695577621photo1695577640 (1)photo1695577640 (2)photo1695577640photo1695577654 (1)photo1695577654 (2)photo1695577654 (3)


أقامت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حفلًا بمقرها في مكة المكرمة، احتفاءً باليوم الوطني الثالث والتسعين للمملكة العربية السعودية، وذلك تحت شعار "نحلم ونحقق"، وسط حضور لمنسوبيها.

وأكد سعادة المشرف العام على الأعمال بالمسجد الحرام الدكتور سعد بن محمد المحيميد في كلمة ألقاها؛ على الاعتزاز العميق بالوطن والوفاء لقادة المملكة العربية السعودية.

وأشار إلى أن من نعم الله -عز وجل-أن هيأ لنا قادة جعلوا نصب أعينهم خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، معبرًا عن شكره لولاة الأمر -حفظهم الله-؛ نظير دعمهم وعنايتهم بالحرمين الشريفين وقاصديهما، متمنيًا من الله العلي القدير أن يديم على بلاد المملكة الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار.

عقب ذلك عُقدت جلسة بعنوان (جهود المملكة العربية السعودية في العناية بالحرمين الشريفين) استهلها سعادة الدكتور سعد المحيميد بقوله: نحمد الله على ما أنعم علينا به بأن اصطفانا لخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، ونحمد الله على نعمة الأمن والأمان، ونحن في هذه البلاد المباركة ننعم بنعم شتى ولله الحمد والمنة، و لابد من أن نستشعر هذه النعم الكثيرة ونشكر الله دائماً وأبداً.

من جهته قال سعادة مساعد الرئيس العام للشؤون الاستشارية الشرعية والإثرائية الدكتور ناصر بن عثمان الزهراني، نحمده تعالى على ما أنعم به علينا من نعم عظيمة ووفيرة، تحت قيادة رشيدة سخرت طاقاتها في سبيل خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، ولهذا لم تدخر قيادة البلادة الرشيدة جهداً أو مالاً في سبيل العناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي لتنال بذلك شرف خدمة ضيوف الرحمن.

بدوره تحدث سعادة مساعد الرئيس العام للشؤون الخدمية والفنية والميدانية الأستاذ محمد بن مصلح الجابري عن جهود المملكة في خدمة المسجد الحرام والمسجد النبوي وعمارتهما، وما يلقيانه من دعم وعناية واهتمام من ولاة أمرنا الميامين -حفظهم الله- ، وكذلك تسهيل كافة الإجراءات ليؤدوا ضيوف الرحمن نسكهم وعباداتهم في أجواء إيمانية وروحانية.

وقد أدار الجلسة سعادة وكيل الرئيس العام للشؤون الإثرائية والمهارية الدكتور محمد بن غالب البقمي.

IMG 20230925 103414 789IMG 20230925 103415 221IMG 20230925 103415 073

منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود-رحمه الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود-حفظما الله - والمملكة العربية السعودية تولي الحجاج والمعتمرين أكبر اهتمام، ساعية دومًا لتمكين ضيوف الرحمن من أداء مناسكهم على أكمل وجه، مع وضع أمنهم وسلامتهم في الأولوية.
ويعد الحرمان الشريفان أهم وأولى اهتمامات المملكة العربية السعودية لما تحمله من مكانة عظيمة وجليلة في قلوب المسلمين وفخر، سخر الله لها رجالاً يعتنون بهما وبقاصديهما.
مشاريع جبارة منذ عهد المؤسس

انطلقت مشاريع توسعة الحرم المكي الشريف في العصر الحديث منذ عام 1344هـ، عندما أمر الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- بصيانة المسجد الحرام وإصلاحه.
وفي مستهل عام 1373 هـ أُدخلت الكهرباء وأضيء المسجد الحرام بالكامل، ووُضعت فيه المراوح الكهربائية.

واتسعت مساحة الحرم المكي الشريف في عهد الملك سعود والملك فيصل والملك خالد -رحمهم الله- مع استمرار عمليات التوسعة والتطوير، لتصبح مساحة الحرم 193 ألف متر مربع، وتبلغ طاقته الاستيعابية قرابة 400 ألف مصلٍ.
وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- في عام 1409هـ حجر الأساس لأكبر توسعة للحرم المكي في حينها، والتي شملت إضافة جزء جديد إلى المسجد من الناحية الغربية، والاستفادة من السطح العلوي للمسجد، لتصل مساحته إلى 61 ألف متر مربع، وإجمالي القدرة الاستيعابية للحرم 1.5 مليون مصلّ، كذلك بنيت مئذنتان جديدتان ليصبح إجمالي عدد المآذن وقتها 9 مآذن بارتفاع 89 مترًا للمئذنة.
وبتزايد أعداد زوار بيت الله الحرام أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- بالبدء في مشروع توسعة جديد يهدف إلى إحداث أكبر توسعة للحرم المكي الشريف، شملت تطوير الحرم في مختلف النواحي العمرانية والفنية والأمنية.
مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام

أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - اهتمامًا كبيرًا بحجّاج ومعتمري بيت الله الحرام من خلال استكمال أعمال توسعة المسجد الحرام بمعايير عالية تُحقّق سبل الراحة والطمأنينة لهم.
ففي حج عام 1437هـ، صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بالاستفادة من المواقع الجاهزة بمبنى التوسعة والساحات الخارجية الشمالية والغربية والجنوبية وأجزاء من الساحات الشرقية بمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام والعناصر المرتبطة بها.
وشملت التوجيهات الكريمة الاستفادة من جميع الأدوار بمشروع خادم الحرمين الشريفين، ليصل استيعاب المسجد الحرام إلى مليون و850 ألف مصلّ، والطاقة الاستيعابية للمطاف تصل إلى 107 آلاف طائف في الساعة.
التوسعة السعودية الثالثة الكبرى للمسجد الحرام

شملت مشروعات التوسعة السعودية الثالثة الكبرى للمسجد الحرام عددًا من المكونات الرئيسية.
وتضمَّنت تلك المكونات مبنى التوسعة الرئيسي للمسجد الحرام، وتوسعة المسعى الذي افتُتح سابقًا، وتوسعة المطاف والساحات الخارجية والجسور والمساطب، ومجمع مباني الخدمات المركزية، ونفق الخدمات والمباني الأمنية، والمستشفى، وأنفاق المشاة، ومحطات النقل والجسور المؤدية إلى الحرم، والطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام والبنية التحتية وتشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه وتصريف السيول.
مشاريع توسعة المسجد النبوي

يمثّل الاهتمام بالحرمين الشريفين وقاصديهما أولوية قصوى لدى ولاة الأمر في المملكة، منذ عهد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- مرورًا بأبنائه الملوك البررة -رحمهم الله- وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله.

ويجسّد الاهتمام واقع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة الذي يلمسه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في مواسم العمرة والحج كل عام.

وقد زادت المشروعات التي أقامتها المملكة لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة مع إطلاق رؤية المملكة 2030، التي أكدت فخر المملكة بخدمة الحرمين الشريفين بوصفها قبلة المسلمين، والعمق العربي والإسلامي.
وهدفت المشروعات إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين ليؤدوا مناسكهم في راحة ويسر، وتضاعفت على إثرها الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، بما يتناسب مع زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار في كل عام.

وتجسد متابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظهما الله- للمشروعات الكبرى لتوسعة المسجد النبوي الشريف وتطوير وتحسين المناطق المجاورة وزياراتهما المتوالية لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مدى حرص القيادة الرشيدة على تحقيق كل ما يمكن ضيوف الرحمن من أداء نسكهم وعباداتهم بكل يسر وسهولة وراحة واطمئنان، لتوفير الرعاية الشاملة لضيوف الرحمن وتسخير الإمكانات لتوفير أفضل الخدمات لقاصدي المسجد النبوي، ولأهالي مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم وزائريها.
مراحل التوسعة في المسجد النبوي الشريف

جرت في عهد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- عدة إصلاحات للمسجد النبوي الشريف، ففي سنة 1365هـ وبعد تصدّع في بعض العقود الشمالية من المسجد، وتفتت في بعض حجارة الأعمدة في تلك الجهة بشكل لافت للنظر، صدر أمر الملك بعد دراسة المشروع بإجراء العمارة والتوسعة للمسجد, وصرف ما يحتاج إليه المشروع من نفقات دون قيدٍ أو شرط مع توسيع الطرق حوله، وأعلن الملك في خطاب رسمي سنة 1368هـ عزمه توسعة المسجد النبوي الشريف وبدء المشروع, وفي سنة 1370هـ بدأت أعمال الهدم للمباني المجاورة للمسجد النبوي الشريف.
انتهت العمارة والتوسعة في سنة 1375هـ ، في عهد جلالة الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله- وكانت بالأسمنت المسلح، ونتج عن هذه التوسعة أن أُضيف إلى مسطح المسجد 6033 مترًا مربعًا, واحتفظ بالقسم القبلي من العمارة المجيدية كما هو، ليصبح مجمل العمارة السعودية 12 ألفًا و271 مترًا مربعًا.
وأقيمت التوسعة كمبنى هيكلي من الخرسانة المسلحة عبارة عن أعمدة تحمل عقودًا مدببة، كما قُسم السقف إلى مسطحات مربعة شُكلت على نمط الأسقف الخشبية، أما المآذن فقد بلغ ارتفاعها 72 مترًا، تتكون كل واحدة من 4 طوابق تناسقت في شكلها مع المنائر القديمة للمسجد.
كما حُليّت جدران المسجد بنوافذ جميلة وجُعل للمسجد صحنان مفصولان برواق بدلًا من واحد، وجرت تغطية أرضية المسجد بالرخام وأصبح للمسجد النبوي الشريف 10 أبواب.
أما في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- ولتزايد الأعداد الوافدة للمسجد النبوي خاصة في موسم الحج، فقد أصدر أمرًا بتوسعة المسجد النبوي الشريف، وكانت التوسعة من الجهة الغربية للمسجد النبوي الشريف فقط.
وتمثّلت التوسعة -سنة 1395هـ - في إضافة 35 ألف متر مربع إلى أرض المسجد النبوي الشريف، ولم تتناول عمارة المسجد نفسها بل جُهزت تلك المساحة لإقامة مصلّى كبير ومظلل يتّسع لعدد من المصلين يماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة 5550 مترًا مربعًا، وظُللت كذلك ما أتاح المجال لاسـتيعاب أعداد أكثر من المصلين.
وفي عهد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- نشب حريق في سوق القماشة سنة 1397هـ في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي الشريف، وجرت إزالة المنطقة وتسوية أرضيتها، وتعويض أصحاب الدور والعقار، وإضافة المنطقة لمساحة المسجد لتبلغ 43 ألف متر مربع، وهو ميدان فسيح مظلل، أُضيف إلى أرض المسجد النبوي ولم تتناول عمارة المسجد.
واستمر الاهتمام بالمسجد النبوي في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- الذي أمر بإجراء دراسات لتوسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف.
مشروع التوسعة للمسجد النبوي

في سنة 1405هـ وُضع حجر الأساس لمشروع التوسعة للمسجد النبوي، وتضمن مشروع التوسعة وعمارته إضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد الحاليّ يُحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82 ألف متر مربع، يستوعب 167 ألف مصلّ.
وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد النبوي الشريف 98 ألفًا و500 متر مربع، كما جرت تغطية سطح التوسعة بالرخام والمقدرة مساحته بـ 67 ألف متر مربع، ليستوعب 90 ألف مصلّ، ويسع المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة أكثر من 257 ألف مصلّ ضمن مساحة إجمالية تبلغ 165 ألفًا و500 متر مربع.
وتضمَّنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي بدروم بمساحة الدور الأرضي للتوسعة؛ لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى.
واشتمل المشروع على إحاطة المسجد النبوي الشريف بساحات تبلغ مساحاتها 23 ألف متر مربع، تُغطى أرضيتها بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية بطُرز إسلامية متعدّدة، خُصص منها 135 ألف متر مربع للصلاة، ويستوعب 250 ألف مصلّ ويمكن أن يزيد عدد المصلين إلى 400 ألف مصلٍ في حالة استخدام كامل مساحة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف.
وجعل المشروع الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد على 650 ألف مصل، لتصل إلى مليون مصلٍ في أوقات الذروة، إذ تضم الساحات مداخل للمواضئ، وأماكن لاستراحة الزوار تتصل بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الأرض, وخصّصت هذه الساحات للمشاة، وتضاء بوحدات إضاءة خاصة مثبتة على 120 عامود رخام.
وتضمَّن المشروع إقامة 12 مظلة ضخمة في منطقة الحصوات المكشوفة التي تقع بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى، فشيدت المظلات بنفس ارتفاع السقف لتظلل كلٌّ منها مساحة 306 أمتار مربعة، يجري فتحها وغلقها أوتوماتيكيًا، لحماية المصلين من وهج الشمس ومياه الأمطار والاستفادة من الجو الطبيعي.
أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف على مدى التاريخ

وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- دُشنت أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف على مدى التاريخ، إلى جانب مشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها، وهي من المشاريع العملاقة، لتصل طاقة المسجد النبوي الاستيعابية بموجبها إلى مليوني مصلٍّ.
وشيّدت ضمن مشروع المظلات 436 مروحة رذاذ لتلطيف الأجواء، جرى تركيبها على 250 مظلة، في واحدة من أبهى صور العناية والخدمة التي تجسّد العناية والرعاية لمرتادي المسجد النبوي الشريف.
ويحتضن المسجد النبوي الروضة الشريفة التي تقع غربي الحجرة النبوية مباشرة، وتمتدّ إلى المنبر، وتبلغ مساحة الروضة نحو 330 مترًا مربعًا، وتبلغ أبعادها 22 مترًا من الشرق إلى الغرب، و 15 مترًا من الشمال إلى الجنوب، وتضم الروضة المحراب النبوي الذي يقع في الجزء الغربي منها يفصله عن المنبر مسافة 7 أمتار تقريبًا.
ويحدّ الروضة من الجنوب سياج من النحاس يفصلها عن زيادتي عمر وعثمان -رضي الله عنهما- أما من الجهتين الشمالية والغربية فهي متصلة ببقية أجزاء المسجد.
ويميّز الروضة عن باقي مساحة المسجد أعمدتها المكسوة بالرخام الأبيض الموشّى بماء الذهب إلى ارتفاع مترين تقريبًا، وتقع إلى الناحية الشرقية من الروضة الشريفة حجرة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الشمال الخط المار شرقًا من نهاية بيت السيدة عائشة -رضي الله عنها- إلى المنبر غربًا.
كسوة الكعبة المشرفة وعناية المملكة العربية السعودية بها:
توالى الاهتمام والعناية بصناعة الكسوة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وأبنائه من بعده ، ففي بدايات الثمانينات الهجرية أمرَ الملك سعود بن عبد العزيز بتجهيز مصنع الكسوة المشرفة، وأسندَ هذه المهمة حينها إلى أخيه الملك فيصل، الذي كلَّفَ وزيرَ الحج والأوقاف حسين عرب فاختار مبنى تابعا لوزارة المالية في جرول حيث تم الانتهاء من أول كسوة تصنع بالمصنع الجديد بعد عمل استمر ثلاثة أشهر وكُتب عليها نص الإهداء التالي: "صُنعت هذه الكسوة في مكة المكرمة وأهداها إلى الكعبة المشرفة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود تقبل الله منه ".
واستمرت هذه العناية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، ثم الملك خالد، والملك فهد - رحمهم الله -، حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة (1397)هـ إلى مبناه الجديد بأم الجود وجُهّز بأحدث الماكينات المتطورة في الصناعة وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها.
ثم توالت بعد ذلك هذه العناية في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، ثم الملك خالد، والملك فهد (رحمهم الله), حيث انتقل مصنع كسوة الكعبة سنة (1397)هـ إلى مبناه الجديد بأم الجود وجُهّز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها.
وصدرت موافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بما يوافق الأنظمة المستحدثة، وتعدُ هذه الخطوةُ نقلةً تطويريةً متقدمةً في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة.
وتكريماً للملك المؤسس، صَدَرَتْ موافقةُ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمانَ بنِ عبدِ العزيزِ آل سعود - حفظه الله - يوم الثلاثاء 13 شعبان 1439 هـ بتغير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة الذي يعدُّ من أكبر مجمعات تصنيع الحرير وتطريزه ونحته، ابتداءً من تصنيع الخيوط الحريرية وحياكتها وطباعة الرموز على القماش الحريري.
ويدخلُ بعدها إلى قسم التطريز بالمذهبات ثم يحوّل لقسم التجميع ثم الحشو للحروف بالقطن لإعطاء البروز والجمال للحرف في أثناء التطريز، ثم بعد ذلك يقومون بعملية التطريز التي تكون بالأسلاك الفضية المطلية بماء الذهب والأسلاك الفضية المخالصة، ثم يكون الثوب جاهزاً للاستبدال.
وقد منَّ اللهُ على المملكة العربية السعودية باستدامة هذه الصناعة وتطويرها وإدخال كل السبل التقنية الحديثة التي أسهمت في تمكين المجمع من إنتاج الثوب، ومن أهم ما تم استحداثه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملكِ سلمانَ بنِ عبدِالعزيز آل سعود -حفظه الله- توفير ماكينة "تاجيما"، وماكينة الجاكارد، التي تقوم بصناعة ثوب الكعبة المشرفة المنقوش بالتسبيحات والقناديل المذهبة والكلمات وهي: "يا الله، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وياديّان، ويامنّان، ولا إله إلا الله محمد رسول الله"، وتتم هذه العملية بواسطة الفريق الفني المختص من الأيدي الوطنية المدربة المؤهلة على هذه الماكينة التي تحتوي على أكثر من 9 آلاف وتر من الحرير، والثوب تستغرق صناعته من 6 إلى 8 أشهر، ويعمل في صناعته أكثر من (200) صانع على مدار السنة.
وتمرُّ مراحلُ كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية، وتبدأ بمرحلة الصباغة وهي أولى مراحل إنتاج الكسوة بالمصنع حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ثم النسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية والمنسوخة، ثم قسم المختبر الذي يقوم بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية؛ من أجل التأكد من مطابقتها المواصفات القياسية المطلوبة من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية، إضافةً إلى عمل بعض الأبحاث والتجارب اللازمة لذلك, يأتي بعدها مرحلة الطباعة التي يتكون منها قسم الحزام والتطريز وقسم خياطة الكسوة, ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وكسوة الكعبة التي تزن (850) كيلوجراما، ومقسمة على (47) قطعة قماش بعرض (98) سم، وارتفاع (14)، تطرز بخيوط من الذهب والفضة، ويصل عدد قطع المذهبات إلى (54) قطعة على الكعبة، في قسم متخصص باسم "تطريز المذهبات" بالمجمع، وذلك باستخدام (120) كيلو جراما من المذهبات، و(100) كيلو جرام من الفضة المطلية بماء الذهب، و (760) كيلو جراما من الحرير.
وعند الانتهاء من جميع مراحل الإنتاج والتصنيع، وفي منتصف شهر ذي القعدة، يقامُ حفلٌ سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتسلَّمُ الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي بدوره يقوم بتسليمها إلى الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي، وصدر أمر ملكي بتسليم كسوة الكعبة في العاشر من شهر ذي الحجة.
وتأتي آخر قطعة يتم تركيبها وهي "ستارة باب الكعبة المشرفة" من أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة، وبعد الانتهاء منها يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاثة أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) المعروفة بعملية "إحرام الكعبة" ويرفع ثوب الكعبة.
photo_5791730559792300831_y.jpgphoto_5791730559792300830_y.jpgphoto_5791730559792300828_y.jpg
بذلت القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية، منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- الغالي والنفيس لخدمة ضيوف الرحمن والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم.
حيث يجسد الحرمان الشريفان إنموذجا فريداً لعناية المملكة بضيوف الرحمن وتوفير كافة الرعاية والعناية لهم، ومن هذه العناية المشروعات العملاقة التي نفذتها المملكة لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير كافة الخدمات بهما والتي تتناغم مع رؤية المملكة 2030.
وتعد عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي وتوسعتهما لاستقبال ضيوف الرحمن، في مقدمة خطط المملكة لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لزيارة الحرمين الشريفين وأداء النسك على أكمل وجه، حيث نفذت المملكة العديد من التوسعات في الحرمين الشريفين وفق تخطيط محكم وخبرات هندسية تسعى لتقديم أرقى الخدمات لقاصدي الحرمين الشريفين على مدار العام.
وبالنسبة للتوسعة السعودية الثالثة والمشاريع المرتبطة بالخدمات المقدمة لزوار بيت الله الحرام، تعد من أبرز المنجزات المتعلقة بزيادة الطاقة الاستيعابية بالمسجد الحرام لاستقبال الزوار و المعتمرين من ضيوف الرحمن، في إطار تحقيق أحد أهداف رؤية المملكة (2030) باستقبال أكثر من 30 مليون معتمر، وذلك وفق معايير جودة عالية لتحقيق مستهدفات برنامج خدمة ضيوف الرحمن وتقديم تجربة فريدة ومميزة.
photo_5791730559792300870_y.jpgphoto_5791730559792300805_y.jpgphoto_5791730559792300871_y.jpg
تشارك الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في ثلاثة معارض مختلفة تستعرض جهود المملكة العربية السعودية وإنجازاتها في خدمة ضيوف الرحمن؛ بمناسبة اليوم الوطني 93.

وتشمل المعارض الثلاثة، معرض الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ضمن فعاليات اليوم الوطني بالغرفة التجارية بمكة المكرمة والذي يقام يوم الجمعة والسبت والأحد من 5 م حتى 12 ص، ومعرض الحرس الملكي بالمنطقة الغربية والمقام في رئاسة الحرس الملكي بجدة يوم السبت والأحد والاثنين من 4 م وحتى 11 م، ومعرض فعاليات اليوم الوطني لوزارة الحج والعمرة بمقر وزارة الحج والعمرة يوم الاثنين 9 ص.

وستشارك الهيئة في المعارض بركن كسوة الكعبة المشرفة، والذي يتيح للزوار فرصة المشاركة في حياكة كسوة الكعبة المشرفة كما يحتوي الركن على عدد من المعروضات القيمة مثل أطايب الكعبة المشرفة وأدوات غسلها، وركن المعارض الافتراضية والذي يتيح للزوار تجربة تقنية VR والواقع المعزز ومعرفة الخدمات الموجودة بالحرمين الشريفين، وركن الطفل والذي يتيح للزائر الصغير التعرف على معرض عمارة الحرمين وأبرز المعروضات القيمة.

وتدعو الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى حضور هذه المعارض التثقيفية والتفاعلية، والاستفادة من المعلومات والمواد التي تقدمها، والتعرف على الجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة والجهات المشاركة في خدمة بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حظيت مكة المكرمة والمدينة المنورة باهتمام وعناية ولاة الأمر -حفظهم الله- في كل النواحي الدينية والعمرانية الحضارية والاهتمام بزوارهما ، حيث إنهما بقعتان مباركتان فيهما أعظم وأشرف مسجدين المسجد الحرام وفيه الكعبة المشرفة التي يتجه إليها المسلمون في صلواتهم الخمس ، والمسجد النبوي الشريف وفيه الروضة الشريفة وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقد بدأت هذه البلاد المباركة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-بوضع لبنة هذه العناية والاهتمام بأدق تفاصيلها خدمة للحرمين الشريفين وقاصديهما اتباعاً لهدي النبي المصطفى وسنته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومنها عمارتهم حيث ابتدأ العمل في تحسين وترميم الحرم المكي الشريف عام 1354هـ ، بعد أن تم تأسيس المملكة العربية السعودية مباشرة ، وقد شمل العمل صحن الطواف والمسعى وجميع أروقة وجدران ومآذن وقبب الحرم المكي الشريف وقام بإنشاء سبيلين لماء زمزم يضاف إلى السبيل القديم.
وفي عام 1348هـ وعند زيارته للمدينة المنورة -رحمه الله-ووقوفه على الحرم النبوي الشريف لاحظ تصدّعات وخدوش وتشققات على جدر وحوائط المسجد فأمر بعمل الترميم والتجديد اللازم لجميع مرافق الحرم النبوي الشريف , وفي عام 1368هـ أمر الجهات المختصة بالعمل على توسعة المسجد النبوي الشريف بعد أن ضاق على المصلين.
وقد استكمل أبناؤه الملوك البررة هذه المسيرة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، نذكر أولها مبادرة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – التي توسع به الاهتمام بالأماكن القريبة من الحرم المكي الشريف فتم إزالة مجموعة من العقارات المجاورة للحرم بعد تعويض أصحابها ليكمل ما بدأه والده في عمل التوسعة للحرم المكي الشريف , وكان من ضمنها بناء ثلاثة طوابق للمسجد وطابقين للمسعى وتوسعة صحن الطواف وتوسعة المطاف , وتم إنشاء الطرق التي تؤدي للحرم بعد تعبيدها وأهمها الشارع الذي يلي المسعى , إضافة إلى إنشاء سلّم كهربائي خاص للكعبة.
كان كثير الاهتمام – رحمه الله – بالحرم النبوي الشريف فأمر بعمل التوسعة له وكان يشرف على هذا الأمر بنفسه , وقد قدّم الكثير من وقته لهذا الأمر وقد أخذت الكثير من وقته ليرى بنفسه ما تم من أعمال وما بقي وما يحتاج منها إلى تعديل أو تبديل، وعليه فقد تم في عهده إكمال بناء توسعة المسجد النبوي الشريف على أتقن وأجمل شكل , واحتفل بمناسبة انتهاء أعمال توسعة المسجد النبوي الشريف في مساء اليوم الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1375هـ .
وفي عهد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – أكملت مسيرة البناء للحرمين الشريفين وتواصلت قصة العناية والاهتمام بهما , فقد تم إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم ليتّسع صحن الطواف ووضع المقام في غطاء بلوري ، وذلك عام 1387هـ فقد أمر – رحمه الله – بنقل مصنع الكسوة إلى موقعه الجديد , وخصص له دعماً خاصاً ودعا له مجموعة كبيرة من الموظفين المميزين في مجال الحياكة والصناعة والتطريز , كما أمر – رحمه الله – ببناء مبنى خاصاً لمكتبة الحرم المكي الشريف .
وقد لاحظ – رحمه الله - تضاعف أعداد الحجاج فقرر إجراء توسعة جديدة للمسجد النبوي الشريف تمثلت في إضافة 35000 متر مربع إلى أرض المسجد ، ولم تتناول العمارة للمسجد نفسه ، بل جهزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير مظلّل يتسع لعدد من المصلين يماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة 5550 مترا مربعا وظللت كذلك، مما أتاح المجال لاستيعاب أعداد كبيرة من المصلين.
وفي عهد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – يواصل التاريخ نشر السير الناصعة والمواقف الخالدة في الاهتمام والعناية بالحرمين الشريفين , فقد أمر – رحمه الله - بصنع باب جديد للكعبة وذلك عام 1397هـ ، وآخر لباب السلم إلى سطح الكعبة من الذهب الخالص , وأسس أول برنامج صيانة ونظافة للمسجد الحرام عام 1398هـ , واستمر العمل في إكمال التوسعات المختلفة للحرم.

أما بالنسبة للمسجد النبوي فقد تم في عهد الملك خالد – رحمه الله – أعمال التوسعة الثالثة وكان من أسبابها أن وقع حريق كبير في منطقة مجاورة للحرم اسمها (القماشات) فمسح المكان كاملاً وتم تعويض أصحاب العقارات الموجودة فيه وضمّت الأرض إلى ساحات المسجد النبوي ، وظلّلت منها مساحة 43000 متر مربع على غرار المظلات السابقة وهيئت للصلاة فيها .وبذلك صارت المساحة الكلية للمسجد النبوي بعد التوسعة السعودية الأولى 16327 مترًا مربعًا.
واتخذ الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله - من لقب خادم الحرمين الشريفين وسام عز وشرف يسطره لـه التاريخ على صفحاته , فسخر كل إمكاناته وطاقاته لأعمال الخير، وعلى رأسها توسعة الحرمين الشريفين ، فاهتم بتعبيد الطرق وإنشاء الأنفاق وإقامة الجسور وتوفير المياه المبردة والمستشفيات المتنقلة في كل مكان ووسائل الاتصالات الحديثة ووسائل النقل المريحة المكيفة وتسهيل إجراءات الدخول والمغادرة عبر بوابات المملكة البرية والبحرية والجوية , كما اعتنى كثيراً بمواسم الحج واستقبال الحجاج وإكرامهم والسعي لراحتهم , وفي عام 1409هـ أمر رحمه الله بتوسعة المسجد الحرام في مشروع يعدّ من أضخم المشروعات على مدار أربعة عشر قرناً ، حتى أصبح المسجد الحرام يستوعب ما يقارب المليون و نصف المليون مصل في مواسم الحج و العمرة ورمضان , ومما صاحب ذلك من مشاريع جبّارة أن زيدت المآذن وجمعت الشبكات الكهربائية في غرف خاصة طرزت بأشكال جميلة , وكذلك تم تبليط سطوح الحرم والاستفادة منها لتكون للصلاة والطواف والسعي , وتبليط صحن الطواف بالرخام البارد , كما أمر – رحمه الله - بإنشاء خمسة سلالم كهربائية بالمسجد لتسهيل الصعود والنـزول إلى السطح والطابق الأول وبناء خمسة جسور علوية للدخول إلى الطابق الأول والخروج منه من جهة الشمال. 

وأيضاً حظي المسجد النبوي الشريف بعناية الملك فهد - رحمه الله - حيث تمت توسعته في مشروع يعد من أكبر المنجزات للمسجد النبوي الشريف ففي شهر صفر من عام 1406هـ بدأ العمل بمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد النبوي الشريف وعمارته مع ما يتبعه من ساحات ومواقف للسيارات تحت الأرض، ومحطات ومبان للخدمات ليشكل أكبر توسعة في تاريخ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليتوج مشاريع الخير التي اعتمدت في السنوات الأخيرة , وتضمن مشروع الملك فهد لتوسعة المسجد النبوي الشريف إضافة مبنى جديد على مبنى المسجد يحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة مقدارها 82,000م2 تستوعب 137,000 مصلٍ وبذلك أصبحت المساحة الإجمالية للدور الأرضي 98,500م2 تستوعب 167,000 مصلٍ، وتمت الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بمساحة قدرها 67,000م2 تستوعب 90,000 مصلٍ.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله – تم عمل أكبر مشروع تاريخي لتوسعة المسعى لتتضاعف مساحته أربع مرات , وكذلك تم توسعة صحن الطواف في عمل هندسي متميز , إضافة إلى مشروع جسر الجمرات الذي تم إنجازه بكفاءة وروعة وضخامة أذهلت كل من يراه ، وكذلك إنشاء قطار المشاعر والذي ساهم بشكل مرن وانسيابي في تنقلات الحجاج بين منى وعرفات ومزدلفة , وكذلك أمر بافتتاح قناتين فضائيتين تنقل بشكل مباشر من الحرم المكي والحرم المدني ولمدة أربع وعشرين ساعة حتى يرى المسلمون في جميع أقطار العالم المسجدين اللذين تشتاق نفوسهم إليهما.

ولا يقل اهتمامه – رحمه الله – بالمسجد النبوي عن المسجد الحرام فقد أمر بتوسعة الجهة الشمالية والشرقية لتبلغ الطاقة الاستيعابية إلى مليون و800 ألف مصل , إلى جانب مشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها – رحمه الله -.
وفي هذا العهد الميمون , عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - يتواصل الاهتمام والمتابعة منه شخصياً لتذليل كافة العقبات في سبيل عمارة الحرمين الشريفين وسهولة الوصول إليهما وتوسعتهما ليؤدي حجاج ومعتمرو وزوّار مكة والمدينة مناسكهم بكل يسر وسهولة وأمان واطمئنان , وقد أمر – حفظه الله – بإكمال جميع التوسعات في الحرم المكي والتي بدأت في عهد الملك عبد الله – رحمه الله -.
ويتابع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الاهتمام بمشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها - أيده الله - وهي من المشروعات العملاقة ، حيث جاء التوجيه بتصنيعها وتركيبها على أعمدة ساحات المسجد النبوي الشريف التي يصل عددها إلى 182 مظلة ، ثم الأمر بإضافة 68 مظلة في الساحات الشرقية ، وتغطي هذه المظلات مساحة 143 ألف متر مربع من الساحات المحيطة بالمسجد من جهاته الأربع يصلي تحت الواحدة منها ما يزيد على 800 مصل ، يضاف إلى ذلك تظليل ستة مسارات في الجهة الجنوبية يسير تحتها الزوار والمصلون وهذه المظلات صنعت خصيصًا لساحات المسجد النبوي على أحدث تقنية ، ولا يزال هذا الاهتمام متواصل حتى يومنا هذا.
٩٣ عاماً نجد أن هذه البلاد المباركة بقيادة ولاة الأمر الميامين حفظهم الله يسعون لمواكبة رؤية المملكة الطموحة ٢٠٣٠م لتحقيق التطلعات والاحتياجات التي تقدمها المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن وزوار الحرمين الشريفين والذي يجسد واقع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة الذي يلمسه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في مواسم العمرة والحج كل عام.
ومر الحرمان الشريفان خلال الأعوام السابقة بالعديد من المشاريع التنموية والتطويرية والتي وجدت لها أولوية في هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - ووجد اهتمامًا كبيرًا بحجّاج ومعتمري بيت الله الحرام من خلال استكمال أعمال توسعة المسجد الحرام بمعايير عالية تُحقّق سبل الراحة والطمأنينة لهم.
ففي حج عام 1437هـ، صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بالاستفادة من المواقع الجاهزة بمبنى التوسعة والساحات الخارجية الشمالية والغربية والجنوبية وأجزاء من الساحات الشرقية بمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام والعناصر المرتبطة بها.
وشملت التوجيهات الكريمة الاستفادة من جميع الأدوار بمشروع خادم الحرمين الشريفين، ليصل استيعاب المسجد الحرام إلى مليون و850 ألف مصلّ، والطاقة الاستيعابية للمطاف تصل إلى 107 آلاف طائف في الساعة. 
وأمنت الخدمات الضرورية لتوفير الراحة لضيوف الرحمن وتجهيز دورات المياه والمواضيء، ليصبح العدد الإجمالي لها 16 ألفًا و300 دورة مياه وميضأة، مع توفير مشارب مياه مبردة داخل مبنى التوسعة والمطاف وفي الساحات الخارجية، وتشغيل السلالم والمصاعد الكهربائية لخدمة الحركة الرأسية ما بين أدوار المسجد الحرام، وتشغيل نظام التكييف والإنارة ونظام الصوت والمراقبة التليفزيونية وأنظمة مكافحة الحريق.
وتضمَّنت التوجيهات فتح باب الملك عبد العزيز وباب أجياد وباب إسماعيل وباب الفتح وباب العمرة، والاستفادة من 3 مناسيب من مباني الخدمات المصاطب المطلة على الساحات الشمالية وأنفاق المشاة المؤدية إلى منطقة جرول، بما فيها الأنفاق العرضية للمساعدة على وصول المعتمرين والمصلين إلى الحرم المكي الشريف أو انصرافهم منه، وهي الأنفاق التي تربط بين المنطقة الشمالية لمكة المكرمة والتوسعة المباركة.
ولتعظيم الفائدة من تلك الإجراءات جرى تشغيل الطريق الدائري الأوّل بمكة المكرمة بعد أن تم الانتهاء من تنفيذه ، بالإضافة إلى ربط الحرمين الشريفين بقطار الحرمين الذي يربط مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بمطار الملك عبدالعزيز والذي يتوافد له أغلبية الحجاج والمعتمرين من خارج المملكة ، والكثير من المشاريع القائمة والمستقبلية التي ستسهل على قاصدي بيت الله الحرام والمسجد النبوي أداء نسكهم وعباداتهم بكل يسر وسهولة.
photo_5791730559792300835_y.jpgphoto_5791730559792300833_y.jpgphoto_5791730559792300843_y.jpgphoto_5791730559792300842_y.jpgphoto_5791730559792300827_y.jpgphoto_5791730559792300844_y.jpgphoto_5791730559792300832_y.jpg



خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

وبعد أن حمد الله تبارك وتعالى بدأ خطبته بقوله: من أصول الإيمان وأركانه العظام، الإيمان بالقضاء والقدر، فكل شيء بقدرة الله سبحانه، وعلمه المحيط، ومشيئته النافذة، وهو الخالق لكل شيء، كتب ماكان، وما سيكون، فواجب المسلم الإيمان بجميع المقادير خيرها وشرها، حلوها ومرها، نافعها وضرها، فالواقعات تجري بقضاء الله وقدره وتصرفه وإرادته، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وهو سبحانه غير ظلام للعبيد، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).

وأكمل: فالمصائب التي تقع بالخلق، تحمل من الحكم الربانية، ما لا يكون على بال بشر، ولا تحيطه أذهانهم، فأقدار الله فيها من الحكم ما لا يحصى، ومن المصالح ما لا يجارى، لأن القدر كصفة للرب، وأفعاله القائمة بذاته، كلها خير محض، وإنما الشر في المقضي المقدر.

وأضاف فضيلته: إن مما آلم كل مسلم، ما وقع في بعض بلدان المسلمين، من الزلازل المدمرة،
والأعاصير المهلكة، والسيول المميتة، والحمد لله على ما قضى به وقدر، وحكم وأبرم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، رحم الله الأموات، وأعان الأحياء وعوضهم كل الخيرات والمسرات في مستقبلهم وجميع المسلمين.

وبيّن: وإن المسلم حين يصاب بمصيبة فيصبر ويحتسب، فهو مبشر بأعلى الدرجات وأسنى المراتب، قال تعالى: (وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ * أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ).

وقال صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
وأكمل فضيلته: كلما عظمت المصيبة، كلما عظم الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: ««إن عظيم
الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم من رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط».
ولهذا بالصبر والرضا بالقضاء والقدر، تهون المصائب، وتسلوا النفوس، وتطمئن القلوب؛ ومن الحكم الربانية في وقوع المصائب والمحن، أن الله عز وجل يكفر عن العبد المسلم السيئات، ويحط بها عنه الخطيئات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة).

فاصبر أيها المسلم على قضاء الله وقدره، واعلم أن الله أعد لك عند المصيبة الخير الأوفى، والعاقبة الحسنى؛ والمصائب والمحن، تعلم العباد أنهم ضعفاء، وأن القوة لله جميعاً، فحينئذ لا بد أن نأخذ منها دروساً لتعرفنا حقيقتنا، فالعباد بحاجة ملحة للتذلل والانكسار لخالقهم، والتضرع وتحقيق كمال التعبد لربهم بالرغبة والالتجاء.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: من رحمة الله بعباده المؤمنين، وعظيم فضله، وواسع كرمه سبحانه، ما من به على عباده المؤمنين، حين تقع بهم المصائب ما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».

9DB4C759 BED8 4B23 8C5E 516807C73D7D3578ABEC C35B 4CBE 9765 56BDEB147FD1F26176F0 1D51 4FED 92A5 277192093ADF


أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل فضيلته خطبته الأولى قائلًا: فاتقوا الله ايها المؤمنون حق تقواه، وداوموا على تقواه إلى الممات ، وان مما يعين على التقوى الاجتماع والاعتصام بدين الله تعالى ، فإن من أعظم غايات الشريعة الإسلامية الباثقة اجتماع الكلمة وألفة القلوب بين المسلمين فبهما تتحقق مصالح الدين والدنيا ، قال تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا ).

ثمّ بيّن فضيلة خطيب المسجد الحرام: أن الله عز وجل منّ على هذه البلاد المملكة العربية السعودية من نعم كثيرة، أعظمها وأجلها نعمة التوحيد والإيمان ، وكذلك نعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف التي ما تمت إلا بتلاقي القلوب على هدي الكتاب والسنة على يد جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، الذي أيده الله ونصره ومكنه في أرضه ، فوحدّ أطراف المملكة العربية السعودية، وجمع شتاتها سائراً على شريعة نبي الرحمة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى اله وسلم تسليماً-، فجعل القرآن دليله والسنة سبيله، فأصبح الناس في هذه البلاد بعد أن كانوا قوى متفرقة في نفوس متناثرة إخوة متآلفين يتناصرون ويتناصحون ، وسار أبناؤه البررة من بعده على طريقته إلى هذا العهد الزاهر، عهد القوي الأمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله- ، فساد الأمن والرخاء والاستقرار والازدهار، وستبقى هذه البلاد بإذن الله تعالى جامعة بين الأصالة والمعاصرة على نهج الكتاب والسنة ، فوجب لمن هذا وسمعه السمع والطاعة في المعروف ، قال تعالى : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَتَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

وفي الحديث المتفق على صحته عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصا الأمير فقد عصاني )  ، ومن النعم العظيمة على هذه البلاد المباركة خدمة الحرمين الشريفين حيث يشرف أهل هذه البلاد وعلى رأسهم ولاة أمرهم بتقديم كل ما يستطيعون عمارة معنوية ومادية حتى يؤدي زوار بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم شعائرهم في طمأنينة وراحة وصفاء نفس يقصدها الناس من كل مكان امتثالاً لقوله تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ).

ومن نعم الله العظيمة علينا في المملكة العربية السعودية ما منّ الله تعالى به علينا من البيعة الشرعية لولاة الأمر على الكتاب والسنة، وانتقال الحكم بين ملوك هذه البلاد بكل ثقة وطمأنينة ووحدة صف واجتماع كلمة مما يسرُّ الصديق ويغيظ العدو. 

فاتقوا الله أيها المسلمون، واشكروا نعمه واحذروا نقمه، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، والزموا كتاب ربكم، وتمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً، واطيعوا ذا امركم بالمعروف توفقوا وتسددوا وتنصروا.

اللهم لك الحمد ولك الشكر كبت عدونا وبسطت رزقنا وجمعت فرقتنا ووحدت صفوفنا خلف قائدنا وإمامنا اللهم زدنا من فضلك وإحسانك وجودك وكرمك واغفر لنا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.

وفي الخطبة الثانية أكّد فضيلة الشيخ الجهني على التضرّع لله سبحانهُ وتعالى عند حدوث المصائب، قال الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي: هلا تضرعوا؛ فحث الله عباده إذا حلَّت بهم المصائب من الأمراض والزلازل والريح العاصفة، أن يتضرعوا إليه، ويفتقروا إليه، فيسألوه العون.

وقد ثبت عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- : أنه لما وقع الزلزال، كتب إلى عماله في البلدان أن يأمروا المسلمين بالتوبة والضراعة والاستغفار.
وهذه الكوارث والآيات نذر تظهر ضعف البشر ، لا يستطيعون ردها ولا هم ينصرون، ولا هم ينظرون لعلهم يحذرون، لعلهم يتقون ، لعلهم يتذكرون ، لعلهم يرجعون ، لعلهم ينتهون.
عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ» رواه أحمد.

وإننا في هذه المملكة العربية السعودية مع إخواننا في كل الظروف والأحوال، نشاركهم في مشاعرهم، في أفراحهم وأحزانهم وأتراحهم، ولقد تألمنا كثيراً لأحداث الزلزال والفيضان الذين أصابا المملكة المغربية ودولة ليبيا الشقيقتين فأحدثا نقصاً في الأموال والأنفس والثمرات، وشأن المؤمن عند الابتلاء الصبر والاحتساب والتسليم لينال بشارة الله سبحانه وتعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) فخالص العزاء وصادق الدعاء والمواساة لأهلنا في المغرب وليبيا .

وقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -نصرهما الله- لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتيسير جسر جوي لتقديم المساعدات الإغاثية المتنوعة للشعبين المغربي والليبي الشقيقين، تضامنا واستشعاراً للأخوة الإسلامية ولتخفيف معاناتهم، ويأتي ذلك امتداداً لدعم المملكة العربية السعودية المتواصل للدول الشقيقة والصديقة خلال مختلف الأزمات والمحن التي تمر بها، فجزاهما الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خيراً، وخير ما نقول ما قاله عباد الله الصالحون إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

واختتم فضيلة الدكتور عبدالله الجهني خطبته بالابتهال والدعاء للمولى -عزّ وجل- بأن يرحم ضعف إخواننا في المملكة المغربية وفي ليبيا، وأن يرحم حاجتهم إليه، وانكسارهم بين يديه، وأن يُهيئ لهم من أمرهم رشداً، ويزقهم توبةً نصوحاً ورجوعاً إليه صادقاً، كما دعى فضيلته لمن توفي جراء الزالزل والفيضان بالرحمة والمغفرة، ولأهلهم بالصبر والثبات ، واأن يشفي الله الجرحى والمصابين، ويخفّف عنهم آلامهم عاجلاً غير آجل.
DA7CF64A B12C 40B5 B927 CF4D212414EFD4D64592 16BC 46DD 925C 6792C03C8555E4B9E8B6 529F 4A7B 94B6 D19A401BE9741ACAFC57 C5C4 409A ABCC E24325BB6B5E11EE55A8 5D89 4497 BDD3 5A372C47735DB378B35D 356C 4939 AEAF 22AB34FBB8FBBA55C9A6 A18A 4D50 AEF7 1D7B0BE0818F
الصفحة 1 من 2