يتوزع 15 جهاز إنعاش قلبي في أماكن حيوية داخل المسجد الحرام، وتتواجد 5 أجهزة في الأبواب الرئيسية، و5 أجهزة في المطاف، و5 أجهزة في التوسعة السعودية الثالثة.
من ناحية أخرى، سجلت أجهزة الإنعاش القلبي داخل المسجد الحرام 19 حالة استخدام خلال العام الماضي 2023م، سواء من قبل المعتمرين أو المتطوعين أو الموظفين داخل الحرم.
وتعد أجهزة الإنعاش القلبي جزءًا حيويًا من التجهيزات الطبية المستخدمة لإنقاذ حياة الأفراد الذين يعانون من حالات طارئة، خاصةً في حالات توقف القلب أو انخفاض نشاطه؛ تتمثل وظيفة هذه الأجهزة في توفير تيار كهربائي منتظم للقلب، سعيًا لاستعادة نمط نبضه الطبيعي.
كما أن الخدمات الطبية والإسعافية داخل المسجد الحرام جزءًا من منظومة متكاملة وشاملة تقدمها الجهات المعنية في سبيل ضمان سلامة وراحة زوار بيت الله الحرام، والتعامل مع أي طارئ صحي وتقديم الرعاية اللازمة في أوقات الحاجة.

-5845803261746069730_121_1.jpg

أم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف. واستهل خطبته بعد أن حمد الله تعالى بقوله: عباد الله توسلوا إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته بطلب ما عنده من الخيرات ودفع ما قدر من الشرور والمكروهات، فمبدأ الخيرات من الله، وتقدير المخلوقات شرها وخيرها بقدر من الله فلله الحجة البالغة والحكمة التامة، قال الله تعالى : (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، وقال سبحانه: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال سبحانه: (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )، وقال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، فإذا كانت الخيرات كلها بيد الله والمقادير كلها بقضاء الله وقدره والموت والحياة بيد الله والرزق بيد الله لا بيد غيره فكيف يلتفت القلب إلى غير الخالق المدبر الرحيم، وإذ قد تبين أنه لا يأتي بالخيرات والحسنات إلا الله ولا يدفع الشرور والسيئات ولا يعيذ من النار إلا الرب جل وعلا وأنه لا يكون في هذا الكون شيء إلا بأمر الله سبحانه وبعلمه، ولكن لا ينال ما عند الله من الخير إلا بالأسباب التي شرعها وأمر بها وجوباً أو استحباباً ولا يدفع الشرور والعقوبات في الدنيا والعذاب في الآخرة إلا بترك المعاصي والمحرمات.

وأكمل: ومن رحمة الله بعباده أن فرض الفرائض عليهم ليرتقوا في درجات الكمال، وحرم على عباده الفواحش ما ظهر منها وما بطن ليتطهروا من الخبائث والنجس والرجس والأدناس فما من طاعة لله تعالى إلا وهي برحمة الله تعالى، وما من معصية نهى الله عنها إلا نهى الله عنها رحمة لعباده، فالله لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة الطائعين.

وأضاف فضيلته: والرب جل وتقدس في أسمائه وصفاته علاقته ومعاملته لخلقه بالرحمة، فسور القرآن الكريم تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وأعظم سورة هي الفاتحة اشتملت على اسم الرحمن الرحيم وعلى صفات الله العظمى والرحمة الصفة العظمى اتصف الله بها حقيقة كما يليق به جل وعلا ومن فسرها بنعمته فهو تفسير مبتدع؛ بل نعمة الله تعالى أثر من آثار رحمة الله سبحانه؛ وسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين قال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فمحمد صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين بما نالوا من العلم النافع والعمل الصالح والهدى واليقين والعز والرفعة والتمكين والحياة الطيبة في الدنيا والدرجات العلى في جنات النعيم في الآخرة والكفار والمنافقون نالتهم رحمة بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتقليل شرهم ومحاصرة إفسادهم في الأرض وتضييق دائرة انتشاره ومنعه من غشيان الأرض بجهاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبإقبال الأمم على تعلم القرآن وتعلم الحديث والعمل بهما؛ ولا صلاح لأمة الإسلام إلا بهما قال سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).

وبيّن: أيها المسلمون آية في كتاب ربكم لو عملتم بها لجمع الله لكم بها كل الخيرات ولصرف الله عنكم كل الشرور والمكروهات هي قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أمركم فيها بالتقوى وهي فعل أوامر الله وترك نواهيه والتقرب إلى الله بأنواع الوسيلة، قال المفسرون: الوسيلة أنواع القربات كلها، فكل طاعة وسيلة إلى الله سبحانه وكل معصية تركها العبد لربه فهي وسيلة إلى الرب تعالى، لأن الطاعة وترك المعصية توصل العبد إلى رضوان الله سبحانه وإلى سعادة الدنيا وإلى جنات النعيم، فهذه الوسيلة أسباب رحمة الله، فرحمة الله العامة للخلق كلهم في الدنيا، وفي الآخرة خاصة بالمؤمنين، ولأن الكافر لم يعمل بأسباب الرحمة وإنما عمل بأسباب غضب الله والخلود في النار، والرحمة صفة من صفات الله تبارك وتعالى يحبها الله تعالى ويثيب عليها عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء )، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على ولدها وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة).

وأوضح فضيلته: الرحمة تعاون على كل فضيلة وتسابق على كل خير وتتأكد الرحمة على الوالدين للولد برعايتهما الصحية وتعليمهما والحفاظ عليهما من قرناء الفساد وإلزامهما بالنشأة الإسلامية ليتأهل للحياة الكريمة فالأسرة بناء المجتمع، وتتأكد الرحمة على الغني للفقير لسد حاجته، وعلى القوي للضعيف برفع ضعفه، وعلى القادر للعاجز وعلى الكبير للصغير وعلى ذي الجاه لمن دونه وعلى العالم للجاهل فيما يحتاجه، وعلى الولد للوالدين ببرهما والإحسان إليهما، وعلى من يقدر على قضاء حاجة المحتاج الملهوف، وعلى ذي الرحم لرحمه بأنواع الصلة والنفع المقدور عليه، وتتأكد الرحمة بين الزوجين لقوله تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، والرحمة كالعافية للأبدان وكالغيث للأوطان ولا صلاح للحياة إلا بها؛ والرحمة في الإسلام مطلوبة حتى لأنواع الحيوان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم يطيف بركية وهي: البئر الصغير قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته فغفر الله لها، فقالوا يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً ؟ فقال : (في كل كبد رطبة أجر).

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أيها المسلمون عظموا نعم الله عليكم بما رحمكم الله به وأعانكم عليه من الطاعات وصرف عنكم من السيئات فكل طاعة لله رحمة من ربكم، وكل معصية عصم الرب العبد منها رحمة، فالحسنة منة من الله من جميع الوجوه، والسيئة بسبب العبد والله قدرها عليه، فليفرح المسلم بالطاعة وترك المعصية ففي ذلك الثواب والنجاة من العقاب، والمسلم مهما تقرب إلى الله فلن يدخل الجنة بعمله، قال صلى الله عليه وسلم (لن ينجي أحداً منكم عمله) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمَّدَني الله برحمة).

GEw2QlcWIAAyJ0JGEw2QlaWcAAwAmFGEw2QlTWcAA9Rbv
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة إمام وخطيب المسجد الحرام، واستهل خطبته الأولى قائلاً: العقلُ أصلُ المعرفة، ومادةُ الفهم، وينبوعُ العِلم، ومَرقاةُ الأدب، به تَظهرُ الحقائق، وتَلُوحُ الخَفِيات، وتُوزَنُ الأمور، وتُكتسبُ الفضائل، وهو نعمةٌ يُنعِمُ اللهُ بها على مَن أراد كرامتَه مِن عباده، وقَضى له بحُسن العاقبة في مَعاده، قال تعالى: (لآيات لقوم يعقلون) وقال تعالى: (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) وقال تعالى: (هل في ذلك قسم لذي حجر) أي: لذي العقل والنُّهى.

وأضاف فضيلته: والعقلُ نورٌ في القلب كنور البصرِ في العين، يَنقُصُ ويزيد، ويذهبُ ويعود، يُدرِكُ به المرءُ الأشياءَ على ما هي عليه مِن ماهية مَبانيها، وصحةِ مَعانيها، ويُصيبُ الرأيَ الصواب، ويُدركُ البيان، ويمتنعُ عما لا يَجْمُل، فهو في سَداد ورَشاد وإمداد، قال عمرُ رضي اللهُ عنه: (أصلُ الرجلِ عقلُه) وقيل لعبدِالله بنِ المباركِ رحمه الله: (ما خيرُ ما أُعطيَ الرجل؟ قال: غريزةُ عقل) وقال الحسنُ البصريُّ رحمه الله: (ما تمَّ دينُ عبدٍ قطُّ حتى يَتِمَّ عقلُه).

وبيّن فضيلته: للعقل أماراتٌ على صاحبه، وصفاتٌ تدُل عليه، فأولُ صفاتِ العاقلِ العقلُ عن الله تعالى في أمره ونهيه، والإيمانُ به، والاتباعُ لرُسُله، قال تعالى: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) وقال تعالى عن أصحاب النار عِياذًا به منها: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).

ونوّه: والعاقلُ لا يُقدِّمُ عقلَه على النقل، ولا يُخضِعُ الشرعَ تبعًا لرأيه، فلا يَسلَمُ إسلامُ العبدِ إلا بالتسليمِ التامِّ لنصوص الوحيين الشريفين، والإذعانِ لهما، والعملِ بهما، قال الزُّهريُّ رحمه الله: (مِن الله الرسالة، وعلى رسول الله ﷺالبلاغ، وعلينا التسليم) وقال ابنُ القيم رحمه الله: (كلُّ مَن له مِسْكةٌ من عقل يعلمُ أن فسادَ العالمِ وخرابَه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل) انتهى كلامُه.

وأشار: والعاقلُ يتأمُّلُ في مُلك الله وملكوته، ويتدبرُ آياتِه ودلائلَ قُدرته، قال تعالى: (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين*وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون*واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون). والعاقلُ لا يُؤثِرُ اللذةَ العاجلة، ولا يُقدِّمُ المتعةَ الزائلة؛ لأنه يعلمُ أن الدنيا ظِلُّ غَمام، وحُلُمُ مَنام، لا تُبقي على حالة، ولا تخلُو من استحالة، السكونُ فيها خَطَر، والثقةُ بها غَرَر، والإخلادُ إليها مُحال، والاعتمادُ عليها ضلال، قال تعالى: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) وقال تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار خير للذين يتقون أفلا تعقلون).

وبيّن فضيلته: ومن صفات العاقل حُسْنُ السمت، وطولُ الصمت، وعدمُ الابتداءِ بالكلام إلا حينَ السؤال، وعدمُ الجوابِ إلا عند التثبُّت.والعاقلُ لا يَستحقرُ أحدا، ولا يَخفى عليه عيبُ نفسِه؛ لأن مَن خَفِي عليه عيبُه خَفِيت عليه محاسنُ غيره. والعاقلُ إذا عَلِم عَمِل، وإذا عَمِل تواضع، وإذا نظرَ اعتبر، وإذا صَمَت تفكر، وإذا تكلم ذَكر، وإذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُليَ صبر، وإذا جُهِل عليه حَلُم، وإذا سُئل بَذل، وإذا نطق صدق.

وذكّر فضيلته في خطبته الثانية على أنّ العقلُ نعمةٌ من الله كُبرى، ومِنحة عُظمى، حقيقةٌ بشُكرِ الله وحَمْده، ومِن شُكره سبحانه حفظُه مما يُكدِّرُ صَفوَه وصَفاءَه، ويُعكِّرُ نورَه ونقاءَه، ومِن ذلك الهوى، فهو للعقل مُضاد، وللخير صاد، وهو مَركبٌ ذميمٌ يسيرُ بالإنسان إلى ظُلُمات الفتن، ومَرْتَعٌ وخيمٌ يُقعِدُه في مواطن المحن، قال تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
وآفةُ العقلِ الهوى فمَن عَلا                     على هواهُ عقلُه فقد نجا

واختتم فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة خطبته بقول عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه: (أخافُ عليكم اثنتين: اتباعَ الهوى وطولَ الأمل، فإن اتباعَ الهوى يَصُدُّ عن الحق، وطولَ الأملِ يُنسي الآخرة)،
واعْلَمْ بأنك لن تفوزَ ولن ترى             طُرُقَ الرشادِ إذا اتبعتَ هَواكا


photo1706266264 2photo1706266264 4photo1706266279 1photo1706266279photo1706266264 6photo1706266264 7photo1706266264 3
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته قائلًا: في قصص القرآن عظة وعبرة، ودروس لا تنضب؛ يغرسها القرآن، وتتألق راسخة بفصاحته وقوة بيانه، ومن عاش في رحاب القرآن علا قدره واستبان له أمره.
احتفى القرآن بسيرة سيدة ماجدة، وامرأة فاضلة وفتاة عابدة قانتة، خلد القرآن ذكرها في سورة سميت باسمها؛ قال تعالى: (واذكر في الكتاب مريم)؛ زكيت قبل ميلادها، وبزغ فجرها في بيت صلاحه متسلسل، واصطفاؤه مستحق؛ أثنى الإله عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)؛ فعمران والد مريم ابنة عمران أم عيسى ابن مريم عليه السلام ؛ ولهذا قال سبحانه: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)؛ والبيت الذي يظلله الدين، ويضاء بالطاعة، ويحيا بالذكر، ويدور مع الشرع حيث دار؛ بيت كريم يُخرج نباته طيبًا ويثمر بإذن ربه ولو بعد حين.
وبيّن فضيلته: امرأة عمران وقبل الميلاد رسمت مستقبل ما في بطنها وحددت له هدفًا ساميًا في الحياة، وصف القرآن نيتها الصادقة إذ قالت: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)؛ أي جعلت لك يا رب نذرًا أن ذلك الذي في بطني محرر لعبادتك، وحبسته على طاعتك، وخدمة قدسك لا أشغله بشيء من الدنيا.
وأوضح: الدعاء للذرية أساس التربية، ومفتاح الصلاح والإصلاح، لا يفتر لسان الوالدين عن اللهج به، ولا يغفل قلبهما عن استحضاره في كل وقت وحين، ومن الخطورة بمكان؛ أن تخرج الأم عن طورها حال الغضب والانفعال؛ فتدعو على الذرية بالهلاك وعدم التوفيق، فيوافق ساعة إجابة.
وأكمل فضيلته: امرأة عمران أحاطت النية الصادقة بدعاء خالص أن يتقبل الله منها؛ (فَتَقَبَّلْ مِنِّىٓ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ)، أي السامع لدعائي، العالم بما يكون صالحًا؛ لأن الإنسان قد يسأل الشيء وليس من صالحه حصوله، فيسند الأمر إلى علم الله عز وجل.
(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)، قالت ذلك اعتذار منها إلى الله أنها وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في البيت المقدس، ثم قالت: وليس الذكر الذي أردته للخدمة كالأنثى، الذكر أقوى على الخدمة وتحمل الأعباء وأقوم بها؛ فلا سواء بين الذكر والأنثى بل لكل واحد منهما ميزاته وخصائصه الرجل يفوق الأنثى في شيء، وللأنثى من الخصائص ما يؤهلها لأن تقوم مقامًا لا يقومه الرجال ولا يطيقونه، ومريم الصديقة أنموذج يؤكد هذا المعنى، يشيد بها القرآن، ويجعل مواقفها دروسًا تحتذى للأجيال.
وأضاف: تقبل الله دعاء امرأة عمران في مولودتها: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا)، ورسم لها ولفتاتها بل ولكل فتاة مسلمة معالم الطريق في الحياة السعي لرضا الله، النبات الحسن بكمال الأدب والعفة والحشمة، والصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة والعبادة.
(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، فالله قد ييسر للإنسان من الرزق ما لا يكون في حسبانه؛ يرزق من يشاء من عباده بغير عوض وبغير حساب فهو الغني يرزق الرزق الكثير، والصديقة مريم تعلمنا إسناد النعمة إلى المنعم، وشكره عليها.
وأوضح فضيلته: أيتها الفتاة المسلمة؛ القنوت والسجود والركوع هو من شكر المنعم الذي وهب لك الجمال، ودثرك بالإسلام، ومتعك بالصحة والعافية، وهو حصانة من منافذ إبليس وخطوات الشيطان، وهو موطن التكريم لمن رامت الكرامة، ومحراب العزة لمن ابتغت إلى ربها سبيلاً.
وبيّن: الابتلاء سنة الحياة، وابتليت الصديقة مريم؛ فقد تنحت واعتزلت عن قومها لتتفرغ للعبادة؛ فأرسل الله إليها جبريل فتمثل لها في صورة رجل تام الخلقة، بحسن فائق، وجمال رائق؛ فظهر منها الورع والعفاف مع توفر جميع الدواعي؛ قالت إني استجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت تقيًا، فقال لها الملك: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا من غير أب؛ علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى، وتصور حال الصديقة مريم، ووقع الأمر عليها؛ حين تصبح حاملًا بلا زوج ولا مساس من رجل؛ حتى اضطرتها شدة الحال إلى تمني الموت؛ إن تمنيها الموت عند الفتنة كان من جهة الدين، وهو أمر مباح؛ إذ خافت أن يظن بها الشر، وتعير ولا تصدق في خبرها ، وما ورد من النهي عن تمني الموت؛ إنما هو لضر نزل بالبدن.
وفي أوج المواقف العصيبة والمحن يأتي الفرج ويمتد اللطف قال الله تعالى: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)،
ومن كان مع الله لا يحزن، ومن حفظ الله لا يقلق، ومن أقبل على الله قرت عينه ، ومن عاش في رحاب الدين حماه الله وضمن له السلامة وهناء العيش وبحبوحة الحياة؛ فلا ترهق نفسك بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولا تحمل هم المستقبل؛ فالأمر بيد الله.
وفي خضم الحيرة الشديدة يأتي التوجيه الرباني: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)؛ صمتت مريم البتول في موقفها العصيب لتعلمنا أن الإنسان يبلغ به الحال في بعض الأحوال مرحلة العجز حتى في الدفاع عن نفسه، فإن هو علم أن الله وليه وهو كافيه؛ كفاه الله شر كل ذي شر، ودفع عنه بأس كل ذي بأس، صمتت مريم البتول في موقفها العصيب لتعلمنا درسًا تاريخيًا أن الصمت في بعض الأحيان أبلغ من الكلام، وأن السكوت أولى من النطق، وتعلمنا كراهة مجادلة السفهاء، فالسكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس؛ سفيه لم يجد مسافهاً.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: قال الله تعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)؛ اتهام الناس في أعراضهم وتصدير سوء الظن وإصدار الأحكام قبل التثبت ؛ إفك بغيض، وإيذاء بالغ، وبهتان محرم؛ (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)، الصديقة مريم أشارت إلى طفلها في حجرها عيسى عليه السلام، فقالوا منكرين عليها: كيف نكلم طفلاً رضيعاً؟! فنطق عيسى قائلاً : إني عبد الله قضى بإعطائي الكتاب، وجعلني نبيًا، وجعلني عظيم النفع للناس، وأوصاني بالصلاة والزكاة، وجعلني بارًا بوالدتي، ولم يجعلني متكبرًا ولا شقيًا ولا عاصيًا لربي.

IMG 3519IMG 3520IMG 3521


أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام ابتدأها قائلاً: ليس كل أحد يحيا في هذه الدنيا حياةً ذاتَ قيمة؛ إذ هناك حياة خاصة حقيقٌ بالمرء أن يسعى إليها ليكون حيا حقا، وليجعل لحياته التي يعيشها معنى وأثرا، فتعالوا عباد الله لنتعرف على هذه الحقيقة من خلال ما بين لنا ربنا عز وجل في محكم التنزيل والمعاني المستفادةِ من ذلك النداء القرآني الجليل ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِ وَأَنَّهُ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ أي: أجيبوا الرَّسول إذا دعاكم إلى ما فيه صلاحٌ لكم، وحياةٌ طيبةٌ نافعةٌ لأبدانِكم وأرواحِكم في الدُّنيا والآخرةِ.

وأوضح الشيخ غزاوي أن حياة القلوب والأرواح لا تكون إلا بعبودية اللّه تعالى والاستجابةِ للوحي ولزومِ طاعة الله وطاعة رسوله على الدوام‏، فعلينا أن نستشعر دائما أن حياتنا الحقيقية إنما تكون في شرع ربنا ومنهجه وبما يدعونا إليه اللهُ والرسول من العلم والإيمان، وهذه هي الحياة النافعة التي تحصل بالاستجابة لله ولرسوله ظاهرا وباطنا، فَيَمْتَثِلُ العبد المَأْمُورَ بِهِ ويَجْتَنِبُ المَنهِيَّ عَنْهُ، فَيَئُولُ إلى الحَياتَيْنِ الطَّيِّبَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات، ولا عجب فقد بين تعالى حال من جعل همَّه طولَ الحياة مع إعراضه عن عبودية ربه فقال سبحانه: ﴿ولَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ﴾ فهم أشد الناس حرصًا على الحياة مهما كانت مهينة ذليلة، وليس شرطا عندهم أن تكون حياة كريمة عزيزة.

وبين فضيلته أن في الاستِجابة لله والرسول حياةُ القلبِ والعقل، حياةُ النفس والمُجتمع، حياةُ الأمة كلِّها، ومما يستفاد من قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ﴾ أنَّهُ يَجِبُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ إذا بَلَغَهُ قَوْلُ اللَّهِ أوْ قَوْلُ رَسُولِهِ في حُكْمٍ مِنَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ أنْ يُبادِرَ إلى العَمَلِ بِهِ كائِنًا ما كانَ، ويَدَعَ ما خالَفَهُ مِنَ الرَّأْيِ وأقْوالِ الرِّجالِ، كما أن في هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بما جاء في الوحيين وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان، وإذا استجاب المرء لله ولرسوله واهتدى بالقرآن وعمل بما فيه حصلت له الحياة الطيبة وكان على الهُدى والرشاد ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَا مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾، وإذا قام العبد بطاعة ربه وعبوديته مخلصا له فكل ما يجري عليه مما يكره يكون خيرا له، وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من محبوب هو شر له.

وأضاف: ما أجملَ الحياةَ في رحاب الإيمان! وما أطيبَ العيشَ في طاعة الرحمن! فالمستجيبون لله ولرسوله هم أهل الفلاح، وهم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياءَ الأبدان. ولهذا كان أكملُ الناس حياةً أكملَهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ كلَّ ما دَعا إليه ففيه الحَياة، فمَن فاتَه جُزءٌ منه فاته جزءٌ من الحياة. وفيه من الحَياة بحسَب ما استجَاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وبهذا ينتقل المؤمن بِعِزِّ الإيمانِ والعِلْمِ عَنْ حالِ الكَفَرَةِ مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ وعَدَمِ العَقْلِ الَّذِي هو المَوْتُ المَعْنَوِيُّ إلى الحَياةِ المَعْنَوِيَّةِ، فلا حياة ولا سعادة ولا طمأنينة إلا في الاستجابة لله وللرسول، ولا ضيق ولا كدر ولا ضنك في العيش إلا بالبعد عن شرع الله جل وعلا.

وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام من تَرْكِ الاستجابةِ لِرَسولِه إذا دعانا لِما يُحيِينا أو أن نردَّ أمْرَ اللهِ حين يأتِينا، أو نتثاقلَ ونتباطَأَ عن الاستجابةِ له، فمن وقع في ذلك فإنه لا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه؛ فلا يمكّنه بعد ذلك من الاستجابة إذا أرادها، عقوبةً له على تركها بعد وضوح الحق واستبانته، فيكون كما في قوله: ﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وقوله سبحانه ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ وقوله: ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِن قَبْلُ﴾.

واختتم فضيلته خطبته قائلاً :ها نحن الآن في شهر رجب أحد الأشهر الحرم التي يجب أن نستشعر مكانتها ونراعي حرمتها، استجابة لأمر الله عز وجل إذ يقول: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ..﴾ قال قتادة رحمه الله: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء".

IMG 3501IMG 3502IMG 3503IMG 3504IMG 3506IMG 3507IMG 3508IMG 3509IMG 3510IMG 3511IMG 3512IMG 3513IMG 3514IMG 3515IMG 3516IMG 3517
يحظى قاصدي المسجد الحرام بتقديم الرعاية الصحية على مدار (24) ساعة طوال أيام الأسبوع من خلال ثلاثة مراكز للطوارئ بالمسجد الحرام، ويقع مركز طوارئ الحرم رقم (1) بتوسعة الملك فهد – الدور الأول، ومركز طوارئ الحرم (3) بالرواق السعودي باب الصفا سابقاً (جوار مصلى الجنائز)، ومركز طوارئ الحرم رقم (4) بالرواق السعودي – الدور الأول – بجوار جسر أجياد.

وتباشر وزارة الصحة في إطار دورها التكاملي والذي يتماشى مع رؤية المملكة (2030)، وبالتعاون مع الهيئة العامة للعناية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، بتقديم الرعاية الأولية والصحية والتوعوية لضيوف الرحمن، بما يحقق المساهمة في توفير خدمات صحية عالية الجودة تتناسب مع استضافة أكثر من 15 مليون معتمر بحلول العام 2025 م.

وتتكامل الهيئة العامة للعناية بالحرمين الشريفين مع وزارة الصحة في تقديم مبادرة توعوية منها مرض السكري وتثقيف المرضى المصابين به، وفحص ذاتي لمرضى السكر، وكذلك حملة تطعيم الإنفلونزا الموسمية.

فيما يشارك أعداد من المتطوعين الصحيين في خدمة ضيوف الرحمن من خلال التسجيل في المنصة الوطنية للعمل التطوعي عبر الفرص التطوعية المتاحة في رحاب المسجد الحرام، كذلك يتم تشغيل مستشفى الحرم للطوارئ بالتوسعة السعودية الثالثة لمواكبة حجم الاحتياج للخدمات الصحية بالحرم المكي، مع تفعيل خطط الإخلاء الطبي السريع إلى خارج المنطقة المركزية لمستشفيات تجمع مكة المكرمة الصحي.

d423e7f4 3cfb 4343 872f c5bfb1cdad43
363e21cb f964 4f41 8fe1 5ccbe7aa737e41fadbd8 57b2 4186 a310 2578bb1973d56cc85293 ba58 4cff a472 86caf2250e11



الثلاثاء, 16 كانون2/يناير 2024 15:27

لقاء بعنوان "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"


أقامت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بالتعاون مع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء لقاء بعنوان "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"، حيث قدم اللقاء مفوض الإفتاء بمنطقة مكة المكرمة فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عمر بازمول، ومفوض الإفتاء بمنطقة حائل فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن جزاع الرضيمان.

ويهدف اللقاء إلى بيان عظم أمر الفتوى وأهمية أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة لمنسوبي الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

ويأتي ذلك لترسيخ وتعزيز الشراكة بين الجهتين في توعية ضيف الرحمن وإيصال الفتوى الشرعية الصحيحة لهم حتى يؤدوا مناسكهم بكل يسر وطمأنينة.
ef0e1781 4b59 4469 a72e 6f0d430b25a7f371abe2 0ab6 47c5 84e2 29cc734c9216e4f3ff8b 52a0 453e bea5 621cfbc17fc5

أختتمت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مشاركتها في مؤتمر خدمات الحج والعمرة 2024م والذي نظمته وزارة الحج والعمرة للتعريف بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.

حيث شاركت الهئية بمعرض مصاحب تضمن على العديد من المحتويات التوعوية والخدمات التي تقدمها الهيئة في سبيل إثراء تجربة ورحلة الزائر والمعتمر والحاج وتعريفهم بالجهود التي تقدمها المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن.

وفي ختام المعرض تم تكريم الهيئة ضمن القطاعات الحكومية المشاركة في المؤتمر.

يذكر أن مؤتمر ومعرض خدمات الحج والعمرة 2024م قدم الفرص النوعية لرواد الأعمال في منظومة الحج والعمرة، وبناء وتطوير الخدمات المبتكرة التي تثري تجربة ضيوف الرحمن خلال رحلتهم الإيمانية بالمملكة العربية السعودية.

IMG 3440IMG 3442IMG 3443IMG 3444IMG 3446IMG 3447IMG 3448IMG 3449

خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ أحمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، وبدأ خطبته قائلًا: عباد الله: أصلحوا قلوبكم بما يصلح القلوب، وراقبوها من الواردات عليها المُفسدة للقلوب فالقلب ملِكُ الجوارح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ).وهل تعلمون أعظم أمراض القلوب التي يحرم من ابتلي بها من الخير كله؟ أو يحرم من ابتلي بها من كثير من أبواب الخير؟ ألا إن أعظم أمراض القلوب: هي الغفلة، فالغفلة المستحكمة هي التي شقي بها الكفار والمنافقون، وهي التي أوجبت لهم الخلود في النار، قال الله تعالى: (مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (106) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (107) أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ ).

وأكمل: قد تكون الغفلة من المسلم عن بعض أعمال الخير، وعن الأخذ بأسباب المنافع والنجاة من الشرور، فيفوته من ثواب الخير بقدر ما أصابه من الغفلة، ويعاقب بالمكروهات والشر بقدر غفلته بترك أسباب النجاة؛ قال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)؛ وقال تعالى في عقوبة الغفلة عن الأخذ بأسباب النجاة: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وبيّن فضيلته: الغفلة هي: عدم إرادة الخير قصدًا، وعدم محبته مع خلو القلب من العلم النافع، والعمل الصالح، وهذه هي الغفلة التامة المهلكة، وهي غفلة الكفار والمنافقين، التي لا يفلح المرة معها إلا بالتوبة إلى الله؛ ولا يتّبع الإنسان - إذا استولت عليه - إلا الظن وما تهواه نفسه، ويزينه له شيطانه، ويحبه هواه من الشهوات، وهذه الغفلة هي التي عاقب الله بها الكفار والمنافقين في الدنيا والآخرة، فغفلة الكفار والمنافقين غفلة مستحكمة تامة، تخلد صاحبها في النار، وهي عدم إرادة الخير قصدًا، وعدم محبته، وخلو القلب من العلم النافع والعمل الصالح، مع اتباع الهوى، قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

وأوضح فضيلته: أما غفلة المسلم، فهي غفلة عن بعض الأعمال الصالحة التي لا يضاد تركها إسلامه، أو الوقوع في بعض المعاصي التي لا تكفر، والغفلة عن عقوباتها؛ والغفلة من المسلم شر عليه كبير، وضرر خطير، تورده المهالك، وتسد عليه من الخير مسالك.
وللغفلة مضار كثيرة، وشرور مستطيرة، قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

وبيّن: الغفلة عن معرفة كمال التوحيد يقع المسلم في نقص كمال التوحيد، قال الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
وبالغفلة عن تعلم أركان الصلاة وواجباتها يقع الخلل في الصلاة، وبالغفلة عن تذكر صلاة الجماعة، يجر إلى التساهل في الجماعة، وبالغفلة عن ثواب الزكاة، والغفلة عن عقوبة مانعها، يكون التفريط في أدائها، وبالغفلة عن تذكر عقوبات عقوق الوالدين، يقترف الولد العقوق، فيحق عليه ما قال عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ( وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء)؛ وبالغفلة عن عقوبة قطيعة الرحم، يقع الوعيد على القاطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع)، وبالغفلة عن عقوبات الظلم، يكثر الظلم في الأرض، فيسفك الدم، ويؤخذ مال الغير، ويعتدى على الأعراض، ويصير العمران خرابًا، والأرض يبابًا، ويهلك الحرث والنسل، وينتشر الخوف، ثم تنزل العقوبة بالظالم، كما قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)؛ فالغفلة مفتاح شرور، ويُحرم بها المسلم من كثير من الأجور، وما يدخل النقص على المسلم إلا من بابها، فالنجاة منها هي السعادة، والبعد عنها رقي في درجات العبادة، والحذر منها حصن من العقوبات في هذه الدنيا، وفوز بالنعيم بعد الممات.

وأوضح فضيلته: لا يكون الاعتصام من الغفلة والنجاة منها، إلا بالابتعاد عن أسبابها، وعدم الركون إلى الدنيا، التي تغر المرء عن آخرته؛ ومما يعين المسلم على تجنب الغفلة: المحافظة على الصلوات جماعة، بخشوع وحضور قلب، فالصلاة تتضمن حياة القلوب، لما فيها من المعان العظيمة؛ ومما ينجي من الغفلة: ذكر الله على كل حال؛ فالذكر يحيي القلوب، ويطرد الشيطان، ويزكي الروح، ويقوي البدن على الطاعات، ويوقظ من نوم النسيان، ودوامه يحفظ العبد من المعاصي؛ ومما يحفظ العبد من الغفلة: تلاوة القرآن؛ ففيه العجائب، وفيه الرغائب، وفيه شفاء القلوب، وفيه الحث على كل خير، والزجر عن كل شر،
ومما يحفظ العبد من الغفلة: مجالسة العلماء والصالحين؛ لأنهم يُذكّرون بالله، ويُعلّمون العلم الشرعي، ومما ينجي من الغفلة: الابتعاد عن مجالس اللهو والفسق وجليس السوء، ومما ينجي من الغفلة: معرفة حقارة الدنيا وزوالها، وعدم الاغترار بزخرفها عن الآخرة؛ فهي التي صدت أكثر الناس عن الآخرة، واتباع الهدى؛ ومما ينجي من الغفلة: مجانبة الذنوب والمعاصي؛ فكل معصية وقع فيها العبد كان ذلك بسبب الغفلة.

واختتم فضيلته الخطبة بقوله: إن من أعظم ما ينقذ المسلم من الغفلة وآثارها الضارة: ذكر الموت وما بعده، فهو واعظ بليغ، مُشاهد مسموع، يقين طعمه، قريب لقاؤه، واقع أمره، ومن أكثر من ذكر الموت صلح قلبه، وزكا عمله، وسلم من الغفلة، وعند الموت يفرح المؤمن، ويندم الفاجر ويتمنى الرجعة، وهيهات أن يستجاب له.

 ٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٣٣٣٢٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٣٣٣٤٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٣٣٣٦


أم المصلين في يوم الجمعة فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي واستهل فضيلته خطبته قائلًا: أمة الإسلام: خلق الله هذا الكون بجَمال وجلال، وإتقان وكمال، بزينة تسترعي النظر، وجمال يستدعي التفكر، لا تنقضي عجائبُه، ولا تنتهي أسرارُه، ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾، فالكون بسمائه وأرضه، وكواكبه ونجومه، ونهاره وليله، وشمسه وقمره، آيات بينات على إتقان الخالق جل وعلا: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾، وكلما تدبرنا آثار خلقه، نرى التقدير بميزان، والحساب بإتقان، وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، فأحسن سبحانه خلقه، وجوده وأتقنه، وجعله بديعاً في هيئته ووظيفته، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، بما تقتضيه حكمة العلي الأعلى، ولو اجتهد الباحث المدقق، ليجد خللا في صنعة الخالق، لرجع إليه جهده صاغرا ذليلا، كليلا ضعيفا، ف﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾، وكل ذلك -يا عباد الله-، ظاهرُ إتقان ما نراه، فكيف بباطن ما لا نراه، من عجائب صنعة الخالق جل في علاه، ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون﴾، وما يزال الحقُّ سبحانه، يكشِف للناس شيئًا من أسرار هذا الكون وآياته، وباهرِ صَنعَتِه وإتقانه، قال عز شأنه: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، ولما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسَه، دعاه خالقه وبارئه، ومصوره وفاطره، إلى التبصر والتفكر في نفسه، ليجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة إتقان خالقه ناطقات، شاهدة لمدبره، دالةً عليه، مرشدةً إليه، فقال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾، فبعد أن كان الإنسان قبل خلقته لم يكن شيئا مذكورا، أصبح خلقا متقنا مستويا إبداعا وجمالا: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.
إخوة الإيمان: إذا كان الله سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان، وأحكمه غاية الإحكام، فلأن تكون شريعته في غاية الإتقان والإحكام أولى وأحرى، فالقرآن والسنة، كل منهما محكم متقن، ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾، وقال سبحانه لنبيه: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾، ولذا أمر عباده بالإتقان وأحبه، والإتقان هو عمل الشيء على أكمل وجه وأحسنه، قال ابن القيم رحمه الله: "والرب تعالى يحب أسماءه وصفاته ويحب مقتضى صفاته وظهور آثارها في العبد فإنه جميل يحب الجمال عفو يحب أهل العفو كريم يحب أهل الكرم عليم يحب أهل العلم وتر يحب أهل الوتر قوى والمؤمن القوى أحب إليه من المؤمن الضعيف صبور يحب الصابرين شكور يحب الشاكرين واذا كان سبحانه يحب المتصفين بآثار صفاته فهو معهم -أي: معية خاصة- بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف"، انتهى كلامه رحمه الله، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، فمن معاني الإحسان: الإتقان والإحكام، فتجويد الشيء وإحسانه وإتقانه، من المطالب الشرعية العظيمة، التي يحبها الله ورسوله، وأول ما ينبغي للعبد أن يسعى في إتقانه وإحسانه، هو توحيد الرب جل جلاله، وإفراده بالعبادة، فمن أجل التوحيد؛ خلق الله السماوات والأرض، والجنة والنار، ولأجله أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وهو أصل الدين وأساسه، وأوَّل أركانه، وأول ما أمر الله به في كتابه؛ وهو أعلى شعب الإيمان، وأثقل شيءٍ في الميزان، وأول ما يُسأل عنه العبد في قبره، ويوم حشره ونشره، والموحد أرجَى من يحظَى بمغفرةِ ربه وعفوه، ففي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: ((وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً، لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً))، رواه مسلم، فمن حقق التوحيد، فاز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وجنة عرضها السموات والأرض، ومن أخل بتوحيده، فأشرك مع الله غيره، لن تُقبَل منه عبادتُه، فالله غنيٌّ عزيز، لا يقبل عملاً لم يُرَد به وجهه، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))، رواه مسلم.
إخوة الإيمان: وأولى الأعمال بالإتقان بعد التوحيد، ما افترضه الله تعالى على عباده، فالوضوء رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في إتقانه ، حتى في المكاره، من برد ونحوه، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟))، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ))، رواه مسلم، وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الإخلال به، ففي صحيح مسلم: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّؤوْا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ))، والصلاة التي هي أعظم الشعائر بعد التوحيد، حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم إتقانها، بل عدّ من لم يتقنها، فأخل بأركانها، أنه لم يُصَلِّ، ففي الصحيحين: قال لرجل لم يتقن أداء صلاته: ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))، رواه البخاري ومسلم، فتربى الصحابة رضي الله عنهم على الإتقان، فكان أحدهم إذا حفظ شيئا من آي القرآن، لم ينتقل لغيرها، حتى يتقنها فقها وعملا.
أمة الإسلام: لم تكن قضية الإتقان في الشريعة، خاصة بالشعائر التعبدية، ولا بالعلوم الشرعية، بل حتى في الأعمال الدنيوية، لأن الإتقان سنة كونية، ومنهج حياة، وسمة حضارة، ولذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم، عُنِيَ بالإتقان في كل شيء، فقال: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))، رواه مسلم، فأراد صلى الله عليه وسلم، أن يكتسب المسلم عادة الإتقان في العمل، حتى ولو لم يكن للعمل آثارا اجتماعية، كذبح البهيمة، الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما كان، ولكن قصد صلى الله عليه وسلم، إتقان العمل في شتى المجالات، فكان يشيد بالمبدعين والمتقنين من أصحاب الحرف، ويُوكلهم إلى ما يتقنونه من الحرف، فهذا طلق بن علي الحنفي رضي الله عنه، جاء إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد النبوي، فأراد أن ينقل معهم الحجارة، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم لخلط الطين، لمهارته فيه، ففي مسند الإمام أحمد: عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: "جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: ((دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ))، بل ذهب النبي صلى الله عليه وسلم، في قضية الإتقان إلى أسمى من ذلك، ففي صحيح مسلم: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ))، وفي شعب الإيمان للبيهقي: شهد النبي صلى الله عليه وسلم جنازة، فترك الصحابة رضي الله عنهم فرجة في القبر، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((سَوُّوا لَحْدَ هَذَا))، حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَمَا إِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِنَ))، فانظروا - حفظكم الله - كيف أمر صلى الله عليه وسلم بالإتقان، حتى في هذا الموضع الذي لا يضرُّ الميت ولا ينفعه، ولكنه التوجيهُ بالإتقان وتنميته، ليكون دافعًا للدعوة إلى إحسان العمل وإجادته، فإذا كان الأمر بالإتقان في الكفن، وتسوية القبر، ففيما هو أكبر منهما أولَى وأحرى، فالحياة لا تنموا ولا تزدهر، والأوطان لا تبنى ولا تتقدم، إلا بالإتقان، سواء في الأعمال التعبدية، أو السلوكية أو المعاشية، فكل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة، فهو مأجور عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾.
الخطبة الثانية: الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.
أما بعد معاشر المؤمنين: إن الإتقان هدف يسمو به المسلم، ليرقى به في مرضاة ربه، والإخلاص له، لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وإخلاص العمل، لا يكون إلا بإتقانه، قال سبحانه: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، أي: أخلصه وأصوبه، فالخالصُ أُخرويٌّ، والصوابُ دنيوي، وهو الإتقان.
إخوة الإيمان: ويتأكد الإتقان، في حياتنا العملية، فيسعى المرء للتفوق في كل جوانب حياته؛ ليكون الإتقان سمة أساسية في شخصيته، ليكون الإتقان ظاهرة سلوكية له، تلازم المرء في عطائه، والمجتمع في تفاعله وإنتاجه، بل ونسعى في تربية أبنائنا على قيمة الإتقان، ليعيشوا حياةً مثمرة، ويفوزوا برضى الرحمن في الآخرة، إن تربية الأبناء على الإتقان -يا عباد الله- يعزز فيهم قوة الإرادة، فتكون لهم أنفسا تواقة، يحققون بها معالي الأمور، ويبتعدون عن سفسافها، فينفعون أنفسهم، ويعمرون أوطانهم، وإن مما يعين الوالدين، في تربية أبنائهم على قيمة الإتقان، التزامهم بأوامر الشريعة، فالصلاة على سبيل المثال، يؤمر بها الابن في السابعة، ويضرب عليها في العاشرة، فإذا وصل مرحلة تكليفه، كان متقناً لصلاته، مجوداً لها، محسناً في أدائها، فالأبناء إذا تربوا على الصلاة، يتقنون عدة مهارات، من إقامة الصلاة على وقتها، واستحضار مقابلة الله فيها، وفعلها خمس مرات في اليوم والليلة، مع طمأنينة الجوارح والأركان، وتسوية الصفوف ومتابعة الإمام، كل هذه الأعمال، تتطلب التعود على الإتقان، حتى ينتقل هذا الإتقان من الصلاة، إلى سائر الأعمال، دنيوية أو أخروية، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟)) قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: ((فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا))، رواه البخاري ومسلم.
٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٢٠٥٣٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٢٠٥٨٢٠٢٤٠١١٢ ١٤٢١٠٠
الصفحة 1 من 2